كيف أصبح ربع المصريين فقراء؟

فقراء مصر- ارشيف

"تتساقط ثمار النمو الاقتصادي بشكل تلقائي على بقية السكان"؛ "بتوسيع كعكة الثروة سيزيد نصيب الجميع منها بطريقة آلية".. كان هذا بعض ما ردده وزير المالية السابق يوسف بطرس غالي مبررا استهداف حكومته لمعدلات نمو اقتصادي مرتفعة خلال فترة حكم الرئيس المعزول حسني مبارك.

 

لكن ما حدث على الأرض كان خلافا لهذا؛ فارتفعت معدلات الفقر جنبا إلى جنب ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي الذي لم تتساقط ثماره على بقية السكان مثلما توقع غالي.

 

فقد ارتفع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي أو النمو الاقتصادي من حوالي 3% في 2000-2001 إلى حوالي 7% في 2007-2008.

 

في الوقت ذاته، ارتفاع معدل الفقر من 16.7% في 1999-2000 إلى 21.6% في 2008-2009 ثم 26.3% في 2012 – 2013، وفقا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

 

تقول ريم عبد الحليم –الباحثة بوحدة العدالة الاقتصادية والاجتماعية بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية–: إن النمو الاقتصادي لم يساهم في خفض معدلات الفقر أو عدم المساواة بين السكان لأن لم يصاحبه إجراءات حكومية تستهدف هذا.

 

وتضيف في تصريحات خاصة لـ "مصر العربية": "نظام مبارك كان يفرض ضرائب منخفضة جدا على الأغنياء والشركات مقارنة ببقية العالم، ويقدم لهم كل حوافز الاستثمار الممكنة، في المقابل فإن ما خصصه للإنفاق على الخدمات العامة التي تحمي المعرضين للفقر كالإنفاق على التعليم والصحة والسكن والنقل كان يتراجع بشكل مستمر خلال السنوات الأخيرة، ما يعني تمهيد المجال كي يصبح الأغنياء أكثر ثراء في مقابل ترك كثيرين يسقطون في دائرة الفقر دون حماية".

 

ودفعت مستويات عجز الموازنة والدين العام المرتفعة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى اتخاذ قرار صعب بخفض دعم الطاقة في محاولة لضبط المالية العامة للدولة.

 

ويستهدف وزير المالية الحالي هاني قدري دميان معدلات نمو اقتصادي تصل إلى 6% خلال السنوات الخمس القادمة.

 

وأثنى كل من صندوق النقد والبنك الدولي في اجتماعاته الأخيرة بواشنطن على الإجراءات الاقتصادية التي نفذتها الحكومة مؤخرا.

 

وترى عبد الحليم أن سياسات النظام الحالي لم تختلف عن النظام السابق من حيث استهداف النمو الاقتصادي وليس عدالة توزيع الدخل بل أنها تتجه للأسوأ.

 

وتضيف: "بدلا من أن يستهدف النظام الحالي توسيع عدد المستفيدين من النمو الاقتصادي من خلال تحفيز الشركات المتوسطة والصغيرة والتعاونيات وتحفيز الصناعات كثيفة العمالة كي لا تصبح ثماره حكرا على مجموعة محدودة من الشركات الكبيرة ورجال الأعمال، اتخذ إجراءات شديدة القسوة ساهمت في ارتفاع معدل التضخم أو أسعار السلع والخدمات، دون توفير حماية حقيقية لهؤلاء الأكثر عرضة للفقر".

 

هناك حوالي 66 مليون مصري يعيشون على 5 دولارات في اليوم الواحد، وفقا لبيانات البنك الدولي؛ هؤلاء هم من يقفون على حافة الفقر والأكثر عرضة للسقوط في دائرته إذا ما تأثرت دخولهم بارتفاع الأسعار.

 

وتوقعت الباحثة بالمبادرة المصرية مزيدا من الارتفاع في معدلات الفقر خلال السنوات القادمة.

 

خيارات خفض الفقر

ويرى عمر الشنيطي المدير التنفيذي لمجموعة مالتي بلز للاستثمار إن الأزمة المالية التي تواجهها الحكومة تجعل الخيارات التي أمامها لخفض الفقر محدودة، لكنها تحاول وضع عينها على الفقراء بمجموعة من القرارات لتخفيف أثر ارتفاع الأسعار عليهم.

 

ومن بين الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الحالية لدعم الفقراء، مضاعفة عدد المستفيدين من معاش الضمان الاجتماعي، ورفع الحد الأدنى للأجور مع تطبيقه على القطاع الحكومي فقط.

 

"هل هذه الإجراءات ستحمي الفقراء من ارتفاع الأسعار الناجم عن قرارات الحكومة الأخيرة؟ بالطبع لا.. الفقراء هيتلطشوا هيتلطشوا.. هم يحتاجون إلى مزيد من إجراءات الحماية الاجتماعية" يضيف الشنيطي في تصريحات خاصة لـ "مصر العربية".

 

وتابع: "لابد أن تقر الحكومة إجراءات لتحفيز القطاعات كثيفة استهلاك العمالة كالمقاولات والسياحة والغزل والنسيج، فتوفير مزيد من فرص العمل عامل مهم لخفض مستوى الفقر. أبضا لابد من زيادة قيمة وعدد المستفيدين من معاش الضمان الاجتماعي وزيادة الدعم المقدم للمواد الغذائية ورفع قيمة الحد الأدنى للأجور سنويا بما يتناسب مع ارتفاع أسعار السلع مع تطبيقه على القطاع الخاص".

 

وارتفع معدل التضخم السنوي العام أو أسعار السلع والخدمات إلى حوالي 11.04% في أغسطس الماضي، مقارنة بنحو 10.6% في يوليه.

 

ويرى الشنيطي أن الحكومة أخطأت في تعميم خفض دعم الطاقة على الجميع، وأنه كان ينبغي استهداف الأغنياء فقط بهذه الإجراءات.

 

عدم المساواة والنمو الاقتصادي

فيما وصفه البعض تحولا عن توصياته السابقة حول حفز النمو الاقتصادي وعدم إعطاء أهمية كبيرة لمسألة المساواة في إعادة توزيع الدخل، قال صندوق النقد الدولي إن الدول التي بها مستوى عدم مساواة مرتفع تعاني من انخفاض في النمو الاقتصادي أكثر من الدول التي تحرص على إعادة توزيع الدخل بين سكانها بشكل عادل.

 

وفقا للمركزي للإحصاء، فإن أدنى 40% من المصريين دخلا أنفقوا حوالي 6 % فقط من إجمالي ما تم إنفاقه في البلاد خلال العام 2012 -2013، وهو مؤشر يدل على أن الدخل المتاح للإنفاق يسيطر عليه نسبة صغيرة مقارنة ببقية السكان.

 

ويرى الشنيطي إن لعدم المساواة تأثير كبير على النمو الاقتصادي لأنها تحرم كثيرين من حقهم في الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة، ما يجعل قدرتهم على المساهمة في الانتاج أقل، بل أنهم يصبحون عبئا على بقية المجتمع.

 

وتقول ريم عبد الحليم الباحثة بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية إن تركز وسائل الانتاج والثروة في يد مجموعة صغيرة من الأفراد في المجتمع يجعل أثر الأزمات المالية على الاقتصاد مضاعفة. كما أن عدم المساواة يجعل العدد الأكبر من السكان لا يمتلكون الدخل الكافي لطلب السلع، وهو أمرا ضروريا لتنشيط الانتاج والاقتصاد، خاصة في أوقات الركود.

 

اقرأ أيضا:

نسبة الفقر بمصر تتجاوز 25% موقع أمريكي: الاقتصاد المصري انهار في السنوات الأخيرة أسعار الغذاء تنخفض عالميًا وترتفع محليًا الأسهم الأوروبية تهبط لأدنى مستوى في شهرين

مقالات متعلقة