جحا..مش قلتلك أنهم بلهاء.!

سمير البحيرى

لبقرة جحا قصة تقول: أن بقرة جحا عثرُت ذات يوم وكسرت ساقها . وبما أن كسور البهائم لا تجبر،أضطر جحا إلى أن يذبح بقرته ويوزع لحمها هدايا على أهالي القرية، ثم ما لبث أن بدأ يطوف على أهالي القرية يجمع الإعانات لتأمين ثمن بقرة جديدة ،وكان جحا كلّما أنهى جولة جديدة بدأ جولة أخرى في جمع الإعانات ، وهكذا دواليك ، وبقيت الناس تدفع ،وبقي جحا يجمع،ولم يكل أو يمل أهل القرية بل عاشوا يصدقون جحا ويرضخون لكل مطالبه،بكلامه المعسول وحيلاته الدائمة التي ما استطاع أحد أن يكشفها..واستمر الوضع سنوات وسنوات لا جحا يشيخ ويهرم ويهمد عن استنزاف أهل قريته ولا هم يجدون ما يواجوهنه به من مكر الرجل وفلسفته التي لا يستطيع أحد فك طلاسمها أو التعامل معها وإبطال مفعول أي من حيله التي دائما ما كانت تتجدد باستمرار وهم سعداء بهذا الوضع الذي يجعلهم دائما في فقر لا يخرجون منه..إلى ان جاء شاب من أهل القرية يريد أن ينال من جحا ويكشفه أمام أهل قريته فراح ينشر بعض الحقائق عنه وسط التجمعات داخل القرية دون أن ينتبه له جحا، إلى أن وشى أحد أهل القرية بأن هذا الشاب يريد أن ينال منك يا جحا، فنصح بصاصينه أن ينشروا شائعة أن هذا الشاب يحتسي الخمر وخطر على نساء أهل القرية كلما قابل بنتاً أو أمرأة روادها عن نفسها وهو سكران،ولم تمضى سوى أيام قليلة حتى أمتلأت القرية بإشاعة فجور هذا الشاب،وبدأ الناس يتأهبون له ويتحرشون به ويتهمونه بإحتساء الخمر وهو عبثاً يريد أن ينفي التهمة عنه وكشف حيل جحا  لهم وهم يستهزؤون به ولايصغون له أبداً بل كلما نفى أيقنوا أنه سكراناً بالفعل،ليتجمعوا حوله ذات مساء بالعشرات وينهالون عليه ضرباً حتى لفظ أنفاسه ومات،وذهبوا لجحا فرحين يزفون له موت الشاب الفاجر،فقال لهم ما قلت لكم اقتلوه ماذا فعلتم أنتم قتلتموه وهو ليس سكراناً فتعجبوا من جحا وهو الذي وشى عنه عن طريق أحد رجاله أنه شاب يحتسي الخمر..وانصرفوا وهم لا يعرفون ما ذا يقصد جحا،وجاء أهل الشاب وأخذوه ودفنوه، لكن بقت عائلة الشاب متوثبة للأخذ بثأر ابنها من رجال جحا لكنهم ليسوا بمثل العدة والعتاد التي يقارعون بها هؤلاء الرجال الذين يمثلون لأهل القرية الآخرين الأمن والأمان الذين يحلمون به،عاملين بحكمة قائدهم جحا التي تقول(طا لما الفجور بعيد عن بيتي خلاص) ..وتمر سنوات وأهل الشاب على حالهم يريدون الأخذ بثأر ابنهم،ليفيق أحد زملائه ويدشن حملة ضارية ضد جحا وبدأ بالتحرك بين الناس راكباً حماراً منادياً في الناس،"ياناس إن جحا يضحك عليكم ويريد أن يستعبدكم ويستنزفكم وأنتم عنه غافلون،ياقوم أفيقوا قبل فوات الأوان، وتنظر إليه الناس مستغربين، ومنهم من ينصرف عنه،ومنهم من كان يفرك عينيه ويصحى من غفوته وينضم للشاب الثائر على حكم جحا الجائر وحيله التي أفقر بها أهل قريته،ولم تمر سوى أيام معدودات إلا وثارت ثائرة الناس تريد الفتك بجحا،وتعالت صحياتهم وأنضم لهم أهالي القرى الأخرى،لتنجح ثورتهم ويلقون القبض على جحا،ويحولونه لقاضي القضاة،فيضعه السجن على الفور ويشدد عليه الحراسة،وانصرف الناس يحتفلون بالنصر المبين على جحا،ونسوا أن لجحا رجالاً ينتشرون بينهم مازالوا على ولائهم له،ولن يتركوه وحيدا ليفتك به الثوار،وبدأوا في التحركات على الفور في ثورة مضادة ليستعيدوا رجلهم وكلفوا أحد بصاصين جحا ليدافع عنه أمام القاضي،ومع بدء أول محاكمة رأى قاضي القضاة أن جحا مذنب مع أهل قريته لكن البصاص لم ييأس واستأنف الحكم، وجلب شهوداً أمام القاضي وقالوا في شهادتهم أن جحا كان رجلاً صالحاً وحاكماً ناجحاً،ليفرج عنه القاضي، ويبدأ رجاله بالتحرك لاستعادة مملكة جحا..وجندوا من الناس الكثير خاصة الشباب وبدأوا في بث روح الهزيمة في نفوس المؤيدين للحاكم الذي جاء بعد جحا باختيارهم بتخطيط من جحا وحيله التي لا تنتهي، ليأتي موعد إختيار حاكمهم بعد سنة واحدة، ويخرج الجميع ضده وجحا جالس يراقب الموقف من بعيد إلى أن نجح رجاله في عزل الحكام الجديد،وعاد جحا محمولاً على الأعناق،وخطب في الناس وهم حوله مهللين بانتصاره العظيم،وهو يلوح بيده للجموع.. فسألته الجموع المحتشدة عن كرامته،فقال ( أتريدون مني كرامه أعظم من علمي بما في قلوبكم جميعا ) ؟قالوا : ( وماذا في قلوبنا ) ؟قال : ( كلكم تقولون في قلوبكم أنني صادق ) فهللوا مكبرين على ذكاء جحا بعدما أخترق جدار قلوبهم وعرف ما بداخلها،ليبدأ جحا فصل جديد بجمع التبرعات من أهل القرية ليشترى بقرة جديدة ليكسر قدمها ليذبحها ويوزع لحمها عليهم، ليستنزفهم مرة أخرى.. ثم يميل قليلاً على قاضي القضاة ليحدثه في أذنه مش قلتلك أنهم بلهاء.

مقالات متعلقة