رئيس التحرير: عادل صبري 12:56 مساءً | الخميس 28 مارس 2024 م | 18 رمضان 1445 هـ | الـقـاهـره °

لحظات القدس القاسية

لحظات القدس القاسية

علي بدوان 05 نوفمبر 2014 14:54

للمرة الأولى في مسار الصراع العربي والفلسطيني-الإسرائيلي، ومنذ الإحتلال الكامل لمدينة القدس بجزءيها الشرقي والغربي تم اتخاذ قرار من قبل سلطات الاحتلال بإغلاق المسجد الأقصى وباحاته (موقتاً كما قالت مصادر سلطات الاحتلال) أمام جمهور المسلمين، في تطور خطير بات ينذر بولادة مواجهة كبرى في عموم الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967 انطلاقاً من القدس ومسجدها، كما وقع في صيف عام 2000 عندما اندلعت شرارة الإنتفاضة الفلسطينية الكبرى الثانية بعد قيام آرييل شارون بالتجول مع مجموعات من المستوطنين في ساحات المسجد الأقصى بطريقة استفزازية جاءت في سياق شعارات الغطرسة والقوة التي أطلقتها في حينه أحزاب اليمين واليمين التوراتي، ومنها حزب «الليكود» تحت قيادة شارون آنذاك.

التطورات الأخيرة في القدس ليست صاعقة في سماءٍ صافية، بل تأتي في إطار مجموعة من الإجراءات الملموسة على الأرض بدأت الجهات الحكومية الإسرائيلية باتخاذها، ومنها طرح مشروع سحب الوصاية الأردنية عن الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس، ووضعها تحت اليد الإسرائيلية تمهيداً لاتخاذ إجراءات تمس مكانتها الدينية والقانونية، وحتى السياسية. ومنها أيضاً إعادة طرح مشروع التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى بين المسلمين واليهود، كما حدث في الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل بعد ارتكاب المتطرف اليهودي غولدشتاين مجزرة كبرى داخله عام 1996 راح ضحيتها عشرات المصلين الأبرياء. ومنها أيضاً إطلاق سلسلة من المشاريع التهويدية الجديدة داخل أحياء المدينة وحولها والمصادقة عليها، إرضاء للمستوطنين ولحزب «البيت اليهودي» الذي يُشكّلُ قوة أساسية في الإئتلاف الحكومي، وذلك سعياً من نتانياهو للحفاظ على تماسك هذا الإئتلاف في ظل الحديث عن إمكانية إجراء انتخابات برلمانية مُبكرة، كما تلوّح بذلك أحزاب المعارضة ومنها حزب العمل ومجموعات اليسار الإسرائيلي.

ومن الواضح أن نتانياهو يُحبذ تَحَمُل التململ الأوروبي، وحتى العتب الأميركي بالنسبة لإطلاق مشاريع الاستيطان والتهويد الجديدة من أجل المحافظة على ائتلافه الحكومي ومنع انهياره، حتى لو أدى الأمر الى وقوع سلسلة من التداعيات المتوقعة أو حتى غير المتوقعة، معتقداً ان الإنشغال العربي والإقليمي والدولي بالملفات الساخنة في المنطقة كفيل بتبريد الموقف الغربي ورفع اللوم الأميركي والتخفيف منه، في قراءة خاطئة من الحكومة الاسرائيلية اليمينية لمجمل الأحداث الجارية في الإقليم وفي العالم.

في هذا الإطار، يؤكد تصدي أبناء مدينة القدس لسياسات الإستيطان والتهويد وهدم واحتلال منازلهم وعربدة المستوطنين وفرض قوانين عنصرية وصمودهم في وجه قوات الاحتلال، يؤكد من جديد على الروح الوطنية العالية المختزنة لدى ابناء الشعب الفلسطيني على رغم كل الإحباطات وكل هذا المناخ المتداعي في المنطقة العربية وتراجع الإهتمام بالقضية الفلسطينية.

إن تلك الروح الوطنية العالية الموجودة لدى ابناء القدس وعموم الفلسطينيين في الداخل المحتل عام 1967 تحتاج الى إسنادٍ حقيقي عربي وإسلامي ومن جميع قوى الديموقراطية والعدالة والسلام في العالم من أجل مناصرة الشعب الفلسطيني، ومساعدته على البقاء داخل أحياء القدس الواقعة الآن تحت سطوة الاستيطان، وعلى محيطها حيث تتعالى أصوات بلدوزرات الاحتلال ومجموعات المستوطنين.

إن قضية القدس تضاف إلى مجمل العناوين الساخنة التي تُشكّل جوهر القضية الفلسطينية، كما هي حال قضية اللاجئين الفلسطينيين في الداخل والشتات، وحقهم في العودة وفق قرارات الشرعية الدولية، والذين يشكلون نحو 65 في المئة من ابناء الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات. ويعتبرها ذوو الشأن في الساحة الديبلوماسية الدولية إحدى إشكاليات العالم المعاصر. فهي تُشكّل العنوان الأكثر عاطفةً في العالم، والأرسخ رمزية، والأعمق تجذراً في الوجدان الديني والقومي والإنساني لجمهور المؤمنين من أبناء الرسالات السماوية الذين عاشوا فيها أو ارتحلوا اليها منذ فجر تاريخها وصولاً الى النكبة الفلسطينية الكبرى بكل إرتياح ومودة وإخوة.

نقلا عن الحياة اللندنية

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان