سلطة تكرس للنظرية التي ابتدعها أحدهم وغناها المطرب علي الحجار "إحنا شعب وانتو شعب".. معناه أنها سلطة تسير في طريق تقسيم الشعب لعدة فئات ودفعه دفعًا للتناحر والاقتتال، لتجر الوطن لمصير قد يكون الخلاص منه بعد ذلك يحتاج لسنوات لعودة الوفاق إليه.
فما تتبعه السلطة الحالية والتي تثبت فشلها يومًا بعد يوم على كافة الصُعد، خاصة على صعيد محاربة الإرهاب، لن يحل الأزمة، ولن تكون هناك مؤشرات قريبة لإمكانية إيجاد حلول تقبل بها الفئات المتصارعة.
وبعد انقلاب 3 يوليو، شدد من قاموا به، على أنه جاء من أجل إعادة البلد إلى المسار الديمقراطي ومنع حدوث كارثة كادت تقع إبان حكم مرسي بأنه يقود البلد لحرب أهلية، بحسب قولهم، وهو ما ثبت كذبه بعدها بعدة أسابيع، برفعهم شعار "الديمقراطية هي الحل وخارطة الطريق المزعومة"، اتضح أنه تكريس مميت لنظرية "إحنا شعب وانتو شعب"، فألف باء عند أي فرد عادة أن المبادئ لا تتجزأ وتبقى واحدة في كل المواقف المتشابهة، حتى لو اختلفت الأيديولوجيات، وإلا كان أصحابها منافقين، وهو ما يجري الآن بالتعامل بحسب المزاج والهوى باستنكار ورفض ما يمسني، والطرمخة عليه إذا طال غيري، وذلك بالاعتقالات التي تجري لجميع النشطاء بشكل عشوائي، والمطالبة بالإفراج عن البعض والطناش عن البعض الآخر.
الأمر محير ويشتت الذهن، وسط ما تنتجه العقول وما تستوعبه من مفارقات ورفض الآخر، ووصل الحد بأن نجد من ينادي بترحيل كل منتم لجماعة الإخوان وحصرهم في مكان واحد، بل طالب الشيخ مظهر شاهين بوضع علامة على وجوههم لسرعة تمييزهم من بين الشعب، ودعا لتكفيرهم صراحة.. كتصرف عنصري مقيت رفضه الدين الإسلامي الذي يعظ شاهين به الناس ويعتلي المنبر ليخطب فيهم مطالبهم بالموعظة الحسنة، وهو الذي يناقض نفسه في ذات الوقت، مطالباً بتقسيم هؤلاء الناس لفئات، فئة نهواها ونطبطب عليها، وفئة نلعنها ونبغضها ونضربها بـ"الصرمة".
وعجباً أن تجد هؤلاء الآن وقد برزوا على السطح ليلعبوا دوراً لتمزيق المجتمع، وليس لم شمله، كما هو مفترض أن يدعو لذلك، فأصحاب العقول ثلاثة، عقول العلماء وتتميز بمناقشة الأفكار، وعقول العامة وتتميز بمناقشة الأحداث، وعقول الرويبضة وتتميز بمناقشة الأشخاص والتحدث في أمر العامة وتصنيفهم بحسب هواهم، ويبدو أن من ينافقون السلطة اليوم ويسيرون في فلكها، عقولهم ليست كما الصنفين الأول والثاني، بل يعدون من أصحاب عقول الصنف الثالث الداعي ليس فقط لمناقشة الأشخاص وتوصيفهم، بحسب ما يتسق وقناعته المريضة، بل إلى إلغائهم من واقع الحياة المصرية، واستبعادهم من المجتمع ككل.
وهذا يوضح أن الحالة التي نحن عليها والمجتمع الآن، ليس له ذنب فيها، بل هو ضحية عدة أبواق، منها من يمسك بالميكرفون، ومنهم من يمسك بالقلم، ومنهم من يعقد المنتديات ويروج لأفكاره المريضة، واتفق كل هؤلاء أننا لسنا شعبًا واحدًا، ويواصلون ترويجهم لمصطلحهم العنصري "إحنا شعب وانتو شعب".
تركوا كل السلبيات والفشل الذريع الذي عليه السلطة الحالية، واتجهوا جميعًا لتحميل المسئولية لفئة في المجتمع بأنها وراء كل ما يجري من قلاقل وأعمال إرهابية، وما يغيظ حقًا أنهم لا يسوقون لك أي أدلة تثبت صدق ما يقولون، ليدعموا بقوة التشتت الذي عليه المجتمع والإصرار على تمزيق كل النسيج المصري الذي حاباه الله دون شعوب كثيرة بأنه ليس مذهبيات وفرقًا وأعراقًا مختلفة، بل كله من نسيج واحد بمسلميه وأقباطه، وكم من أزمة أثبت الشعب فيها أنه الرقم الصعب الذي دائمًا ما كان يأتي بالحلول ليضعها أمام النخب بالتفافه حول بعضه كما جرى في ثورة 25 يناير، عندما كان الشعب كله على قلب رجل واحد.
وإذا استمر الوضع على هذا النسق بتكريس حالة الفرقة بين الشعب وتأليبه على بعضه البعض، ستدخل مصر إلى نفق يعلم الله وحده متى ستخرج منه، في ظل تحديات اقتصادية وأمنية ومعيشية، تحتاج لحلول سريعة، والوقت يمر ولا ثمة حلول حقيقية، ليستعيد المواطن ثقته في سلطته الحالية، بأنها قادرة على ما سبق وأوفت به أمامه، بتخليصه من الوضع المذري الذي عليه الشارع المصري والفوضى التي كفر بها الناس.
http://samir196@yahoo.com