رئيس التحرير: عادل صبري 12:02 صباحاً | الجمعة 04 يوليو 2025 م | 08 محرم 1447 هـ | الـقـاهـره °

الإخوان والسلطة ... تاريخ من المفاوضات والصراع (1)

الإخوان والسلطة ... تاريخ من المفاوضات والصراع (1)

متابعات

المستشار حسن الهضيبي وعبد الناصر

مصر والمصالحة الوطنية : الأسباب والقضايا والسيناريوهات (2)

الإخوان والسلطة ... تاريخ من المفاوضات والصراع (1)

إبراهيم يوسف 11 أبريل 2015 18:34

مع استمرار الحالة السياسية والاجتماعية في مصر، في حالتها المأزومة الحالية، فإن الحديث عن المصالحة يَبرُز بين الحين والآخر؛ إما للاستهلاك الإعلامي تارةً، وإما لجس النبض من الأطراف المختلفة تارةً أخرى، بناءًا على تحركات على أرض الواقع.

 

نحاول في هذا التقرير، أن نُلقي مزيدًا من الضوء على تاريخ المفاوضات ومحاولات التصالح والتقارب، بين السلطة وجماعة الإخوان المسلمين في مصر.


الإخوان وعبدالناصر .. من الوفاق إلى الشقاق


في عام 1954 وحينما أرد جمال عبدالناصر، أن يُصدر قرارًا بحل جماعة الإخوان المسلمين، بعد صراع طويل مع المرشد الثاني للجماعة حينها، حسن الهضيبي، أراد أن يُشعِر القيادات القديمة للإخوان المسلمين، والشارع السياسى المصري، بأنه في صراع فقط مع قيادة الهضيبي، وليس مع الإسلام، أي أن صراعه مع الإخوان صراعًا سياسيًا، وليس صراعًا دينيًا، فتوجه بعد أيام من إصداره قرار حل جماعة الإخوان المسلمين إلى قبر حسن البنا، وبرفقته عدد من أعضاء مجلس قيادة الثورة، وفى مشهد تاريخي وقف عبدالناصر أمام القبر ليخطب مناشدًا قواعد الإخوان، أنه لم يكن أبدًا نقيضًا للإسلام، وليس لديه ما يدعو إليه غيره، وأنه جندي مخلص من كتائب الدعوة الإسلامية، والنهوض بأوطانه.

 

<a class=عبد الناصر يزور قبر حسن البنا وبجواره أخو البنا" src="http://41.33.215.189//media/images/1428757202-عبد الناصر يزور قبر حسن البنا.jpg" style="width: 350px; height: 431px;" />

عبد الناصر يزور قبر حسن البنا وبجواره أخو البنا

 

وقد كان عبدالقادر عودة، القطب الإخواني البارز، وعبدالرحمن البنا، شقيق حسن البنا في استقبال عبدالناصر عند وصوله إلى القبر، وبعد أن ألقى عبدالناصر كلمته، رد عليه عبدالرحمن البنا قائلاً: "إن مجيئك إلى هنا؛ يؤكد زعامتك لهذه الأمة وانتماءك الصحيح لدينها الحنيف، وإخلاصك غير المنقوص للدعوة إليه"، وطلب عبدالرحمن البنا من جمال عبدالناصر حينها، أن يفرج عن الإخوان المعتقلين الذين كانت قد مضت أيام على اعتقالهم، فى أحداث ما عُرِفت حينها باسم أحداث جامعة القاهرة.

وقد لاقت كلمة عبدالناصر المؤثرة التى ألقاها على قبر البنا استحسان الكثيرين من قواعد الإخوان وقياداتهم، وخففت فى نفوسهم الأثر السيئ الذى أحدث قراره بحل الجماعة.

 

وفى أواخر فبراير من نفس العام 1954، اشتدت وطأة الصراع بين عبدالناصر ومحمد نجيب داخل مجلس قيادة الثورة للأسباب التى يعلمها الجميع.. وقد حاول كل منهما أن يستقطب الإخوان إلى جانبه، فقام عبدالناصر باتخاذ قرار مفاجئ للجميع، بأن أفرج عن جميع الإخوان المعتقلين بمن فيهم حسن الهضيبى خصمه اللدود، وزاد المفاجأة وقعًا بأن توجه فى مساء نفس يوم الإفراج إلى منزل الهضيبى ليزوره ويطيب خاطره، ولكن الهضيبى قابل هذه المبادرة باستعلاء نوعًا ما، تجلت واضحة فى لحظة مغادرة عبدالناصر لبيت الهضيبى الذى لم يَقُم بمصاحبة عبدالناصر حتى باب الخروج من المنزل.

