تحت عنوان "الرواية رحلة الزمان والمكان"، عن الدار المصرية اللبنانية في القاهرة، ترى مذكرات مصطفى الفقي النور، أخيراً، بعد أيام قليلة من صدور الجزء الثاني من سيرة عمرو موسى الذاتية "كِتَابِيَه" والتي جاءت تحت عنوان "سنوات الجامعة العربية"..
صدر الكتابان بالتزامن مع الذكرى العاشرة لسقوط نظام الرئيس المصري الراحل حسني مبارك إثر احتجاجات شعبية في يناير2011.. ليثيرا الجدل حول طبيعة نظام المخلوع مبارك..
وهناك عوامل كثيرة مشتركة بين الكتابين وصاحبيهما، بحكم كونهما من أبرز وجوه السلك الدبلوماسي والعمل السياسي في مصر خلال عهد الرئيس الراحل حسني مبارك، الذي امتد ثلاثين سنة انتهت بتنحيه تحت ضغط شعبي، وهو العام نفسه الذي شهد انتهاء فترة عمل موسى أميناً عاماً لجامعة الدول العربية، وانكسار حلم الفقي في بلوغ المنصب نفسه.
ففي فصل مُعنون بـ«حسني مبارك»، يحكي «موسى» عن «الرجل المنوفي»، يُحلل شخصيته، ويكشف تفاصيل لقاءاته واجتماعاته معه.
«مبارك» في نظره رجل وطني، ومنوفي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، متواضع في طموحاته، غير مستعد للدخول في مغامرة عسكرية مع إسرائيل بخلاف الرئيس جمال عبدالناصر، ولم يكن مستعداً للمزايدة على العرب، خاصة المملكة العربية السعودية، ومنذ أيامه الأولى في الحكم وهو يجنح للسلم.
وفق «موسى»، فإن الرئيس الأسبق «شخصية لطيفة مُحببة، له قفشاته الطريفة، منوفي حقيقي، كان يستمع لآراء خبراء في الظل قبل أن يجتمع بفريقه في جلسات رسمية، وكان يتمتع بتوازن مبسّط للأمور».
يتحدث «موسى» أيضًا عن تعامله مع المعارضة والفساد، كان «مبارك» يعطي المعارضة مساحة تتسع قليلاً أو تتقلص حسب المعطيات والظروف والاحتياج، وغضّ الطرف عن بعض الفساد بين كبار مؤيديه وأركان نظامه وعائلاتهم، لكنه لم يتردد في أن يلفت نظر كبار المسؤولين في نظامه إذا تعدوا حدوداً معينة في استغلال النفوذ.
«مبارك» في نظر «موسى» مثال للموظف المصري الكبير: «دخلت مرة مكتبه الداخلي الواقع في الدور الأرضي في خلفية منزله، فوجدت أكوامًا من التقارير التي تصدر عن أجهزة الدولة وتُرسل إليه بوصفه رئيسًا للجمهورية في شكل كتب أو ملفات صغيرة الحجم، وهذا ما يفسر قولي إنه كان موظفًا كبيرًا يقتنع بأنه يجب الاحتفاظ بهذه التقارير التي ربما يحتاج لأن يعود إليها في يوم ما».
لم يكن الرئيس الذي أطاحت به ثورة يناير، موظفًا كبيرًا أو منوفيًا حقيقيًا أو متواضعًا فقط، كما يقول «موسى»، الذي كان وزيراً للخارجية في عهده، بل كان أيضاً «ابن بلد يتسم بالحداقة، معها ذكاء فطري، فهو عندما يتعامل مع شخص لأول مرة ينظر إليه ملياً، ويُمعن النظر في عينيه وجسده وطريقة ملبسه ويستمع إليه، ويقارن بين ما يقوله أمامه مباشرة وما سمعه عنه قبل ذلك، سواء مباشرة أو في وسائل الإعلام».
الرواية رحلة الزمان والمكان
وصدرت مذكرات الفقي قبل أسابيع عن "الدار المصرية اللبنانية" بالقاهرة في كتاب ضخم من 512 صفحة بعنوان "الرواية رحلة الزمان والمكان". وقال الفقي في مقدمة الكتاب إن المذكرات "حافلة بالندم الإيجابي"، متعهدًا أن يكون "صادقاً حتى النخاع"، وأن يبدأ بإدانة تصرفاته قبل تصرفات غيره.
وعمل الفقي مديرًا لمكتب مبارك للمعلومات خلال الفترة الممتدة من 1985 حتى 1992، ثم تمّ استبعاده من الفريق الرئاسي على خلفية فضيحة "فساد سياسي"، أطاحت أيضا آنذاك بقضاة ومسؤولين في الحكومة.
ويتضمن الكتاب هجومًا على السنوات الخمس الأخيرة من حكم مبارك ويكتب الفقي "وصل النظام إلى مرحلة العجز، وافتقد لمستشارين لديهم القدرة على التحليل وقراءة المشهد بشكل جيد".
ويرى أن "نظام مبارك تعامل مع أحداث كانون الثاني/يناير باستخفاف"، مضيفا أن رجل الأعمال المصري أحمد عز ونجل الرئيس الأسبق جمال مبارك هما اللذان قادا الحزب الوطني الحاكم في مصر قبل سقوطه، وكانا "يفتقدان القدرة على التواصل مع الناس".
وأدت الانتفاضة الشعبية العارمة التي تخللتها عمليات قمع ومواجهات مع القوى الأمنية الى تنحي مبارك عن السلطة في 11 شباط/فبراير 2011، بعد أن تخلّى عنه الجيش الذي كان آنذاك بقيادة وزير الدفاع المشير حسين طنطاوي .
وطالب المتظاهرون الذين ملأوا ساحات المدن لا سيما ميدان التحرير في القاهرة برحيل مبارك، محتجين على ظروفهم المعيشية وممارسات القوى الأمنية والفساد.
ويستدرك الفقي في مذكراته أنه أحبّ "مبارك الشخص"، مضيفاً "لكن لم أكن شديد الاقتناع بالرئيس، وذلك بسبب إهدار الفرص وتجريف الكفاءات وغياب الرؤية".
وأثارت المذكرات سجالات واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، وتحفّظ البعض عن صدقية كاتبها الموجودـ في الحياة السياسية المصرية طوال ما يقرب من أربعين عاما.
ووجه علاء مبارك، نجل الرئيس المصري الأسبق، انتقادات إلى الفقي في تغريدة عبر حسابه الشخصي على "تويتر"، ووصفه بـ"رجل الكاوتشوك"، قائلا "بمرونة غير عادية وشخصية متلونة، يجيد اللعب على كل الحبال، حسب الظروف والتوقيت. فقد كثيرا من الاحترام للأسف".
واكتفى الفقي بالرد بأن على علاء مبارك أن يقرأ الكتاب قبل توجيه الانتقادات.
بعد ابتعاد قصير عن الضوء في السنوات الأخيرة لعهد مبارك، عاد الفقي ليظهر في محاضرات ومداخلات تلفزيونية محللا الوضع السياسي في مصر. واختاره الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مديرا لمكتبة الإسكندرية في أيار/مايو 2017. ويعتبر هذا المنصب سياسيا، ويرأس الرئيس المصري إجمالا مجلس أمناء المكتبة.
رغم ذلك، يرى البعض في المذكرات مصدرا مهما للمعلومات عن تلك الفترة من تاريخ مصر التي حكم فيها مبارك بقبضة من حديد. ويقول خبير العلوم السياسية الدكتور عمار علي حسن إن مذكرات الفقي "تمثل مصدرا مهما للكتابة التاريخية عن عصر مبارك، لأنه صاحبه وعمل معه في فترات حكمه الأولى".
ويتابع "لكن الحكم على صدقيتها أمر آخر متروك للمؤرخين". وشدّد على أن الفقي اعتمد على ذاكرته لرواية الأحداث "بينما نحتاج إلى بعض الوثائق بدلا من السرد الشخصي". ويضيف "كثير من التاريخ في بلادنا يكتب بالكيد أو تبرئة الذمة".