ردود أفعال واسعة أثارها تقرير منظمة "هيومن رايتس ووتش" المعنية بحقوق الإنسان الذي اتهم الأمن المصري بالقيام بعمليات تعذيب ممنهج في السجون ، تباينت بين الإدانة والإنكار لما ورد بالتقرير ووصفه بالمسيس لتشويه سمعة مصر.
ولكن هل الإنكار والتعامل مع التقرير باعتباره حلقة في سلسلة التآمر على مصر هو الرد الأمثل، أم هناك آليات أخرى يجب الرد بها على ما أوردته "منظمة هيومن رايتس ووتش"؟.
المنظمة قالت في تقريرها الصادر الأربعاء الماضي، إن هناك عمليات تعذيب اتخذت أشكالا مختلفة تمت في السجون خلال الفترة الماضية.
ووفقا للتقرير الذي حمل اسم "هنا نفعل أشياء لا تصدق: التعذيب والأمن الوطني في مصر تحت حكم السيسي"، تقول المنظمة إن النيابة العامة تتجاهل عادة شكاوى المحتجزين بشأن سوء المعاملة وتهددهم في بعض الأحيان بالتعذيب، مما يخلق بيئة من الإفلات شبه التام من العقاب.
المستشار أحمد أبو زيد، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية، من جانبه شكك في صحة التقرير واعتبره نية مبيتة للتحريض على العنف وتأجيج المشاعر، ويتضمن ادعاءات واهية وتسييس واضح" للأوضاع في مصر، ويعد حلقة جديدة من حلقات الاستهداف والتشويه المتعمد من جانب تلك المنظمة المعروفة أجندتها السياسة وتوجهاتها المنحازة، والتي تعبر عن مصالح الجهات والدول التي تمولها".
أما عن الشهادات التي أوردها التقرير، قال أبو زيد، في بيان له، إنها غير موثقة وغالبيتها مجهولة، وبعضها لحالات متورطة في عمليات إرهابية، وبالتالي من الطبيعي أن يكون لديها رغبة في طرح صورة غير صحيحة؛ لاستهداف الدولة المصرية.
وتابع : " رغم سياسة وزارة الخارجية الثابتة بعدم التعقيب على مثل تلك التقارير غير الموضوعية، إلا أنه إدراكا لحق المواطن المصري في معرفة الحقيقة، فإنه يتعين الكشف عما تضمنه التقرير من ادعاءات واهية وتسييس واضح للأوضاع في مصر".
وبعد أقل من 24 ساعة من صدور التقرير قررت الحكومة المصرية حجب موقع "هيومن رايتس ووتش" الإلكتروني، لينضم إلى سلسلة المواقع المحجوبة والتي تجاوزها عددها الـ 400 موقع بحسب إحصائية مركز حرية الرأي والتعبير قبل أن يعود مرة أخرىبعدها بـ48 ساعة.
وبخلاف بيان وزارة الخارجية لم يصدر أي تصريحات رسمية للرد على التقرير، بينما توالت التصريحات الرافضةوالمهاجمة للتقرير من نواب البرلمان ل، ووصفه بالأكاذيب والمؤامرة للنيل من سمعة مصر، فضلا عن عقد اجتماع بلجنة حقوق الإنسان بالمجلس للرد على التقرير.
كما قررت الهيئة الوطنية للصحافة، عقد اجتماع عاجل بعد الأحد 10 سبتمبر، للرد على التقرير الذي وصفته بـ "المشبوه"، كما ناشدت القوى والتيارات السياسية والمجتمع المدني، التصدي لهذه الحملة المشبوهة التي تأتي في وقت تحقق فيه قوات إنفاذ القانون نجاحا كبيرا في التصدي للجماعات الإرهابية وإفشال مخططاتها.
واتهم الكاتب الصحفي كرم جبر، رئيس الهيئة الوطنية للصحافة، منظمة «هيومان رايتس ووتش» بتشويه الزيارات الناجحة التي يقوم بها الرئيس عبدالفتاح السيسي، للصين وحضور قمة «البريكس» التي تضم أقطاب مرشحة لقيادة الاقتصاد العالمي عام 2050 وعلى رأسها «بكين» يليها الهند.
وقال جبر، في تصريحات لبرنامج "آخر النهار"، إن المنظمة خرجت بتقارير قائمة على أكاذيب مجهولة المصدر، وأن السجون المصرية مفتوحة أمام الجميع ليقفوا على حقيقة التعذيب والإدعاءات المختلفة من المنظمة.
تصدي الهيئة الوطنية للصحافة للتقرير أثار تعجب نور فرحات، أستاذ القانون الدستوري، قائلا في تدوينه له على صفحته على "الفيسبوك ":"ما لا أفهمه أو يفهمه أحد هو صلة الهيئة الوطنية للصحافة بالأمر، المجلس القومي لحقوق الإنسان صامت، نقابة المحامين صامتة، مجلس القضاء الأعلي والنائب العام صامتان، هؤلاء هم المعنيون".
واتفق معه المحامي الحقوقي طارق نجيدة متسائلا عن دور الهيئة الوطنية للصحافة للرد على تقرير يتعلق بحقوق الإنسان، موضحا أن الجهات المنوط بها الرد عليه هي المجلس القومي لحقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني.
