معاناة أهالي النوبة مع التهجير والتهميش لا تنتهي

معاناة أهالي النوبة لا تنتهي (أرشيفية)

امتدت على مساحة 75 ألف فدان وسميت ببلاد الذهب، عاش أهلها على ضفاف النيل لآلاف السنين، حتى توالت عليهم عمليات التهجير القسري منذ بداية بناء سدي أسوان والعالي.

 

اعتبرت الحكومة قرى النوبة القديمة أراضي عامة ولم تراع أنهم سكانها الأصليون لآلاف السنين، فوعدتهم آنذاك بتسكينهم في قرى جديدة، ليكتشفوا أنهم هُجروا لمدن بعيدة عن ضفاف النيل وقريبة من الصحراء، مثل مدينة "وادي كركر" و"نصر النوبة" في أسوان.

"إحنا كنوبيين مش موجودين بالنسبة للحكومة، رئيس يروح ورئيس ييجي، ودا يموت ودا يتحبس، واحنا زي ماحنا ما حدش بيبصلنا ولا بيرجعلنا حقوقنا"، هكذا استهل عم أحمد طه صاحب الـ68 عامًا كلامه، معبرًا عن رفض أهالي النوبة للتهجير الذي تعرضوا له، فحتى بعد تعاقب الأنظمة الحاكمة على مصر، إلا أن معاناتهم لم تنته بعد.

قال الدكتور مصطفى عبد القادر، أستاذ الحضارة النوبية، إن أهل النوبة ما زالوا في معاناتهم ذاتها منذ التهجير، ولا يعرفون مصيرهم في المستقبل، فبالرغم من أن المادة 236 من الدستور الحالي للبلاد تنص على إعادة توطين أهالي النوبة خلال عشر سنوات مع الحفاظ على النمط الثقافي للمنطقة، إلا أن الخرائط الإدارية الجديدة التي تداولتها الفضائيات تقسم منطقة النوبة وأسوان إلى ثلاث محافظات، ما يدفعنا للتساؤل: هل سيعاد توطين أهالي النوبة فعلاً أم يقسمون على ثلاث محافظات؟

وفي سياق متصل، اعتبر سمير العربي، ناشط نوبي، أن الدولة تتجاهل أهالي النوبة منذ سنوات كما تشوه أجهزة الإعلام صورتهم وتصفهم بالخونة وتدعي رغبتهم في الانفصال عن مصر، ولكن ما يتمناه النوبيون حقًا هو تفعيل مواد الدستور المتعلقة بإعادة توطينهم من جديد، لافتًا إلى أن سكان النوبة يريدون العودة جزء من أراضي ما وراء السد تاركين الأجزاء الباقية للاستثمار.

كما استنكر العربي تجاهل الرئيس عبد الفتاح السيسي وحكومته أهالي النوبة في خطابهم الرسمي، مشيرًا إلى أن استمرار التجاهل الرسمي والإعلامي يزيد الاحتقان داخل النوبة، ما ينذر بكارثة مستقبلية.

يتفق يونس حمزة، ناشط نوبي، مع حديث العربي، قائلًا: "أي حقوق تتحدث عنها لأناس هجروا من أرضهم منذ عقود"؟

 كما استطرد حمزة الذي وُلد في القاهرة: ”أنا بالفعل ولدت في القاهرة، لكن النوبة القديمة هي موطني وأعرفها جيدًا من كثرة الحكايات التي حكت لنا عن الخير في بلادنا القديمة، وعن السعادة التي عشنا فيها قبل التهجير".  

وتساءل حمزة مستنكرًا: "أي تعويض يناسب ما مررنا به من تهجير قسري واغتراب ومعاناة عاشناها لعشرات السنين"! مؤكدًا أن الحكومة لم تتخذ يومًا قرارًا جادًا في مسألة إعادة حقوقهم المسلوبة، مشيرًا إلى أن كل ما تقوم به الحكومة تجاههم هو مجرد مسكنات.  

واستطرد حمزة: "نحن لم نطالب يومًا بأكثر من حقوق المواطنة لكن ما واجهناه كان مريرًا"، مضيفًا أن النوبي مثل أي مواطن مصري يؤدي واجباته ويشارك في المشاريع القومية والحروب، ولكنه الوحيد الذي لم يأخذ ولو تى جزءًا من حقوقه.  

أما بالنسبة لعم أحمد طه، صاحب الـ68 عامًا، والذي عايش الأزمة منذ بدايتها، فقد استنكر التناول الإعلامي للشخصية النوبية، قائلاً: “النوبي مبيطلعش في التليفزيون غير بواب واسمه عثمان، لكن مهندس.. دكتور.. مذيع.. موظف كبير.. مفيش".

كما أبدى عم أحمد، حزنه الشديد على ما لحق بالفن والثقافة النوبية من إهمال، ضاربًا مثالاً بواحد من أهم الفنانين النوبيين، وهو حمزة علاء الدين الذي استمع العالم كله لأغانيه عندما صعد على مسرح الأمم المتحدة حافيًا كنوع من الاعتزاز بهويته النوبية، ولم ينل تكريمًا مناسبًا في مصر. وعن ذكريات الهجرة للقاهرة، قال الرجل المُسن إن السبب وراء قدوم آلاف العائلات للقاهرة، هو ظروف البطالة وزيادة الفقر بين سكان النوبة، بحثًا عن مصدر رزق يعيشون عليه بعد أن تخلى عنهم الجميع.

استغرق عم أحمد ثواني قليلة في التنهد، ليختم كلامه قائلاً: ”النوبة عايشة جوانا وفي حكايتنا، تعبنا كتير وعانينا الغربة واعتبرونا لاجئين واحنا جوا مصر".

 

اقرأ أيضًا:

النوبة أرض الذهب.. جديد دار كنوز خبراء أمنيون: ثلاثة أسباب وراء اشتعال أزمة النوبة نادي النوبة بالسويس للسيسي: فتنة أسوان لإفشال الدولة رمضان النوبة.. الأكل "أبريه" والشرب "كركديه" رئيس الاتحاد النوبي الأسبق: السيسي يستطيع حل مشاكلنا إذا أراد بالصور.. نساء من النوبة: قولنا للسيسي نعم بالفيديو..أحمد إسحاق: نظام ناصر تعامل مع المهجرين النوبيين بشكل مهين أقليات مصر.. تهميش وهموم تنتفض أمام الرئيس القادم النوبة.. أزمة الوعود الزائفة في ذكري تهجيرهم.. الحدود النوبية لغم في وجه الرئيس القادم نشطاء نوبيون: حمدين يتجاهلنا والسيسي ذكرنا مجاملةً

مقالات متعلقة