كل ما سبق وما سَيقدُم ذكره، يتوافق مع رواية المستشار الدمرداش العقالي في مذكراته، وهو كان أحد أبرز أعضاء تنظيم الإخوان المسلمين.. وزعيم الطلبة الإخوان بالجامعة في فترة الخمسينات، كما أنه كان مقربًا من سيد قطب، حيث أنه كان خال زوجة العقالي، كما كانا - العقالي وقطب - صديقين في مرحلة الطفولة والشباب وذلك لانتمائهما إلى بلدة واحدة هي أسيوط.. هذا فضلًا عن أن العقالي كان قد انخرط فى صفوف الإخوان قبل أن ينضم إليها سيد قطب نفسه؛ مما كان يجعله في مكانة حينها؛ تمكنه من رؤية الأحداث عن قرب، بل والمشاركة فيها بفاعلية وتأثير.
 

جاءت أحداث 25 مارس التى عُرفت فى التاريخ باسم «أزمة مارس» والتى اشتد فيها الصراع بين عبدالناصر ومحمد نجيب، والتى لعب فيها الإخوان دورًا مؤثرًا، وهنا يجب التوقف قليلاً عند علاقة عبدالناصر بالمرحوم عبدالقادر عودة، الذى تسبب إعدامه مع آخرين فى تعقيد الموقف بين عبدالناصر والإخوان.

 

لقد كانت العلاقة بين عبدالقادرعودة وعبدالناصر حسنة جدًا، حتى إنها لم تتأثر باشتداد الخصومة والصراع بين عبدالناصر والهضيبي، وحينما أصدر عبدالناصر قراره باعتقال قيادات الإخوان، كان عبدالقادرعودة هو الوحيد من بينهم جميعًا الذى استُثنِي من قرار الاعتقال، بل سُمِح له بزيارة السجن الحربش، حيث كان الإخوان يمضون فترة الاعتقال.

 

وكان عودة يحاول جاهدًا خلال زياراته تلك، التقريب بين قيادات الإخوان وعبدالناصر؛ سعيًا لعقد المصالحة بين الجانبين.. وكان يقول ويكرر: "إنه لا يوجد مبرر للصدام مع عبدالناصر أو الثورة، قد يوجد مبرر للخلاف ولكنه لا يرقى إلى مستوى الصدام؛ خاصة أن كل القرارات التى اتخذها عبدالناصر حتى الآن لها ما يسندها فى الشريعة الإسلامية”.

 

هذا هو رأى عبدالقادر عودة الذى كان يُجاهر به فى وجوه الإخوان فى ذلك الوقت، فما الذى حدث إذن حتى ما كاد ينتهى عام 1954، حتى كان عبدالقادر عودة مُعلقًا على أعواد المشانق بأمر عبدالناصر؟

 

مظاهرة عابدين

 

عبد القادر عودة ومحمد نجيب
عبد القادر عودة ومحمد نجيب


في هذه الصورة التي تظهر مشهدًا كان سببًا في تخوف بعض قادة الثورة منه – خاصة عبدالناصر- مما أدى به إلى حبل المشنقة بعد حادثة المنشية.

 

فعبدالقادر عودة كان أحد القضاة قبل أن يتفرغ لمكتب المحاماة، وكان أحد قادة الإخوان والذي كان له دور بجانب المستشار حسن الهضيبي، فقد كان وكيلًا لجماعة الإخوان المسلمين، وكان أيضًا من المقبولين لرجال الثورة؛ بحكم سياسته الاستيعابية، فلم يصطدم معهم.

 

وفي عام 1954م، وبعد أن أصدر مجلس قيادة الثورة قرارًا بحل جماعة الإخوان المسلمين في 9 جمادى الأولى 1373 هـ الموافق 14 يناير 1954م، واعتقال قادة الإخوان على رأسهم المرشد العام للإخوان المسلمين، وأيضًا تنحية قادة الثورة للرئيس محمد نجيب؛ تحركت المظاهرات في الجيش وبين المدنين لعودة نجيب والإفراج عن الإخوان، ومن هذه المظاهرات القوية والكبيرة، "مظاهرة عابدين"، والتي كانت في 28 مارس عام 1954م؛ والتي على إثرها صدر قرار بعودة محمد نجيب والإفراج عن قادة الإخوان.