وأضاف نجيدة لـ "مصر العربية" أنه برغم عدم إطلاعه على التقرير إلا أن واقع حقوق الإنسان في مصر أبلغ من أي تقرير لأنه أكثر وضوحا ولا يحتاج إلى ما ذكرته المنظمة، فهناك الكثير من وقائع التعذيب سواء التي تم التحقيق فيها ومعاقبة المتورطين فيها أو التي لم يتم التحقيق فيها .
ورأى أنه برغم أن تاريخ عمل منظمة هيومن رايتس ووتش في مصر كان غير محايد، إلا أن هذا الأمر لا ينفي أن ملف حقوق الإنسان في مصر مظلم في ظل تكميم الأفواه وغلق باب المشاركة السياسية ووجود خروقات للقانون وانتهاكات للإنسانية داخل السجون المصرية".
في السياق ذاته قال جورج إسحاق، عضو الملجس القومي لحقوق الإنسان، إنه بغض النظر عن صحة أو كذب ما جاء في التقرير إلا أنه لابد من التحقيق فيه بدلا من إنكاره والهجوم عليه.
وتابع إسحاق لـ"مصر العربية"، أن "الإنكار والتعامل مع التقرير على أنه مؤامرة ومسيس لم يعد يجد نفعا مع العالم، هذه تبريرات وحجج قديمة جدا لا يمكنها أن تخرس الألسنة، فالعالم الأن لا يقتنع إلا بالأدلة والوثائق، ولكن للأسف الحكومة تتجاهل التقرير ".
وعن دور المجلس القومي لحقوق الإنسان أشار إسحاق إلى أن المجلس سبق وأن رصد حالات تعذيب، وبعض الوقائع السابقة تقدم للمحاكمة وبعضها لم يقدم، ولا يمكن إنكار أنه بالفعل هناك حوادث تعذيب بالفعل، مطالبا النائب العام بفتح تحقيق عاجل في كل ما ورد بالتقرير، والرد عليه بالأدلة والوثائق؟.
واتفق معه محمد عبد القدوس العضو المستقيل من المجلس القومي لحقوق الإنسان، واصفا ردود الأفعال على التقرير بأنها غير صحيحة وغير مهذبة، مضيفا "بدلا من دفن رؤسنا في الرمال والإنكار، علينا أن نعترف بكل ما جاء في التقرير ونواجه العالم بأخطائنا خاصة أن منظمات العالم أجمع اعترفت بالتقرير".
ورأى المحامي والحقوقي نجاد البرعي، إن إنكار وجود التعذيب وما ورد بالتقرير لن يفيد في شيء، مشددا في تدوينة له على الفيسبوك، على ضرورة أن يعلن النائب العام فتح تحقيق علني وشفاف في كل مزاعم تقرير منظمة هيومان رايتس ووتش حول التعذيب .
وحول كيفية التعامل مع تقرير منظمة "هيومن رايتس ووتش" كتب الإعلامي عماد الدين أديب مقالا في جريدة الوطن بعنوان "كيف نتعامل مع التقارير العالمية ضدنا؟"، قال فيه إنه يتفق مع المعلومة التى تؤكد عدم حياد منظمة هيومان رايتس وعلاقاتها القريبة للغاية مع قطر، ولكن هذا لا يمنع من ضرورة أن يكون الرد المصرى على تقرير مفصل مضاد بتقرير آخر مفصل ومضاد.
وأوضح أديب أن الرد فى مثل هذه الأمور لا بد أن يعتمد على المبادئ التالية:
1 - تجنب العموميات والأوصاف السياسية أو الأدبية للغير.
2 - لا تتجاهل أى معلومة وردت فى التقرير، وقم بتقديم التصحيح المطلوب.
3 - إذا كانت هناك معلومة صحيحة فى الهجوم عليك لا تخش الاعتراف بها حتى تكون لديك مصداقية.
4 - إذا ذكرت أرقاماً أو أسماء، قم بتقديم الأرقام والأسماء التى تعتقد أنها صحيحة.
5 - كن شفافاً فيما تفعل وتقول لأننا أصبحنا فى عالم لا يمكن فيه إخفاء أى معلومة.
في الإطار نفسه كتب رئيس تحرير جريدة الشروق عماد الدين حسين مقال بعنوان "انتقدوا «هيومان ووتش».. لكن فندوا الوقائع"، قال فيه إنه يتفق إلى حد كبير مع الرأى القائل بأن بعض تقارير المنظمات الحقوقية الدولية مسيّسة، ليس فقط ضد مصر، بل العديد من البلدان، لكن لا يعنى هذا أن كل التقارير ملفقة، وتريد فقط الإساءة لسمعة مصر وحكومتها.
ورأى حسين أنه من الخطأ الفادح التعامل مع التقرير الأخير لمنظمة «هيومان رايتس ووتش» عن التعذيب، باعتباره فقط حلقة فى مسلسل التآمر على مصر، موضحا أن المطلوب ببساطة التحقيق فى أى ادعاءات وتفنيدها، وإحالتها للنائب العام للتحقيق فيها، وإعلانها للجميع، إما أنها صادقة وستتم محاسبة المقصرين، أو أنها كاذبة، وبالتالى يحق لنا فضحهم.