رئيس التحرير: عادل صبري 02:58 مساءً | السبت 05 يوليو 2025 م | 09 محرم 1447 هـ | الـقـاهـره °

بديل العزل المنزلي.. ملحمة كورونا البطولية على أرض الرحمانية

الأهالي أنجزوها في 48 ساعة

بديل العزل المنزلي.. ملحمة كورونا البطولية على أرض الرحمانية

آيات قطامش 19 يونيو 2020 23:54

على مدار يومين متواصلين لم يكن يشغل بال أهالي قرية الرحمانية بمحافظة البحيرة شيئًا سوى كيفية المشاركة في الانتهاء من "بديل العزل المنزلي"، بعدما وجدوا فيه حلًا لمنع انتقال الفيروس بين أفراد الأسرة الواحدة ممن يقطنون في بيوت ريفية بسيطة يصعب توفير مكان بها لمن يسقط منهم في فخ "كورونا". 

 

ففي مشهد أشبه بملحمة استمرت لنحو 48 ساعة، كان جميع الأهالي بتلك القرية البسيطة قد انتهوا من بديل العزل المنزلي الذي ضمّ نحو 49 غرفة عزل بجهود ذاتية على أرض مركز شباب الرحمانية، الذي تحول في غضون دقائق لخلية نحل - حسبما روى لـ "مصر العربية" صاحب الفكرة أحمد البقلي، مُرجعًا الفضل بأكلمه لقاطني تلك البلده  ومُثمنًا على دور دكتور تامر أبو الحارث.  

 

 

بدأت القصة بالتفكير في بديل للعزل المنزلي لأبناء الرحمانية ممن يصعب عليهم توفير مكان داخل بيوتهم الريفية البسيطة لمصابيهم..

 

بدأت المبادرة بوضع 17 سريرًا في أحد مباني مركز شباب الرحمانية بعد أخذ الموافقات لكن مع تزايد الإعداد تم التفكير في توسيع غرف العزل، وبمجرد علم الأهالي بالسعي للتوسع كانت المفاجأة.. 

 

 

أحدهم حمل غسالة وآخر سريرًا وثالث أطل بثلاجة وفريق جلب أغطية، هكذا بدا المشهد من جانب أهالي قرية الرحمانية  الذين أخذت تبرعاتهم تتدفق كالسيل بمجرد الإعلان عن فكرة بديل العزل المنزلي


فبيوت الرحمانية البسيطة التي يقطن في الواحد منها نحو 10 أفراد ويزيد في بعض الأحيان، تشكل صعوبة لأصحابها في توفير مكان للعزل داخل تلك البنايات السكنية خاصًة في حالة إصابة أكثر من فرد داخل المكان الواحد، ومن هنا داعبت فكرة إقامة بديل العزل المنزلي خيال "البقلي" خاصة وأنه يعمل في المقاولات تحديدًا في المنشآت الطبية-حسبما أكد لنا- قائلًا: فكرت حينها في مكان آمن كبديل للعزل المنزلي". 

 

 

تشارك "البقلي" الفكرة مع رفيقيه الدكتور تامر أبو  الحارث وأحمد عوني، وسرعان ما قاموا بعرضها على رئيس المدينة الذي رحب بدوره بها حيث تابع البقلي قائلًا: "العزل البديل ده اتعمل بمجهود ومشاركة كل اهالي الرحمانية دون استثناء، وبهم تم عمل حاجة محترمة جدًا". 

 

فعلى مساحة 900 متر مربع داخل مركز شباب الرحمانية ما بين الملعب الرئيسي والملعب الآخر، تمّ نصب ما يشبه في شكله الخارجي الشادر الكبير ولكنه لم يُعد لاقامة الأفراح والمأتم بداخله، ولكنه حوى  نحو 49 غرفة  من أجل عيون مصابي  العزل المنزلي من أهالي الرحمانية

 

استغل "البقلي" خبرته في مجال المنشآت الطبية، حيث أشار إلى أنّهم كانوا حريصين على إقامة بديل العزل المنزلي وفقًا لاشتراطات مكافحة العدوى التي وضعتها منظمة الصحة العالمية. 

 

وتابع: "لم تكن قطعة الأرض مستويه  في البداية  فجلبنا المعدات اللازمة سريعًا وبعد تسويتها قمنا بعمل ارضيات جلد كي يسهل تعقيمها وتطهيرها وحتى لا تكون ناقلة للفيروس، وايضًا ارضيات مضادة للبكتريا، كما حرصنا على وضع  سلتين للمهملات  في كل غرفة احدهما للنفايات العادية والثانية للخطرة، ووضعنا بالخارج مضخات كحول ومطهرات كثيرة في  الممرات من أجل الاطقم الطبية المتطوعة التي تمر بين الحين والآخر لمتابعة الحالات". 


من الثامنة صباحًا وحتى التاسعة مساءً، وعلى مدار يومين، ظلّ العمل من جانب كل فرد داخل القرية بدافع ذاتي لإنهاء هذا المكان، حيث حرص كل بيت على المساهمة بأي شيء، فتم فرش الغرف بالأسرة والغسالات والثلاجات واجهزة طرد الناموس واجهزة قياس الحرارة واغطية وملاءات الأسرة وغيرها من الادوات، التي جلبها الأهالي وتم الانتهاء من الـ 49 غرفة بفضل هذا التعاون وتلك الروح التي اشاد وشهد بها الجميع، في غضون يومين. 
 

 

 

"معلش أنا بعت ابن ابني بفوطة وملاية مش قد كده بس دول اللي عندي "؛ عبارة جرت على لسان عجوز بالرحمانيه بعدما قدمت كل ما تملك بالنسبة لها، وهناك صغير بكى لأنه يريد أن يتبرع بـ الـ 5 جنيهات التي سبق أن ادخرها  -حسبما روى لنا البقلي- مؤكدًا أنّ ما حدث لا يمكن وصفه سوى بأنه ملحمة جسدها أهالي القرية، لافتًا إلى أنّ العمال الذي يعملون بشركته رفضوا تقاضي أي أجر عن عملهم  هذا، كما أشاد بالفتيات اللاتي تطوعن لجلب فاكهة للعاملين، مصحوبة برسالة مفادها "إحنا معاكم"

 

يقول "البقلي": "غرف بديل العزل المنزلي أصبحت مجهزة بكل وسائل الإعاشة، وكأن المصابين المعزولين داخل غرف بمنازلهم، مع متابعة طبية من خلال مرور أطباء متطوعين". 

 

وتابع: "يتم توزيع 3 وجبات على أعلى مستوى تحوى جميع القيم الغذائية  وفاكهة، بصراحة الخير مغطي المكان هنا وزايد وأهل البلد احرجونا احنا كرجال أعمال مش لاقين حاجة نعملها". 

 

في الوقت نفسه، أكد أنّ بديل العزل المنزلي الذي تم تدشينه بمركز الشباب ليس مستشفى ميدانيًّا ولا يتوفر به الرعاية الطبية لكنه فقط حل  لمصابي القرية ممن يجب عليهم عزل أنفسهم داخل البيت وليس لديهم مكان، وقال: "كأن حد عازل نفسه في بيته وبيمر عليه طبيب متطوع يطمن إن حالته مستقرة ليس أكثر، ومبيخرجش غير بعد ما بيتم التأكد انه تم شفائه بأخذ المسحات بمعرفة الوحدة الصحية".

 

الأطباء المتطوعون في هذا المكان حتى الآن عددهم 6 - بحسب البقلي- وضعوا جدول فيما بينهم وبين بعضهم البعض بحيث يمر كل واحد منهم يوم على الحالات، أما الدكتور تامر، فهو بمثابة حلقة الوصل بين الأساسية من الناحية الطبية. 

 

وعن تكلفة تنفيذ تلك الفكرة أشار أنها تصل إلى نحو 90 ألف بدون التبرعات العينية، ويقول: "أتذكر عندما أعلنت عن هذه المبادرة ورد إلى هاتفي نحو 38 ألف رسالة ومكالمة من الأهالي للتبرع". 

على الجانب الآخر؛ أخبرنا محمد سيف حسن نائب رئيس مجلس ادارة مركز شباب الرحمانية قائلًا: "الفكرة عرضت علينا من جانب مجموعة شباب اصدقاء، وكان الهدف منها هو تخفيف الضغط من البيوت لأن اهالينا منازلهم متواضعة وكل بيت قد يوجد به اصابتين أو ثلاثة، نظرًا لأنه عند إصابة حالة فإنها تنقل العدوى إلى باقي أفراد الأسرة، ومن هنا ولدت الفكرة". 

 

وأضاف: "تم التنسيق معنا ومع رئيس مجلس المدينة والمحافظ والشباب والرياضة والجهات المعنية بالأمر، ونحن من جانبنا رحبنا بالطبع بهذه الفكرة لاستقبال حالات كورونا البسيطة في جو صحي وتم تسكين المرحلة الأولى وبدءًا من الغد سيتم تسكين المرحلة الثانية". 

 

وتابع: "هذا المكان البديل  للعزل المنزلي تم تجيهزه بالكامل  بالجهود الذاتية للأهالي،  وإذا تطلب الأمر أن يستمر لشهور فنحن ليس لدينا أي مشكلة". 

 

أما الدكتور تامر أبو الحارث، الطبيب المتطوع والمشارك في التنفيذ، أشار إلى أنه من بين المشعجين لفكرة العزل المنزلي من اجل تخفيف الضغط على المستشفيات، ولكن نظرًا لأن بعض البيوت في الفلاحين يصعب على اصحابها تطبيق العزل المنزلي، لهذا فكرنا في ايجاد بديل لهم، حتى نمنع انتقال العدوى لباقي افراد الأسرة. 

 

وتابع: "لم يتأخر أي من المسئولين في الاستجابة لطلبنا بدءًا من رئيس مجلس المدينة الذي رحب وجلب لنا موافقة من المحافظة مرورًا والادارة الصحية،  ومدير الادارة الصحية تحدث إلي وقال لي : "انت مندوبنا في مركز الشباب، اي حاجة محتاجها احنا تحت أمرك ومعاك، كانت البداية بـ 17 سرير ولكن حينما شعرنا أن الأعداد في تزايد فكرنا في توسيع المكان، وفوجئنا بتبرعات الأهالي حيث كنا نتوقع أن نتوسع بـ 10 أسرة ففوجئنا بوصول 30 سريرًا من أبناء الرحمانية". 

 

من الناحية الطبية، يقول: "مهمتي هنا هو التنسيق  خاصة في  عملية بنقل الحالات بالاسعاف من نقطة لأخرى"، وأشار إلى أنّ هذا المكان يمر عليه أطباء متطوعون من بينهم رئيس مستشفى الرحمانية".


 

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان