رئيس التحرير: عادل صبري 09:29 مساءً | الثلاثاء 13 مايو 2025 م | 15 ذو القعدة 1446 هـ | الـقـاهـره °

وداعاً طارق البشري.. المفكر الذي تجمع عليه شتات الفرقاء

وداعاً طارق البشري.. المفكر الذي تجمع عليه شتات الفرقاء

أخبار مصر

المستشار طارق البشري

وداعاً طارق البشري.. المفكر الذي تجمع عليه شتات الفرقاء

أحلام حسنين 26 فبراير 2021 21:00

كان شاهدا على العديد من الأحداث التي شهدتها مصر على مدار العقود الماضية، فكان قاضيا وفقيها ومؤرخا ومفكرا، ترك وراءه العديد من البصمات وشكلت فتواه مرجعا للقضاة والباحثين في تبسيط النصوص واستنباط الأحكام، وكتب ومؤلفات بارزة في الفكر الإسلامي، إنه المستشار طارق البشري.

 

رحل المستشار طارق البشري، القاضي والمؤرخ والفقيه والنائب الأول لرئيس مجلس الدولة سابقا ورئيس لجنة التعديلات الدستورية في أعقاب ثورة 25 يناير، عن عالمنا اليوم الجمعة 26 فبراير 2021، متأثرا بإصابته بفيروس كورونا المستجد، بعد تدهور حالته الصحية خلال الحجر الصحي بمستشفى القصر العيني الفرنساوي.

 

على مدار حياته، شغل المستشار طارق البشري العديد من المناصب الهامة، وترك بصمات عديدة في الفتاوى القضائية، وإرثا من الفتاوى والآراء الاستشارية بمجلس الدولة، وأثرى بمؤلفاته وإنتاجه الفكري وكتاباته المكتبة القانونية العربية، إذ تشكل مرجعا للقضاة والباحثين، فضلا عن مواقفه الواضحة لدعم استقلال السلطة القضائية.

 

نبذة عنه 
 

ولد المستشار طارق عبد الفتاح سليم البشري، في الأول من شهر نوفمبر عام 1933، بحي الحلمية بمحافظة القاهرة، لعائلة متمرسة في مجالات العلوم الإسلامية والقضاء والأدب تعود أصولها إلى مركز شبراخيت بمحافظة البحيرة، وهي عائلة البشري.

 

والمستشار طارق البشري هو حفيد سليم البشري، شيخ السادة المالكية في مصر وشغل منصب شيخ الأزهر، ووالده المستشار عبدالفتاح البشري رئيس محكمة الاستئناف حتى وفاته سنة 1951، كما أن عمه الكاتب والأديب الكبير عبد العزيز البشري.


تتلمذ طارق البشري على يد كبار فقهاء القانون والشريعة، أبرزهم عبد الوهاب خلاّف، وعلي الخفيف، ومحمد أبو زهرة، وتخرج في كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1953.

 

وعقب تخرجه جرى تعينه في مجلس الدولة واستمر في العمل به حتى تقاعده سنة 1998، وحينها كان يشغل منصب نائب أول لمجلس الدولة، ورئيسًا للجمعية العمومية للفتوى والتشريع.

 

كما ترأس لجنة تعديل الدستور عقب ثورة 25 يناير، التي أطاحت بنظام الرئيس الراحل حسني مبارك (1981 ـ 2011).

 

وكان البشري متزوج من الكاتبة عايدة العزب موسى، وله ولدان هما رئيس هيئة المفوضين بالمحكمة الدستورية العليا المستشار الدكتور عماد البشري، والمهندس زياد البشري.

 

وفي حوار سابق له في عام 2007، منشور على موقع "مداد" قال البشري إنه تأثر جدا بسيرة ومسيرة جده الشيخ سليم البشري الذي كان صاحب السهم الأكبر في تربيته، وأن أهم ما عرفه فيحياته، كان نقلا عن جده بأن قيمة الإنسان ليست في المال أو المنصب، لكن العلم هوالقيمة الأساسية.
 

تحوله للفكر الإسلامي

المسشار طارق البشري يعد أبرز المؤرخين والكتّاب الذين أثروا في وعي عدة أجيال، عبر كتبه العديدة التي تعد علامة بارزة في المكتبة العربية، ومنها كتبه "الحركة السياسية في مصر 1945 – 1952"، و"المسلمون والأقباط في إطار الجماعة الوطنية"، و"نحو تيار أساسى للأمة"، و"الحوار الإسلامى العلمانى"، "بين الإسلام والعروبة"، و"محمد علي ونظام حكمه"، و"من أوراق ثورة 25 يناير".

 

وبدأ التحول الفكر للمستشار طارق البشري إلى الفكر الإسلامي بعد هزيمة 1967، وبرزت حينها اجتهاداته في الفكر الإسلامي، وكانت مقالته "رحلة التجديد في التشريع الإسلامي"، أول ما كتبه في هذا الاتجاه.

 

وتحدث البشري عن تحولاته في بعض حواراته المنشورة إعلاميا، قائلا :"بداية هذه التحولات في كلية الحقوق كنت علماني التفكير، وكانت دروس الشريعة الإسلامية من الأشياء التي أبقتني منجذباً إلى الإسلام كنظام في المجتمع والمعاملات، وكنت أشعر من شدة احترافي للقانون، ومن هضمي للتركيب الفني لأحكام الشريعة الإسلامية، وللبناء الفقهي الذي انجدلت منه الأحكام المستخلصة من أحكام الشرع الإسلامي في القرآن والسنة، أن الفقه الإسلامي هو من أعظم ما تفتقت عنه العقلية الإسلامية فيما قدمت للحضارة الإنسانية".

 

وهكذا تنقل البشري في تحولاته الفكرية من طالب وقائد اليساري في الحركة الطلابية المصرية، إلى الاهتمام بالشريعة الإسلامية والفكر الإسلامي.


مواقف سياسية

 

وإلى جانب مؤلفاته واجتهاداته في مجالات الفكر والقانون والتأريخ، كان للمستشار طارق البشري مواقف سياسية عديدة اتسمت بالشجاعة والرصانة، تجمع عليها شتات الفرقاء من مختلف الطوائف السياسية. 

 

البشري أحد من بشروا باقتراب الثورة على الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، وقد أصدر كتابا بعنوان "مصر بين العصيان والتفكك"، واعتبر فيها أن العصيان المدني فعل إيجابي يلتزم السلمية، كما حذر من حجم السخط والغضب الكامن في نفوس المصريين. 

 

ومنذ انطلاق شرارة الثورة الأولى أعلن البشري تضامنه مع التحركات الغاضبة في الشوارع المصرية، وكان يرى أن الجرائم السياسية تفوق الجرائم الجنائية فيما يتعلق بالقائمين على الحكم قبل الثورة، والثورة عندما أقصتهم عن الحكم كانت حكما ثوريا لم يخضع لشرعية سياسية أو قضائية".
 

ومضي البشري خلال تصريحات صحفية سابقة قائلا: "كان من المفروض في هذا الوقت أن تتشكل محاكم سياسية وليست جنائية، ومعروف أن الجرائم السياسية لا تحاكم بقانون العقوبات، لكن بمحاكم سياسية لا تتوفر في مصر".

 

أما عن رأيه في جماعة الإخوان المسلمين فبدت إلى حد ما متناقضة أو هكذا وصفها مقال منشور بموقع "أصوات"، فتارة وصفها بأنها امتداد طبيعي للحركة الوطنية المصرية التي تحترم الموروث في مواجهة الوافد الذي حاربته، وفي الوقت ذاته كان ينتقد ما وصفه في بعض تصريحاته بـ"استبداد حسن البنا" وتفكيره.

 

وكان يرى البشري أن حركة الإخوان خلال السنوات العشر الأولى لها لم تكن حركة اجتماعية أو دينية فقط، بل كانت ذات لون سياسي مستتر نوعا ما، وفي مايو 1938، أصدرت الجماعة مجلة "النذير" (سياسية أسبوعية)، واتخذ عملها السياسي أسلوبا سافرا، وتواكب ذلك التوقيت مع انقضاء عامين على إبرام معاهدة 1936 التي هزت شعبية الوفد جراء مشاركته في إبرامها.

 

وأشار البشري في كتاباته إلى أنه قد بدأ الشقاق داخل الإخوان بين من رغب من أعضائها، أن يقتصر نشاطها على شؤون الدين والبر فقط، ويؤكد بذلك أن جماعة الإخوان حزب سياسي منذ وقت مبكر، وأن مظلة العمل الدعوي والتربوي والإغاثي لم تكن سوى شكل من أشكال التعبئة التي بدت مناسبة لطبيعة الشعب المصري في هذه المرحلة وغيرها من المراحل.

 

وإبان حكم الإخوان، أعلن المستشار طارق البشري، الذي ترأس لجنة التعديلات الدستورية عقب تنحي الرئيس الأسبق حسني مبارك في 11 فبراير 2011، أن الإعلان الدستوري الذي أصدره محمد مرسي باطل. 

 

وحين سأله الإعلامي حسين عبد الغني في لقاء تلفزيوني على قناة النهار عن التعديلات الدستورية التي جاءت في أعقاب ثورة يناير، قائلا :"كنت حاطط في ذهنك وضع دستور يفيد الإخوان أو تيار سياسي أم كنت بتفكر في مصر بس؟".

 

وأثار هذا السؤال غضب المستشار طارق البشري، فرد قائلا :"دا سؤال في اتهام وأنا لا أقبل الاتهامات أنا راجل مهني ومحترم ولا أرد على الأسئلة من هذا النوع، أرفض هذا الاسلوب، مش هرد عليك وغاضب منك، واسف اني حضرت".

 

 

وكان يرى البشري أن القول بإن محمد مرسي بصفته رئيسا يمكنه تعديل الإعلان الدستورى وإصدار إعلان جديد يعنى أن الرئيس يقوم بثورة جديدة على الثورة، والحالة الوحيدة التى يمكن فيها قبول ما حدث أن يقال لنا إنه قد حدث انقلاب على السلطة من داخلها، وإذا أيدت سلطات الدولة هذا الإجراء يكون انقلابا كاملا.

 

وجاء في الحوار المنشور بالشروق قول البشري :"أنا الآن أشعر بقلق كبير لأنه فى ضوء صدور هذه القرارات فى شكل إعلان دستورى منعدم، فسوف يصدر الدستور الجديد لمصر فى ظل وضع انقلابى على الشرعية الدستورية، لأن هذا الإعلان يمثل عدوانا على الديمقراطية، وعدوانا على القضاء أيضا"، وذلك تعليقا على الإعلان الدستوري الذي أصدره مرسي.

 

وسبق أن عارض البشري بقوة عزل النائب العام المستشار عبد المجيد محمود وتعيين المستشار طلعت عبد الله بدلًا منه إبان حكم جماعة الإخوان المسلمين.

 

وفي يوليو 2013 أعرب المستشار البشري، خلال تصريحات نقلتها جريدة الشروق، عن رفضه لإزاحة محمد مرسي عن الحكم، مؤكدا في الوقت ذاته أن القوات المسلحة ساهمت مساهمة بناءة وتاريخية في تحقيق أهداف ثورة 25 يناير وإدارتها للمرحلة الانتقالية حتى تسليم السلطة إلى رئيس مدني منتخب.

 

وخلال تولي محمد مرسي الحكم، أعلن المستشار طارق البشري أن الإعلان الدستوري الذي أصدره مرسي منعدم، فليس من سلطات رئيس الجمهورية وفقا للإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس إصدار أي إعلانات دستورية جديدة، وفقا لحوار منشور بجريدة الشروق بتاريخ 24 نوفمبر 2012.

 

 

وعن الظروف التي أدت إلى 30 يونيو، قال البشري في حوار صحفي سابق، إن قسما كبيرا من المصريين كان غير راض عن سلطة حكم الإخوان، وقسم آخر كان راضيا، وهو أمر طبيعي، وكان الحل في إجراء انتخابات برلمانية تفضي إلى أنهاء هذا الصراع السياسي بصورة ديمقراطية وفقا للدستور.

 

وبعد فض اعتصام رابعة اعتكف المستشار طارق البشري في منزله، وابتعد عن المشهد السياسي وظل هكذا حتى وافته المنية اليوم الجمعة.

 

قالوا عنه 

 

ونعاه العديد من السياسين والشخصيات العامة والقانونية، منهم الفقيه الدستوري نور فرحات، قائلا :"

المؤرخ طارق البشري . رحمه الله وأكرم مثواه وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وألهم أسرته وأصدقاءه وتلاميذه الصبر".

 

كما نعاه محمد سليم العو، قائلا :"الأخ الأكبر المستشار الجليل طارق البشري في ذمة الله، المستشار الجليل طارق عبدالفتاح سليم البشري النائب الأول لرئيس مجلس الدولة، سابقًا، القاضي العادل والمفكر المستقيم، والشاهد الصادق على تاريخ الأمة في عصرها الحديث، والناصح الأمين في كل موقف ضلت فيه عقول الرجال، الصادق الإيمان فيما علمنا، ولا نزكي على الله أحدًا، ونسأل الله تعالى له واسع جنته وعظيم مغفرته، وأن يلحقه بالصالحين من آبائه وأجداده. وإنا لله وإنا إليه راجعون".

 

ونعاه محمد أبو الخير، قائلا :"رحل عن عالمنا مؤرخا عظيما وقاضيا عادلا ،المستشار البشري قدم للوطن دراسات تاريخية هامة ، اكثرها أهمية هي دراسته عن الحقبة ١٩٤٥/١٩٥٢ وكان لتغير رأي البشري في كل من مصر الفتاة والاخوان المسلمين والمراجعة التي تمت في الطبعة الاخيرة والتي كتب البشري فيها مقدمة طويلة ترك رايه كما هو واضاف رأيه الجديد وهو أمر يدل علي انه رجل شديد الاحترام لنفسه وللقراء".

 

وأضاف أبو الخير :"كان البشري كريما معي حين طلبت زيارته وابديت انزعاجي من تحوله الفكري فتقبل كلامي بصدر رحب وتحاورنا اكثر من ساعتين ، رحم اللي مصريا عظيما فقده الوطن".

 

ونعاه الكاتب الصحفي أنور الهواري قائلا :"القاضي والفقه والقانوني والمؤرخ والمفكر العظيم طارق البشري ١٩٣٣ - ٢٠٢١م في رحاب الله، من أكابر المصريين ونوابغهم وشرفائهم وعظمائهم في القرنين ال٢٠ وال ٢١".

 

إرثه

 

وبحسب موقع الهيئة العامة للاستعلامات، فإن المستشار طارق البشري ترك ذخيرة من الفتاوى والآراء الاستشارية التي تميزت بالعمق والتحليل والتأصيل القانوني الشديد، كما تميزت بإحكام الصياغة القانونية.

 

وترك البشري تلك الآراء والفتاوى، لتكن إرثا من بعده يستعين به تعين كلا من الإدارة والقضاة والمشتغلين بالقانون بشكل عام على تفهم الموضوعات المعروضة عليهم.

وكان البشري يستهدف من العديد من كتاباته تشكيل تيار أساسي للأمة الوطنية، كما ذكر ذلك في مقدمة كتابه نحو تيار إسلامي لأمة :"التياقر السياسي الأساسي الإطار الجامع لقوى الجماعة والحاضن لها، وهو الذي يجمعها ويحافظ على تعددها وتنوعها في الوقت نفسه، إنه ما يعبر عن وحدة الجماعة من حيث الخطوط العريضة للمكون الثقافي العام، ومن حيث إدراك المصالح العامة لهذه الجماعة دون أن يخل ذلك بإمكانات التعدد والتنوع والخلاف داخل هذه الوحدة (....) امتدادا لحركة المشروع الوطني العام الذي تمت بلورته عن طريق الاستخلاص من الواقع الحي للحركة السياسية والثقافية القائمة في المجتمع".

 

ومن المؤلفات الهامة التي تركها البشري، كتاب "سعد زغلول يفاوض الإستعمار" والذي يستدعي فيه صورة واضحة لما كانت عليه مصر في هذه السنوات المهمة، من 1920 إلى 1942، فعاد إلى جذورها وتأصيلها، وسلط الضوء على معالمها. ولقد اتبع في ذلك منهجا متميزا وغير تقليدي، فهو يطرح التساؤلات ويجيب عليها.

 

وترك البشري العديد من الكتب والمؤلفات ومنها :"الحركة السياسية في مصر 1945 – 1952"، و"المسلمون والأقباط في إطار الجماعة الوطنية"، و"الحوار الإسلامى العلمانى"، "بين الإسلام والعروبة"، و"محمد علي ونظام حكمه"، و"من أوراق ثورة 25 يناير"، "شخصيات تارخية"، والذي يضم دراسات أربع تناول كل من سعد زغلول وعبد الرحمن الرافعي وأحمد حسين ومصطفى النحاس.


وشيعت أسرة المفكر الراحل المستشار طارق البشري، جثمانه من مسجد مصطفى محمود بمنطقة المهندسين بمحافظة القاهرة بعد صلاة الجمعة اليوم 26 فبراير 2021، وسط حضور عدد من أصدقائه ومحبيه، من بينهم الكاتب الصحفي فهمي هويدي، وسط التزام بالإجراءات الاحترازية لمواجهة فيروس كورونا.

 

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان