في ظل كورونا.. كيف يستدرج الغرباء الأطفال عبر الألعاب؟ 

صغارٌ يجلسون بالساعات أمام شاشات يلعبون ويتصفحون ويشاهدون ما يحلو لهم لشغل وقت فراغهم، خاصة في ظل جائحة ألزمتهم منازلهم، منذ ما يزيد عن العام، وسط حالة من الحيرة والخوف انتابت الآباء والأمهات نظرًا لعدم درايتهم بعالم الألعاب الإلكترونية الذي يخطف صغارهم ويجعلهم يتعاملون مع أشخاص مجهولين من كل شكل ولون ومن مختلف الجنسيات والأعمار.

 

الأمر لا يقتصر على مجرَّد لعبة يشغل بها الصغير وقته الطويل، ولكن في كثير من الأحيان تقود بعضها أطفال إلى مثواهم الأخير، لما تحويه بين طياتها وثنايها من تحديات وصعاب تجذب شغف وفضول الصغار، ما جعلها تحمل مع الوقت لقب "ألعاب الموت".. 

 

 

 

مع من يتحدث صغيرك؟

 

وفقًا لدراسة حديثة نشرتها موبايلي للرياضات الإلكترونية، يجهل نصف الأهالي هوية شركاء أطفالهم في ألعاب الإنترنت، فضلاً عن خوف معظمهم من مجرمي الإنترنت.

 

ويعتقد خُمس الأهالي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن أطفالهم يتحدثون مع الغرباء مرتين إلى ثلاث مرات أسبوعيًا، في حين يظن 20%  أن صغارهم يتحدثون مع الغرباء يوميًا.

 

ومهما كان عدد المرات التي يتواصل فيها الأطفال مع الغرباء، يؤكد الخبراء والجمعيات المعنية على ضرورة توخي الأهالي للحذر والإبلاغ عن أي حالات تدعو للقلق، على الرغم من أن هذه الألعاب قد تكون ممتعة وآمنة في كثير من الأوقات.

 

 

 

 

كيف يستدرج الغرباء الأطفال؟ 

 

ووفقاً للباحثين، يستدرج المجرمون بدايةً الأطفال في لعبتهم المفضلة من خلال إرسال الهدايا أو شحن رصيدهم من النقاط التي تتطلبها اللعبة أو غيرها من الطرق المشابهة محاولين استغلالهم في نهاية المطاف عبر إرسال صورٍ مخلة بالآداب.

 

ففي بداية ديسمبر 2020، وقّع 120 ألف من الأهالي على عريضة أطلقتها منظمة بارينتس توجيذر، لمطالبة مايكروسوفت بحماية أطفالهم من موجة التحرش الجنسي التي يتعرضون لها في لعبة ماينكرافت، لكن حالَ ازدياد حدة الأزمة الصحية في العالم دون ذلك، بل وازداد انتشار هذه المشكلة في جميع الألعاب عبر الإنترنت.

 

 

 

أرقام هامة 

 

وكشفت دراسة احصائية شارك فيها كل من لؤي كوفية، مدير في موبايلي للرياضات الإلكترونية، ومات باتروورث، المدير الإداري الإقليمي في مولن لوي ونشره موقع ماركتيرز، أن ما يزيد عن 74% من الأهالي في منطقة الشرق الأوسط قلقون على سلامة أبنائهم من الإنترنت، فيما أبدى 75% منهم قلقهم على خصوصية أطفالهم.

 

وأفصح 84% من الآباء عن قلقهم بشأن تواصل الغرباء مع صغارهم عبر منصات اللعب على الإنترنتـ، وأفاد 46% من الأهالي بأنهم يجهلون هويات شركاء أبنائهم في الألعاب عبر الإنترنت.   فيما طالب أكثر من 67% من الأهالي المعنيين في قطاع الألعاب الإلكترونية باتخاذ المزيد من الإجراءات لحماية أبنائهمـ، ويعتقد جانب منهم  أن أطفالهم يتواصلون مع الغرباء أثناء لعبهم عبر الإنترنت أكثر من ثلاث مرات أسبوعيًا. 

