تصدر الشأن السوري اهتمام كتاب المقالات والأعمدة الصحفية صباح اليوم الأحد حيث تتجه انظار العالم الى أعمال العنف التي يرزخ تحت ويلها الشعب السوري ، فيكتب عبد الله بن بجاد العتيبي بصحيفة " الشرق الاوسط" تحت عنوان "سوريا: حروبٌ في حربٍ" ان قدر سوريا وشعبها أن تكون نقطة التقاء لحروب دولية وإقليمية تعيد ترتيب أدوارها ورعاية مصالحها ونقاط التماس بينها على حساب هذا الشعب ومستقبله ودولته، مع حرب يقودها النظام ضد شعبه.
متابعا :"إنها في الواقع عدة حروب في حرب، منها الحرب العالمية الباردة الجديدة وحرب إيران الإقليمية الباردة والتي تحولت مع الأزمة السورية إلى حرب ساخنة ومكشوفة ودموية، يتحرك فيها كل حلفائها وأذيالها في المنطقة حسب خطة مرسومة في طهران وقرار مركزي هناك، والحرب الثالثة هي الحرب الداخلية التي يقودها نظام الأسد ضد شعبه، والتي يقابلها الجيش السوري الحرّ بطاقات بسيطة وقدرات متواضعة، وهو أثبت أنه قادر على الصمود في وجه قوات النظام العاتية لما يقارب السنتين، وهو في معركة القصير أثبت قدرة فريدة في التصدي للأعداء الأربعة مجتمعين، روسيا بأسلحتها، وإيران بخبرائها، والنظام بعتاده، وحزب الله بجنوده".
وأضاف الكاتب :"إن حربا واحدة من هذه الحروب كفيلة بخلق منطقة مضطربة واستخراج كل كوامن التاريخ السيئة وعلى رأسها الطائفية والعرقية والقبلية ونحوها، وتشويه المستقبل لعقود مقبلة للأسف الشديد، فكيف بها مجتمعة!"
واختتم مقاله قائلا:"في لحظات الانتقال التاريخي بين مرحلة وأخرى تسيطر الأوهام على البعض وتستحوذ الأحلام على البعض الآخر، ويختلف الفرقاء حولها، وتدخل على الخط طموحات السياسة وصراعاتها وولاءات الآيديولوجيا وعقائدها، وتختلط قراءة المشهد بحجم التناقضات الجديدة التي يخلقها، فيتيه بعض الخبراء ويضل بعض المتخصصين، وهو ما حدث تجاه الأزمة السورية حتى بان الصبح لذي عينين فلم يبق من يؤيد نظام الأسد الطاغي وداعميه وحلفاءه الطائفيين إلا فاقد لإنسانيته مقدوح في بشريته".
وتساءل خالد الدخيل في مقاله بصحيفة " الحياة "" كان هناك حقاً ربيع عربي؟
ويعكس سؤال العنوان مواقف كثيرين، في مقدمهم رجال الحكم الذين قامت ضدهم ثورات الربيع. استنجد هؤلاء بمخزون المؤامرة المعتق منذ سايكس بيكو، وفي مقدم رجال الحكم يأتي قادة النظام السوري وحلفاؤهم في طهران، ثم «سادة المقاومة» في الضاحية الجنوبية لبيروت. هناك من شكك، وهو لا علاقة له بالحكم، انطلاقاً من قناعاته الفردية. هناك أيضاً فئة كانت مع الربيع عندما بدأ، ثم عندما طال بها الزمن، ولم يحن قطاف الربيع بدأ الشك يتسرب إليها، وبدأ إيمانها بحتمية التغيير يهتز. أصبح الربيع بالنسبة لكل هؤلاء مربكاً، يحمل في طياته أكلافاً إنسانية وسياسية تثير الشك في جدواه وفي توقيته.
وتابع :"مما زاد الأمر سوءاً أن الثورة تعثرت في كل البلدان الخمسة التي حصلت فيها، خصوصاً في مصر. كانت الأخيرة هي النموذج للثورة الشعبية في شكلها غير المعهود عربياً. لكنها بعد بدء العملية السياسية، وفوز «الإخوان»، دخلت الثورة في نفق مظلم، يزداد كل يوم ظلمة وإرباكاً. بات واضحاً أن القوى التي استولت على الثورة في مصر، وأولها «الإخوان المسلمون»، أفرغوا الثورة من محتواها، وأدخلوا مصر في حال توهان سياسي واجتماعي لا أحد يعرف كيف ينتهي. تكرر الشيء نفسه في تونس وليبيا واليمن. ثم جاءت مأساة الثورة السورية لتؤكد عند البعض انقلاب النظرة المتفائلة إلى نظرة تشاؤمية سوداوية. بدأ البعض يستبدل كلمة الربيع بكلمة «الشتاء» أو الصيف. هل كانت هناك ضرورة لهذه الثورات؟ وهل تبرر هذه الأكلاف الكبيرة حدوث ثورات مثل هذه؟ لقد انقلبت هذه الثورات، أو هي في طريقها للانقلاب إلى حروب أهلية طائفية. وما يحصل في سورية منذ أكثر من سنتين هو قمة هذه الحروب، وينذر بما هو أسوأ من ذلك."
وأضف :" هناك أمور كثيرة كشفتها ثورات الربيع العربي، وتتعارض مع النظرة التشاؤمية. منها مدى ضعف الطبقة المتوسطة في المجتمعات العربية، وأن هذه الطبقة ضعيفة وهشة، لا تسيطر على رأسمالها، وتفتقد بالتالي لاستقلالها الاقتصادي والفكري، بسبب اعتمادها شبه الكلي على الدولة، على رغم أنها تشتكي من فساد هذه الدولة واستبدادها بالرأي وبالقرار. كان الدور السلبي لهذه الطبقة واضحاً في كل الدول الخمس. لكن دورها الأسوأ هو في الثورة السورية، وتحديداً في دمشق. وذلك بسبب ارتباطها التجاري بالنظام السياسي، وهو ارتباط نفعي خالص لطرفيه، وليس ارتباطاً يستند إلى مشتركات أيديولوجية وسياسية. والأرجح أن خوف هذه الطبقة في سورية نابع من أمرين: أن الثورة كانت في بدايتها ريفية، والثاني دموية النظام السياسي وتطبيقه سياسة العقاب الجماعي ضد كل من يعترض عليه. يتحدث السوريون كيف أن التاجر قبل حكم البعث كان يتمتع بمكانة كبيرة داخل أروقة مؤسسات الحكم. أما بعد البعث، فقد انقلبت العلاقة. بحيث أصبح التاجر ملزماً بشراء ولاء الضابط العسكري لتسهيل أموره داخل بيروقراطية الحكومة".
ولفت الي ان "من أهم ما فجرته ثورات الربيع وأخطره الصراعات الاجتماعية، وأبرزها الصراعات الطائفية خصوصاً في سورية، وتداعيات ذلك على العراق ولبنان. هذا يعني أن منطقة الشام والهلال الخصيب تنزلق إلى حروب دينية بشعة. يشبه تفجير هذه الصراعات تفجير الورم الذي يختبئ تحت أردية اجتماعية وسياسية تراكمت مع الزمن، الأمر الذي سيضع الجميع أمام بشاعة واقعهم السياسي المزري، وبالتالي يفرض ضرورة التغيير. سيكتشف الجميع أن مصدر خطورة الطائفية هو أنها أبشع أشكال العلاقة بين الدين والدولة، وهو ما يقتضي وضع حد لهذه العلاقة. هناك أطراف مستفيدة من هذه العلاقة، لكن على حساب المجتمعات واستقرارها. والأرجح أن الثورات وتداعياتها ستكشف هذه العلاقة وأكلافها على الجميع".
ومن جانبه قال سمير عطا الله تحت عنوان "هل سوريا إسبانيا الثلاثينات؟" على نحو ما، ثمة شبه بين الحرب الأهلية الإسبانية والحرب في سوريا. في الأولى، انخرط الأوروبيون.. فريق إلى جانب الجنرال فرانكو والفاشيست، وفريق إلى جانب الجمهوريين. معركة إسبانيا كان يفترض أن تقرر شكل التوازن أو التفوق السياسي في القارة برمتها. وقف النازيون وفاشيست إيطاليا إلى جانب فرانكو، وأرسلوا إلى مساعدته آلاف المتطوعين الألمان، وجاء إلى جانب الجمهوريين بعض من أصبحوا فيما بعد أشهر كتاب الغرب: إرنست همنغواي وأندريه مالرو وجورج أورويل، وجميعهم نجوا من الموت بأعاجيب.
وتابع :"لا يبدو أن ثمة أدباء محتملين في حرب سوريا. الوحيد الذي برز حتى الآن كان مراسل الـ«نيويورك تايمز» أنطوني شديد الذي توفي أوائل الأزمة وهو عائد إلى تركيا في نوبة ربو. وقد صدر بعد وفاته كتاب «بيت من حجر»، وهو قصة عودته إلى بلدة أهله، مرجعيون، في جنوب لبنان".
واختتم مقاله قائلا:"سوف تقرر حرب سوريا الكثير في شكل المنطقة وخرائطها. وسوف تقرر - مثل حرب إسبانيا - نوعية التوازن الدولي والإقليمي. لكن ما من مراسلين يتركون تلك الشهادات التراجيدية في أكثر حروب العرب هولا".