وفي هذه المظاهرة وبعد أن تحقق هدفها، وقف الرئيس محمد نجيب يحيي الجموع ويطلب منهم الانصراف، إلا أنهم لم ينصاعوا للقرار، فما كان منه إلا أن طلب من عبدالقادر عودة أن يُصرفهم هو، وفى إشارة منه طلب المستشار عودة هذه الجموع بالانصراف، فما كاد يمر وقت قصير حتى خلت الساحة من كل الحشود، ففزع من هذا المشهد عبدالناصر وأيقن أنه لا بد وأن يتخلص منه، فكان قرار الإعدام.

أما عن الصراع بين عبدالناصر ونجيب، فدخله عبدالناصر وعينه لا تزال على الإخوان المسلمين؛ مُقدرًا أنه إذا لم يتمكن من استمالتهم إلى جانبه، فلا أقل من أن يُحيّدهم، أو يُحيّد بعضهم على الأقل، فتوجه بالحوار مع قطب إخواني كبير كان لا يزال يثق به، وهو الشيخ محمد فرغلي، وهو واحد من مؤسسي جماعة الإخوان فى مدينة الإسماعيلية، كما حارب فى فلسطين، وهناك تعرف على عبدالناصر.

 

 

ميثاق البندين
 

<a class=عبد الناصر مع الشيخ سيد فرغلي" src="/images/ns/8271636361428757394-عبد الناصر مع الشيخ سيد فرغلي.jpg" style="width: 512px; height: 462px;" />

عبد الناصر مع الشيخ سيد فرغلي

 

التقى عبدالناصر والشيخ فرغلي ونجح فى إقناعه بأنه لا مبرر للصراع بين الإخوان والثورة، وأن المصلحة الوطنية والدينية تقتضيان أن تتم مراجعةً للعلاقة بينهما، وأن يتجاوز كل منهما عن أى تجاوز حدث من أحدهما فى حق الآخر، ويَعقَدا ميثاقًا من بندين.. أولهما أن يُقِر الإخوان بشرعية الثورة، فى أن تحكم مصر لمدة خمس سنوات لا تُسأل فيها قيادة الثورة عما تقوم به خلال هذه السنوات الخمس، كما لو كانت تفويضًا شعبيًا مدته خمس سنوات؛ وفى مقابل ذلك أن تطلق الثورة يد الإخوان فى تربية الشباب على الإسلام، دون أن يتطرقوا إلى السياسة فى نفس المدة التي اتفقوا عليها، على أن يجرى الحساب بين الطرفين فى نهاية المدة المُتفق عليها.. فاقتنع محمد فرغلي ببنود هذا الاتفاق ووقّع مع جمال عبدالناصر على وثيقة مكتوبة تتضمن ما تم الاتفاق عليه تفصيليًا.. وطلب عبدالناصر من الشيخ فرغلي أن يحصل على توقيع بقية أعضاء مكتب الإرشاد ومعهم الهضيبى على وثيقة الاتفاق، فوعده فرغلي بذلك وانصرف.

 

أما عن عبدالناصر، فكان تفكيره يقع بين حالتين، إما أن أعضاء مكتب الإرشاد سوف يرفضون التوقيع على الوثيقة فيكون الشيخ فرغلي شاهدًا عليهم، وربما يحدث انقسامًا نتيجة لذلك فى صفوف القيادة الإخوانية، أو أن يوافق الجميع على التوقيع على الوثيقة؛ فسيكون عبدالناصر قد ضمن على الأقل، حياد الإخوان أو فترة من الهدنة معهم، تسمح له بالتفرغ لصراعاته الأخرى.. وهي كثيرة.

بقى عبدالناصر مُنتظرًا الشيخ فرغلي ليأتيه بالتوقيع على وثيقة الاتفاق، ولكن ذلك لم يحدث، ولم يُعلَن عن أسبابه، وانتهى الأمر بعدها بما عُرِف بـ"حادثة المنشية"، التي تعرض فيها عبدالناصر لمحاولة الاغتيال، والتي اتُهِم فيها أحد أعضاء جماعة الإخوان حينها؛ لتنتهي أي محاولات للتقارب بين عبدالناصر والإخوان مرة أخرى، وتبدأ بعد ذلك فترة جديدة من حكم مصر، بتوَلي الرئيس الراحل محمد أنور السادات أمور الحكم في البلاد بعد وفاة عبدالناصر، وهذا ما نتناوله في الجزء الثاني من التقرير بإذن الله.
 

إقرأ الجزء الثاني من التقرير من هنا

إقرأ المزيد

مصر والمصالحة الوطنية : الأسباب والقضايا والسيناريوهات (1) : المصالحة في مصر : الأسباب والاحتمالات

هل يجب حقا حل تنظيم الاخوان المسلمين؟

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان