الآن في مصر.. الاختلاف في الرأي يفسد للود قضية

"الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية".. هذا هو المثل الشعبي المتداول منذ أزمان طويلة بين المصريين، أما الآن فالاختلاف بين المصريين لا يفسد للود قضية فقط، ولكنه يفسد المودة والرحمة والسكينة ويتسبب في الشتائم والسباب والعراك والمسح من على قائمة الأصدقاء ويود البعض لو يمسح سجلك من الحياة، كما أنه طرد الابن من رحمة أبيه، وأخرج الزوجة من بيت زوجها مطلقة أو معلقة أو بلا رجعة. كما أنه جعل الأطفال يطالبون الأهل بالحديث عن شىء آخر غير السياسة.. هكذا طالبت ابنتي ملك اليوم والدها وخالتها بالسكوت قليلا حتى تستطيع تناول الإفطار في هدوء.. "ممكن نتكلم في حاجة تانية غير السياسة لو سمحتوا"!

 

قد تكون مثقفًا أو قد تكون فلاحًا، وقد تكون غنيًا أو قد تكون فقيرًا، وقد تكون رجلاً أو قد تكون امرأة، المهم أن الجميع أصبح صوته عاليًا ولا يستطيع أن يكتم أنفاسه عندما يسمع صوت مخالف لرأيه، وكأن الدنيا قامت ولن تقعد، وكأن الدنيا أصبحت مقسمة بين الجنة والنار، هنا يقف طرف وهناك يقف الطرف الآخر. أما اصحاب الآراء الوسطى فلا مكان لهم، والأدهى من هذا كله أن هذا يريد اقصاء ذاك من السياسة أو من الحياة كلها، ولا يريد أن تقوم له قائمة مرة أخرى، يريد أن يعزله وينفيه ولا مانع من ذبحه، ألم يفكر أصحاب هذا الطرح أنه بهذا الشكل وبهذا التفكير قد يتم نفي الوطن كله خارج المرحاض السياسي الذي أصبحنا نعيش فيه داخل مصرنا الحبيبة.

تدفع مصر ثمن اختلافنا وعدم تقبلنا للآخر فادحا.. إنه ثمن يوجع جميع مفاصلنا ويرهق قلوبنا ويذيبها ألما وفقدا وحسرة.

"حالة من الانقسام الحاد والاستقطاب المرضي، أصبحت السمة السائدة بين المصريين على المستوى الشعبي والأهلي، في القرى والمدن، بين أفراد الأسرة والأصدقاء والمعارف، الجميع أصبح يمارس نوعا من الرذيلة السياسية، ولا يمارسون السياسة بمفهومها ومضمونها الذي تمنيناه كثيرا، وبفضل إعلام الفتنة والنخب منزوعة الضمير، ساد المجتمع مناخ من الخصومة والعداء والكراهية المسمومة". هكذا يعبر د.محرز حسين عن حالة مصر كلها شرقها وغربها شمالها وجنوبها بقراها وحضرها بغناها وفقرها.

وكتبت داليا الشيمي قائلة: "كنت بتحبني وإنت شايفني "معاك" وأنا وقتها كنت مع "الحق" كما أراه، والآن بتكرهني وإنت شايفني "ضدك" وأنا بردو بحاول أكون مع "الحق" كما آراه، مشكلتك مش معايا، ولا مع رأيي، مشكلتك مع "الحق" اللي مش عاوز تشوفه وإللي يمكن أنا "شيفاه غلط" بس شطارتك بقى "إنك تفضل تحترمني" حينما أكون في جهة غيرك، ديه مشكلتنا "كلنا" مع بعض، بنكره بعض، ونقتل بعض، لما نختلف، وليس لله سبحانه وتعالى وكلمته أي جزء في نفوسنا، لأنه لو كان "لخشينا الله" في بعضنا البعض وقت الاختلاف".

"تبقي الأسطورة الإنسانية بردو إن المحترم محترم حتي لو مختلف معاك، فعلا لا تصاحب من يشبهك لأن مسيركم تختلفوا لكن صاحب صاحب المبادئ لأنك هاتعرف تعاشره حتي لو اختلفتوا شكرا للمحترمين في حياتنا والتانيين لأ".

يقول د.أحمد عبدالله الطبيب النفسي: العقلية المصرية الشائعة لا تستوعب أكثر من مع أو ضد !! لا تتسع لإدانة الإخوان على أخطاء فادحة وقعوا فيها تباعا، وفي نفس الوقت تفنيد الألاعيب المخابراتية التي استخدمت وجودهم وأخطاءهم لتضليل وتحطيم إرادة شعب ينشد الحرية والكرامة ويدفع في سبيل هذا..الدم، وطبقا للهري المصري المتداول، لابد أن تكون وتتوحد مع فريق، وعلى طريقة مشجعي الكرة يحاول أقاربك، وسواق التاكسي، وكل شخص تتعامل معه أن يعرف: إنت مع مين؟ عشان يضبط الموجة، ويذيع لك ومعك الاسطوانات المحفوظة المناسبة لفريقك!!

إما أن تكون مع الإخوان وبالتالي منتظر منك تدافع عن أخطائهم، وتهرتل بكلام غير منطقي، تتعامى فيه عنها، وتضخم في المؤامرات التي حيكت ضدهم، وبعضها حقيقي طبعا، ومتوقع جدا، وعادي من ناحية نظام يفكك ويواجه ثورة بمكوناتها.

أو تكون ضد الإخوان فتهرتل حول مؤامرات كانوا يحيكونها، أنقذنا مدير المخابرات العسكرية - سابقا - قائد الانقلاب العسكري - حاليا - منها.  

وتردد بلاهات وشائعات ودعايات سوداء مخبورة بسم الوقيعة بين الشعب وبعضه، لتفكيك البلد كله، وليس الثورة وحدها.

فإذا تمسكت بحقك في بعض العقل والحكمة والتروي ونقد الأخطاء من أي طرف جاءت، والانحياز مع بعض الحق الذي عند هؤلاء أحيانا، أو عند أولئك أحيانا أخرى، إذا رأيت موضوعية مقبولة ومفهومة في بعض منتقدي الإخوان، ومنطقهم، ورأيت موضوعية ومنطق في بعض ما يطرحه الإخوان أو يتخوفون منه، وإذا وقفت بحسم ضد الدم، وإراقته باسم عناوين نبيلة، وتحت شعارات رنانة.

وإذا قلت إن الأولوية الآن هي لوقف آلة القتل المجنونة التي يمسك بها مجرمون، ويشجعهم مجرمون آخرون، ومغيبون، وقتلة مأجورون، وبائسون خائفون مرعوبون.

 عندئذ يفصل منك العقل المصري ويصاب بالتلبك الذهني والحيرة الوجودية، وبدلا من أن يدرك محدودية قدراته، وضيق أفقه، وبؤس مخيلته التصورية للعالم، والبشر، ستجده فورا يقول: إنت محيرني معاك، مش فاهمك، إنت مع مين، أنا متلخبط.

وفي تشريحه لما يحدث بين الشعب المصري وداخل البيوت يقول د.محمد المهدي الاستشاري النفسي إنه لابد من الاعتراف بأنه حصلت شروخ شديدة العمق في المجتمع وأهم دليل على ذلك أنها وصلت إلى البيت وأحدثت هوة عميقة بين الزوج والزوجة في كثير من البيوت، عدد كبير من الزيجات واقفة على الطلاق الآن لأن الزوجة تؤيد فريقًا والزوج يؤيد فريقًا آخر معارضًا له أو الفريق المتصارع معه لأننا تخطينا مرحلة التنافس، والمشكلة أن هذا الصراع لم يقف عند حد كونه صراعا أيديولوجيا أو صراعا فكريا، ولكنه وصل إلى كونه صراعًا عقائديًا، وهذا يجعل الاثنين الزوج والزوجة على حافة الطلاق. والخلاف على الأرضية الفكرية والسياسية يمكن استيعابه، أما الخلاف العقائدي فلا. لأن أحدهم يمثل الهوية الإسلامية أما الآخر فيمثل الهوية غير الإسلامية وعندما يصل الأمر إلى ذلك سيكون هناك شرخ يصعب التئامه.

يضاف إلى ذلك أننا حديثي عهد بقيم الخلاف والديمقراطية لم نتعود أن نختلف ونظل متعاونين الخلاف يفسد للود ألف قضية.

كيف نخرج من هذا المأزق المهلك؟

بأن نحاول نقل الخلاف من القاعدة العقائدية إلى المساحة السياسية وهذا يخفف من حدة الخلاف. أن يتحول خلافنا إلى خلاف حول الرأي الفكري. بأن نستعيد قيم الخلاف على كل المستويات على المستوى المدني الديمقراطي والحريات وقبول الآخر والمواطنة وكل القيم الحديثة المنتشرة في العالم.

بأن نستعيد قيم الخلاف في تراثنا الديني والإسلامي، يوجد فيها أشياء كثيرة جدا وقواعد الاختلاف.

كل شخص يأخذ ويرتضي قيم الاختلاف الديني أو العالمي كما يريد، المهم أن نختلف بدون أن نتعارك.

إذا تحولت المنافسة إلى صراع يوجد علم معروف باسم علم "حل الصراع"، وللأسف فكرة حل الصراع لدينا غير واردة حتى السياسيين الكبار لا يعرفون شيئًا عن حل الصراع. أي خلاف نصل فيه إلى حالة مواجهة وصراع، لأننا ندندن مع إعلامنا ليل نهار بأفكار خاصة بضرورة التعايش السلمي وتقبل أفكار الآخر، ولكن هذه الأفكار غير مطبقة في حياتنا. والدليل أنه منذ ثورة يناير وحتى الآن فشلنا في الاتفاق أو التنافس بشكل سلمي وفشلنا في حل الصراع أو التفاوض.

مقالات متعلقة