أشهر خطيب في التاريخ السياسي المصري الحديث.. لازم سعد زعلول فى مشواره النضالي ﻷجل جلاء المستعمر، ونفى معه لجزيرة "سيشل".. خلد التاريخ مقولته كمثال للوحدة الوطنية، وهي: "اللهم يا رب المسلمين والنصارى اجعلنا نحن المسلمين لك وللوطن أنصاراً، واجعلنا نحن نصارى لك، وبالوطن مسلمين".
وُلد مكرم عبيد في 25 أكتوبر عام 1889 بمحافظة قنا، لعائلة من أشهر العائلات القبطية، درس القانون في أكسفورد، وحصل على ما يعادل الدكتوراه في عام 1912.
في عام 1913م عمل سكرتيراً لجريدة الوقائع المصرية، واُختير سكرتيراً خاصا للمستشار الإنجليزي طوال مدة الحرب العالمية الأولى، وبسبب كتابته رسالة في معارضة المستشار الإنجليزي "برونيات" شارحاً فيها مطالب الأمة المصرية وحقوقها إزاء الإنجليز، استغنوا عنه، فعُين أستاذاً في كلية الحقوق وظل بها عامين.
محامى الحريات
اشتغل مكرم باشا بالمحاماة، وكرس وقته للدفاع عن المقبوض عليهم في تهم سياسية ومن لاحقه البوليس السياسي، ولا زالت أصداء مرافعاته معروفة في تاريخ المحاماة في مصر حيث كان يعتمد في دفاعه على التحليل المنطقي لدوافع الجريمة، وكان يستشهد بالقرآن فى مرافعاته كثيرا، اُختير نقيباً للمحامين ثلاث مرات وكان هو الذي قام بالدفاع عن عباس العقاد حين اتهم بسب الذات الملكية.
وزير المالية والمواصلات
في عام 1919م انضم إلى حزب الوفد وتولى العمل في مجال الترجمة والدعاية في الخارج ضد الحكم والاحتلال الإنجليزي وكان له دعاية نشطة في إنجلترا وفرنسا وألمانيا، ولما نُفي سعد زغلول ثار مكرم عبيد وقام بإلقاء الخطب والمقالات مما تسبب في القبض عليه ونفيه هو الآخر.
شكل مصطفى النحاس الحكومة عام 1928م وعين مكرم وزيراً للمواصلات، وفي عام 1935 أصبح سكرتيرا عاما للوفد، وبعد معاهدة 1936 عُين مكرم عبيد وزيراً للمالية، وحصل على البشوية، وشارك في الوزارات الثلاثة التي تشكلت برئاسة كل من أحمد ماهر والنقراشي في عام 1946.
الكتلة الوفدية
فى عام 1942نشب خلاف بين عبيد ومصطفى النحاس وانشق عن الوفد وكون الكتلة الوفدية مع عدد من الأعضاء الذين فصلوا، ورأسها وأصدر لها جريدة خاصة.
الكتاب الأسود والاعتقال
بعد تعين عبيد وزيرا للمالية رصد مخالفات عديدة، وجمعها فى وثائق، وقام بطبع ما سمى بعد ذلك بالكتاب الأسود وقدم به عريضة للملك، بأحوال البلد وروى فيه ما حدث فى حزب الوفد، من فضائح ومخالفات، وتقدم باستجواب لمجلس النواب، ووقف يعرض وقائع استجوابه، وجاءت الردود عليه، أمراً فادحاً. وانتهى الاستجواب بعد ثلاثة أيام.
الكتاب الأسود سبب خسارة عبيد عضويته
وتقدم حسن ياسين باقتراح لإسقاط عضوية مكرم باشا من مجلس النواب لأن هذا الرجل كان سكرتيراً للوفد وصديقاً لمصطفى النحاس وابنا لسعد زغلول لم يعد جديراً بشرف النيابة، فجرى تصويت على الفور وفى نفس الجلسة، رغم أن فكرى أباظة كان قد طلب إحالة الموضوع للجنة الشئون الداخلية فى المجلس رفض طلبه، وفصل مكرم عبيد من عضوية مجلس النواب.
اعتقاله
أصدر رئيس الوزراء مصطفى النحاس باشا، أمراً عسكرياً باعتقال مكرم عبيد باشا. وبالفعل تم اعتقاله بمقتضى قانون الطوارئ ووضع فى السجن.
مناضل عمالى
أول من تحدث عن إنشاء نقابات عمالية هو مكرم عبيد فوضع الكادر الأول للعمال في مصر ونادى بتوفير التأمين الاجتماعي لهم، ووضع نظام التسليف العقاري الوطني، كما أنه صاحب الأخذ بنظام الضريبة التصاعدية للدخل.
علاقته بحسن البنا
هو الرجل الوحيد الذى شيع جنازة الشيخ حسن البنا بجانب والده بعد أن منع البوليس السياسى آنذاك الرجال من المشاركة في الجنازة..
يقول مكرم عبيد: الإخوان والكتلة الوفدية كان تبادلا الزيارة، وكان لى الحظ أن يزورنى فضيلة الشيخ حسن البنا -رحمه الله- فى منزلى ودار حديث طويل تبادلنا فيه المشاعر الشخصية والوطنية، وكنت أراه فى حديثه أبعد ما يكون عن الشكليات، مما جعلنى أعتقد أنه رجل قل مثيله بيننا فى التعمق تفكيرا والتنزه ضميرا.
ولقد زرته -رحمه الله- إثر موته فى منزله، فكانت زيارة لن أنسى -ما حييت- أثرها الفاجع والدامع، ولقد هالنى أن أجد قوة من البوليس تحاصر الشارع الذى به منزل الفقيد، ولولا أن ضابط البوليس عرفنى فسمح لى بالمرور لما تيسر لى أن أؤدى واجب العزاء.
رحيله
فى 5 يونيو 1961رحل مكرم عبيد الرجل الذى جسد لنا تلك الروح المصرية التى أشرقت علينا بظلالها مع ثورة 1919 تاركا تاريخ نضالى يؤكد أنه ليس مجرد لافتة على تحمل اسم شارع بمدينة نصر، وتم تأبينه بالكنيسة المرقسية بالأزبكية.
اقرأ أيضًا: