صعدت السودان مؤخرا من لهجتها تجاه إثيوبيا فيما يتعلق بأزمة سد النهضة، إذ وجهت تهديدا مباشرا لإثيوبيا بتحرك دولي في مواجهة تعنتها وإصرارها على الملء الثاني للسد في يوليو المقبل، ولكن هل هذا التصعيد سيحل أزمة السد الإثيوبي الذي سيلحق الضرر بحصتي مصر والسودان في نهر النيل، أم أنه يزيد الموقف تأزما؟.
وتشهد العلاقات الإثيوبية السودانية تأزما غير مسبوق، إثر اشتعال المنطقة الحدودية بينهما، على خلفية قصف مدفعي لأديس أبابا لمناطق سودانية، الأمر الذي قد يكون بداية لتصعيد عسكري بين الدولتين، يأخذ بين جنباته أزمة سد النهضة الذي وصلت فيه المفاوضات إلى طريق مسدود.
تهديدات مباشرة
لم تتوقف الخلافات بين الخرطوم وأديس أبابا عند القصف المتبادل على المنطقة الحدودية، بل امتد إلى أزمة سد النهضة الذي حذرت السودان من تهديده المباشر لحياة 20 مليون مواطن إثيوبي تعتمد حياتهم بشكل أساسي على مياه النيل الأزرق.
وفي هذا السياق أكد وزير الموارد والري السوداني البروفيسور ياسر عباس، أن هناك تهديدًا مباشرًا لسد النهضة الإثيوبي على خزان الروصيرص الذي تبلغ سعته التخزينية أقل من 10% من سعة سد النهضة، مؤكدا أنه لا يمكن الاستمرار في هذه الدورة المفرغة من المباحثات إلى ما لا نهاية.
وقال عباس، خلال الندوة الأسبوعية لوزارة الري والموارد المائية السودانية التي نظمتها الخرطوم للسفراء الأجانب المعتمدين لديها لشرح موقف السودان من سد النهضة، إن الجانب السوداني بدأ منذ وقت مبكر تحركا دبلوماسيا لوضع المجتمع الدولي أمام مسؤوليه من الوعيد الإثيوبي وتهديدها لحياة نصف سكان السودان على النيل.
وأشار وزير الري السوداني إلى أن بلاده تتمسك بالحل الأفريقي لأزمة سد النهضة، مطالبا المجتمع الدولي بإقناع أديس أبابا بالتراجع عن موقفها، موجها رسالة لإثيوبيا بأن السودان لن يسمح بملء وتشغيل السد دون اتفاق قانوني ملزم يؤمن سلامة منشآته وسدوده وحياة السودانيين.
وكانت نقلت صحيفة السوداني عن الناطق الرسمي باسم الحكومة السودانية ووزير الإعلام فيصل محمد صالح قوله إن السودان لا يقبل فرض الأمر الواقع في قضية سد النهضة، مشيراً إلى أن للسودان الوسائل التي يستطيع الرد بها.
وحول الوساطة الأفريقية، قال فيصل إن الوساطة بشكلها القديم لم تعد مجدية ولا بد من تغيير المنهج وتوسيع دور أكبر للخبراء أو توسيع الوساطة لجهات أخرى.
وأردف: المفاوضات هي الطريقة الوحيدة، نحن لا نريد التصعيد، وموقفنا مختلف عن مصر، وإثيوبيا إذا حصل أيّ ضرر، السودان هو المتضرر لذا يجب أن يكون هناك اتفاق يحمي السودان.
وسبق أن ذكر وزير الري السوداني، في لقاء تلفزيوني، إن الوسائل الأخرى التي سيلجأ إليها السودان، هي تدخل الأمم المتحدة في المفاوضات، فيما أوردت صحيفة السوداني بتاريخ 23 يناير تصريحا لوزير الإعلام السوداني يؤكد فيه إن السودان لديها وسائل للرد ،في حال فرض الأمر الواقع فيما يتعلق بسد النهضة.
نتائج التصعيد السوداني
وعن مدى تأثير التصعيد السوداني على مصير المفاوضات حول سد النهضة، قال الدكتور محمد نصر علام، وزير الري والموارد المائية المصري الأسبق، إن هذا التصعيد له شق إيجابي، وآخر سلبي وهو أنه تسبب في وقف مسار المفاوضات نتيجة إصرار السودان على الاستعانة بخبراء الاتحاد الأفريقي لحل الأزمة، في الوقت الذي تبدي فيه أثيوبيا ومصر تحفظات على ذلك.
وأضاف علام، خلال مداخلة هاتفية مع الإعلامية عزة مصطفى عبر فضائية صدى البلد، أن التصعيد السوداني يبقى حتى الآن مجرد تبادل تصريحات دون أي تصرف يحتم المسار، وهو ما زاد الأمر سوءا لأنه أوقف التفاوض، وأعطى مزيدا من الوقت أمام إثيوبيا لتماطل كما تشاء وتستأنف أعمال بناء السد.
وأوضح وزير الري المصري الأسبق أن السودان دولة ذات سيادة لها مصالحها الخاصة، وتطالب ببعض الأمور ذات الفائدة التي تمسها مباشرة، ولا تنظر إلى المطالب المصرية التي تخص مصر والسودان معا، لافتا إلى أنه في المقابل فإن مصر دائما ما تتحدث عن مصالح الدولتين مصر والسودان، وحريصة على سلامة السدود السودانية.
وأضاف أن مصر لها متطلباتها الفنية والقانونية لحماية البلاد من الجفاف وللمحافظة على حصتها المائية، وترى أن الخبراء الفنيين للاتحاد الأفريقى غير كافيين لهذا الغرض، ومصر تؤيد السودان فى مطالبها القانونية، ولصالح السودان عليها تأييد المطالب المصرية.
وتابع علام أن السودان تبحث عن مصلحتها وتنفرد بقراراتها، وترى أن الخبراء الآفارقة القانونيين مميزين لصياغة متطلباتها من أثيوبيا: اتفاقية قانونية ملزمة، وتبادل بيانات السد دوريا، وبعض الشروط حول تباين تصرفات السد الدورية.
ولفت إلى أن السودان تتغاضى عن اتفاقية 1959، موضحا أن هذه الاتفاقية تربط بين مصر والسودان، وأى نقص فى الايراد المائى سيقسم مناصفة بينهما، فالجانب الفنى فى التفاوض لتأمين الإيراد والمشاريع المستقبلية لأثيوبيا بالغ الأهمية للدولتين.
في السياق نفسه رأى الدكتور أحمد المفتي، أستاذ القانون الدولي السوداني، أن حديث وزير الري السوداني عن تدخل الأمم المتحدة أمر مستحيل، لافتا إلى أنه سبق أن تدخلت الأمم المتحدة في المفاوضات منذ أن استلم مجلس الأمن مذكرتي السودان ومصر، وإحالته للاتحاد الأفريقي، بموجب المادة 54 من ميثاق الأمم المتحدة.
وأضاف المفتي، عبر صفحته الرسمية على موقع فيس بوك، أنه سبق أن تدخلت الأمم المتحدة عبر برنامج الأمم المتحدة الانمائي UNDP، في مفاوضات دول حوض النيل، خلال 1995 - 2012 ، عن طريق الدعم الفني والمادي واللوجستي، وفي مجال المشتروات عبر اليونبس UNIOPS.
وتابع :"لكن عندما يتدخل مجلس الأمن، فلا يجوز لأجهزة الأمم المتحدة الأخرى التدخل إلا الجمعية العامة، وفي حالات نادرة جدا، وذلك عند فشل مجلس الأمن في معالجة الأمر، كما حدث في حالة العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 بسبب فيتو من بريطانيا وآخر من فرنسا، ومن المعلوم أن مجلس الامن لم يفشل في حالة سد النهضة، لأنه لم يبت فيها حتي الآن، بموجب الفصل السابع.
وأكد المفتي أنه على السودان أن يجهز خيارات أخرى قبل بدء الملء الثاني، وأن لا يستكين كما استكان بعد الملء الأول.
الاتحاد المصري السوداني
أما عن الحل في مواجهة التعنت الأثيوبي، فيرى الدكتور محمد نصر علام، وزير الري المصري الأسبق، أن الحل هو الاتحاد المصري السوداني في التصعيد الدولي وليس الاكتفاء بدور الاتحاد الأفريقي، ملمحا إلى أن الكونغو ستتسلم الشهر المقبل رئاسة الاتحاد الإفريقي وهي لها مصالح مع إثيوبيا وربما تتعرض لضغط كبير منها.
وأضاف علام، أن التباين في الموقفين المصري والسوداني في قضية السد الأثيوبي يضر بمصالح الطرفين، مشددا على ضرورة توحيد الرؤى والمصالح بينهم، وأن يكون هناك اتفاق تام وصريح للوقوف أمام التعنت الأثيوبي.
ولفت إلى أن أثيوبيا تحاول أن تصدر الخلافات بين الدول الثلاث، حتى يصبح هناك خلافات وتباين بين مصر والسودان، وبين مصر وأثيوبيا، وتدخلها في أمور فرعية في محاولة لإبعادهم عن الهدف الأساسي وهو الاتفاق حول سد النهضة.
وشدد علام على ضرورة أن يكون هناك اتفاقيات يدافع عنها مصر والسودان معا، وليس دولة لوحدها، وأن تتحرك مصر دوليا، ولكن أولا أن يكون هناك اتفاق تام بين مصر والسودان والتحرك يكون ثنائي، معتبرا أن هذا الحل الوحيد الآن لحل هذه الأزمة بتحريك المجتمع الدولي.
وأكد أنه قد حان الوقت لإعلان مصرى سودانى مشترك حول رفضهم التام للملء المنفرد لسد النهضة، والتهديد برفع مذكرة مشتركة لمجلس الأمن.
سبب فشل المفاوضات
وفي الوقت الذي تتحدث فيه السودان عن وسائل أخرى بخلاف التفاوض في حال استمرار التعنت الإثيوبي، فقد أثبتت الجولات العديدة من المفاوضات أنها لم تجد نفعا كما صرح بذلك المسؤولون بالسودان.
وبحسب الدكتور محمد عبدالعاطي، وزير الري والموارد المائي، فإن تعنت إثيوبيا في ملف مفاوضات سد النهضة هو السبب في عدم التوصل لاتفاق عادل حتى الآن بخصوص قضية سد النهضة.
وكانت اجتماعات سد النهضة الأخيرة، قد فشلت فى تحقيق أى تقدم بين مصر وإثيوبيا والسودان، بسبب خلافات حول كيفية استئناف المفاوضات والجوانب الإجرائية ذات الصلة بإدارة العملية التفاوضية.
ووفق بيان صادر من وزارة الخارجية المصرية، فإن سبب فشل المفاوضات مجددًا يرجع إلى إصرار الخرطوم على ضرورة تكليف الخبراء المُعينين من قبل مفوضية الاتحاد الأفريقي، بطرح حلول للقضايا الخلافية وبلورة اتفاق سد النهضة.
وهو الطرح الذي تحفظت عليه كل من مصر وإثيوبيا، وذلك تأكيداً على ملكية الدول الثلاث للعملية التفاوضية وللحفاظ على حقها في صياغة نصوص وأحكام اتفاق ملء وتشغيل سد النهضة، خاصةً أن خبراء الاتحاد الأفريقي ليسوا من المتخصصين في المجالات الفنية والهندسية ذات الصلة بإدارة الموارد المائية وتشغيل السدود.
وأكدت وزارة الخارجية المصرية، على استعدادها للانخراط في مفاوضات جادة وفعالة من أجل التوصل في أسرع وقت ممكن إلى اتفاق قانوني ملزم على قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، وذلك تنفيذًا لمقررات اجتماعات هيئة مكتب الاتحاد الإفريقي التي عقدت على مستوى القمة خلال الأشهر الماضية للتشاور حول قضية سد النهضة، وبما يحقق المصالح المشتركة للدول الثلاث ويحفظ ويؤمن حقوق مصر ومصالحها المائية.
وبدورها أكدت وزارة الري المصرية، أنه لا تنازل عن حقوق مصر المائية في نهر النيل، مشددة أن هناك آليات وسيناريوهات للتعامل الدبلوماسي والسياسي مع سد النهضة، بعد فشل المفاوضات.
وأشارت الوزارة إلى أن القاهرة متمسكة بتوقيع اتفاق قانوني ملزم لملء وتشغيل السد لكل الأطراف، وليس طرف بعينه.