ألقى إعلان شركة جهينة، إحدى أكبر شركات الصناعات الغذائية في مصر، عن إلقاء القبض على رئيسها التنفيذي، سيف الدين صفوان ثابت، بظلال كثيفة من الشك حول مستقبل الشركة، بعدما هوت أسهمها في البورصة أمس الأحد بنحو 17 في المائة فور صول بيان من الشركة بالقبض على الراجل الأول فيها، والذي يأتي بعد نحو شهرين من اعتقال والده، صفوان ثابت، مؤسس الشركة ورئيس مجلس إداراتها السابق، على خلفية اتهامات بتمويل الإرهاب.
ورغم أن أسهم الشركة قلصت خسائرها بنهاية تعاملات أمس الأحد عند 10.5 في المائة، إلا أن مؤشرات استمرار التراجع تبدو مرجحة، على الأقل لحين معرفة البديل الذي سيحل مكان "سيف الدين ثابت" في إدارة الشركة، حيث تذهب التوقعات إلى أن إحدى شقيقتيه، مريم أو هبة، العضوان في مجلس إدارة الشركة، سوف تتولى إدارة الشركة، وإن كان من غير المستبعد اختيار بديل من خارج عائلة ثابت، لإبعاد الشركة ووضعها الانتاجي والمالي عن القضايا المتعلقة بالأسرة.
وتمتلك أسرة ثابت، من خلال صندوق "فرعون" المسجل في جزر العذراء، أحد الملاذات الآمنة من الضرائب والملاحقات، كصندوق أوفشور، الحصة الأكبر في أسهم الشركة، وذلك بالمشاركة مع رجل الأعمال السعودي محمد عبدالله الدغيم، الذي تولى رئاسة مجلس إدارة الشركة عقب اعتقال صفوان ثابت.
وتتزايد احتمالات تعيين شخصية إدارية مستقلة لإدارة الشركة، بمعزل عن ملاك الأسهم، في ضوء إقدام الشركة في ديسمبر الماضي على تعيين أحمد الوكيل رئيس اتحاد الغرف التجارية السابق، عضوا في مجلس الإدارة، خلفا لصفوان ثابت، الذي استقال من مجلس الإدارة عقب القبض عليه، ومن المعروف أن الوكيل يحظى بعلاقات جيدة مع مختلف القطاعات الاقتصادية، وهو محل ثقة أجهزة الدولة.
استبعاد آل ثابت
وتذهب بعض التقديرات إلى أن استمرار وجود آل ثابت على رأس الإدارة التنفيذية للشركة ربما لا يحظى بالقبول، خاصة أن "سيف الدين" الذي تسلم مجلس إدارة الشركة فور القبض على والده، اضطر للتراجع عن تلك الخطوة بعد أيام قليلة، وتنازل عن المنصب إلى السعودي محمد عبد الله الدغيم، ما شكل مؤشر على وجود رغبة في إبعاده عن إدارة الشركة، وبالتالي فإن تعيين شخصية مستقلة لإدارة الشركة، واستبعاد آل ثابت من الإدارة التنفيذية، ربما يضمن للشركة استكمال مسيرتها بشكل آمن بعيدا عن قضايا ملاكها.
لكن في المقابل، يخشى اقتصاديون من أن الإدارة المستقلة بمعزل عن رقابة الملاك ورؤيتهم الاستراتيجية، ربما يقود الشركة للسقوط في فخ الإدارة الروتينية الخالية من المبادرات وخطط العمل والتطوير الطموحة، فضلا عن غياب المحاسبة الفعالة، فجوهر العمل الخاص هو إرادة الملاك ومثابرتهم ورؤيتهم واستعدادهم للمغامرة، وهو الأمر الذي على أساسه تقوم المؤسسات المالية بتوفير التمويل لأي مشروع.
ويضرب هؤلاء الاقتصاديون مثالا بحالة الجمود والتعثر الذي عانت منه شركة "طلعت مصطفى" عقب سجن رئيس مجلس إدارتها هشام طلعت مصطفى، على خلفية تورطه في مقتل المطربة سوزان تميم، وذلك رغم وجود شركائه وأشقائه على رأس الشركة، ثم كيف استعادت الشركة وتيرة نشاطها المتسارعة عقب إطلاق سراح هشام، رغم أنه لم يكن بعيدا عن إدارة الشركة من داخل محسبه، لكن خروجه إلى الفضاء العام أتاح له استعادة شبكة علاقاته ومنحه القدرة على عقد شراكات اقتصادية مع أطراف عدة، كما منح البنوك الثقة في توفير التمويل اللازم لمشاريع الشركة.
وضع قيادي
وتتمتع شركة جهينة بوضع قيادي في قطاع الصناعات الغذائية في مصر، بوصفها أكبر منتج للألبان والعصائر المعلبة، وتقوم بتصدير إنتاجها من منتجات الألبان والعصائر والزبادي ومنتجات الطهي إلى أسواق الشرق الأوسط وأمريكا والدول الأوروبية، و"تقوم الشركة حاليًا بتشغيل 4 مصانع تابعة وشبكة توزيع ضخمة تغطي أكثر من 65 ألف منفذ تجزئة في جميع أنحاء وربوع الجمهورية، فضلاً عن مزرعة الألبان التي تبلغ مساحتها 550 فدان وتبلغ طاقتها الاستيعابية 8 آلاف بقرة"، وفقا لموقع الشركة الإلكتروني.
ويضم هيكل جهينة عدة شركات تابعة، هي: "جهينة للصناعات الغذائية، الدولية للصناعات الغذائية، طيبة للتجارة والتوزيع، إيجي فود للصناعات الغذائية، المصرية لإنتاج الألبان والعصائر، المروة للصناعات الغذائية، الإنماء للتنمية الزراعية، أرجو".
وفي 22 أكتوبر 2020، أعلنت الشركة عن ارتفاع صافي أرباحها خلال التسعة أشهر الأولى من عام 2020 بنسبة 32% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، رغم انخفاض طفيف لإيراداتها بسبب تداعيات أزمة كورونا. ووفقا للقوائم المالية المجمعة للشركة والتي أرسلتها للبورصة، بلغ صافي ربح الفترة (يناير- سبتمبر) نحو 384 مليون جنيه مقابل 291 مليون جنيه خلال نفس الفترة من العام الماضي. بينما تراجعت إيرادات الشركة بنسبة 1% خلال نفس الفترة، لتسجل 5.719 مليار جنيه مقابل 5.791 مليار جنيه، خلال نفس الفترة من العام الماضي.
بداية الأزمة
وترجع بداية أزمة جهينة وملاكها، إلى فبراير 2016، عندما قررت لجنة التحفظ وإدارة أموال جماعة الإخوان، برئاسة المستشار عزت خميس، التحفظ على نحو 7.2% من أسهم شركة جهينة تمثل الحصة غير المباشرة لصفوان ثابت، رئيس مجلس إدارة شركة جهينة للصناعات الغذائية، ويمتلكها عبر صندوق فرعون، الذي يستحوذ على 14.2% من رأسماله، علما بأن الصندوق يمتلك نحو 51% من أسهم شركة جهينة. وسبق ذلك إصدار اللجنة قرارًا في شهر أغسطس 2015 بالتحفظ على جميع أموال رجل الأعمال صفوان ثابت السائلة والمنقولة والعقارية.
وفي يناير 2017، أصدرت محكمة جنايات القاهرة حكماً بإدراج ثابت على قوائم الإرهابيين لمدة 3 سنوات، على ذمة القضية رقم 653 لسنة 2014 (حصر أمن دولة)، بتهمة الانتماء إلى جماعة "الإخوان"، وهو ما نفاه مرات عديدة، الأمر الذي ترتب عليه إدراج اسمه على قوائم المنع من السفر وترقب الوصول، وسحب جواز السفر الخاص به، ومنع إصدار جواز سفر جديد.
وفي أعقاب القبض على صفوان ثابت مطلع ديسمبر 2020، قال المستشار عزت خميس، الرئيس السابق للجنة التحفظ وإدارة أموال جماعة الإخوان، والذي أصدر قرارا بالتحفظ على أموال وممتلكات صفوان ثابت في 2015، إن "ثابت كان يمول أنشطة جماعة الإخوان الإرهابية، ويقدم الدعم المالي للجناح المسلح للجماعة، والتحريات أثبتت دوره". وأضاف خميس لصحيفة "الوطن" القاهرية: "هذا القرار يؤكد صحة موقفنا رغم أن كثيرين شككوا فينا وقتها، وكان هناك جدلا كبيرا حول حقيقة صفوان ثابت، لكن مرت الأيام واتضح الحق للجميع وألقى القبض عليه".
استثناء جهينة
ومن اللافت أن قرار التحفظ على أموال صفوان ثابت، استثني شركة جهينة"، وهو ما بررته لجنة التحفظ على أموال الإخوان، حينئذ، بأن جهينة "شركة مساهمة وتمارس نشاطها بشكل طبيعي ولها أنشطة خيرية ستؤديها بشكل طبيعي أيضا"، ويبدو أن تلك الصيغة استهدفت عدم إثارة قلق المستثمرين والبورصة، في ظل الحصة الكبيرة للشركة في سوق الصناعات الغذائية، فضلا عن أنها توظف آلاف العمال، ولديها تمويلات من البنوك بالمليارات، وأي مساس بالشركة قد يحدث هزة كبيرة لمجتمع الصناعة والأعمال.
من جانبه، قال أحمد الوكيل رئيس غرفة الإسكندرية التجارية وعضو مجلس إدارة شركة جهينة، إن الشركة لن تتأثر بالقبض على سيف ثابت، وذلك لأن قواعد سوق المال تحدد المسئولية القانونية لإدارة الشركة في هذه الحالات الطارئة. وأضاف الوكيل، في تصريحات صحفية، أن رئيس مجلس الإدارة محمد عبدالله الدغيم سيقوم بالدعوة لعقد اجتماع لمجلس إدارة واختيار بديل لسيف ثابت ليكون المسئول التنفيذي عن الشركة لحين اتضاح موقفه من التهم المنسوبة إليه.