 

أُجريت الدراسة خلال الفترة بين 11 -14 يناير الماضي من قبل سينسس وايد، وكالة مستقلة لأبحاث السوق ومعتمدة من قبل هيئة أبحاث السوق، حيث شملت 500 من الأهالي الذين لم تتجاوز أعمار أبنائهم 17 عامًا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

  ويعتقد 22% من الأهالي  أن أبناءهم من الفتيان يتحدثون إلى الغرباء أثناء اللعب عبر الإنترنت يوميًا، مقارنةً بـ 19% من يروون أن بناتهم يقمن بذلك.

ولفت التقرير الاحصائي إلى أن  الفتيان يلعبون عبر الإنترنت نحو سبع ساعات أسبوعيًا، في حين تلعب الفتيات نحو خمس ساعات في الأسبوع، وفي السياق ذاته يعتقد 45% من الأهالي أن أبناءهم يقضون نحو 10 ساعات أو أكثر في اللعب عبر الإنترنت خلال الأسبوع.

 

 

وأفادت الدراسة بوجود ارتفاع كبير في عدد الأطفال المشاركين في الألعاب الإلكترونية خلال الجائحة وهو الأمر الذي زاد من قلق الخبراء والجمعيات المعنية حول ضرورة وجود قيود أكثر صرامة لضمان أمن الصغار وحمايتهم، بالتزامن مع اقتراب موعد اليوم العالمي للإنترنت الآمن هذا العام.

 

وجاءت هذه المطالبات نتيجة الإبلاغ عن أكثر من 15 ألف تقرير حول الإساءات التي يتعرض لها الأطفال على الإنترنت خلال شهر سبتمبر 2020 وحده، الأمر الذي لم يسبق له مثيل على الإطلاق وفقًا لهيئة مراقبة الإنترنت.

 

وحسب التقرير الاحصائي يوجد أكثر من 100 مليون شخص مشارك في الألعاب عبر الإنترنت، "كفورتنايت وأبيكس ليجيندز" في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وحدها.. الأمر الذي دعا أكثر من 74% من الأهالي إلى التعبير عن قلقهم على سلامة أبنائهم عبر الإنترنت مع قضائهم المزيد من الوقت في المنزل ومشاركتهم في هذه الألعاب نتيجة القيود التي فرضتها الأزمة الصحية الأخيرة.

 

 

 

أرباح بالمليارات 

 

ويشهد سوق الألعاب الإلكترونية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال جائحة كورونا انتعاشة كبيرة حيث تقدر قيمته اليوم بـ 4.5 مليار دولار أمريكي، ويعود هذا الارتفاع غالبًا -بحسب الدراسة- إلى إطلاق منصة الألعاب الجديدة بلاي ستيشن 5 وغيرها من ألعاب الفيديو الحديثة، بالإضافة إلى إجراءات التباعد الاجتماعي التي فرضتها الهيئات الحكومية لاحتواء أزمة كوفيد-19، مما أدى إلى قضاء الأطفال للمزيد من الوقت على الإنترنت، وتحدث ملايين الصغار حول العالم مع شركاء لعب غريبين عبر السماعات.

 

لذا يحذر الخبراء من استغلال مجرمي الإنترنت لهذا الوضع لتسهيل عملية التواصل مع الأطفال واستهدافهم، الأمر الذي يُعتبر تهديداً شديد الخطورة في جميع أنحاء العالم.

 

 

ويُعد استهداف الأطفال المشاركين في الألعاب الإلكترونية الجماعية كفورتنايت وماينكرافت وأبيكس ليجيندز أحد طرق استغلال مجرمي الإنترنت للوضع الحالي، معتمدين على بعض الميزات التي تتيحها هذه الألعاب كالتواصل والتحدث بين اللاعبين في مختلف أنحاء العالم.

 

حيلة العلماء لإنقاذ الصغار

 

ولرفع مستوى وعي الأهالي بالمخاطر المحتملة للعب عبر الإنترنت بدون رقابة، تعاونت موبايلي للرياضات الإلكترونية مع مولن لوي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لابتكار سماعة الرأس بروتيكت سيت لتعزيز مستويات حماية الأطفال في المنزل، حيث تعمل على جعلهم أكبر سنًا عبر تغيير صوتهم أثناء استعمالها لتجنب الكشف عن عمرهم الحقيقي.

 

 

 

تحذير من القومي للطفولة والأمومة

 

على الجانب الآخر؛ حذر المجلس القومي للطفولة والأمومة، من إدمان الأطفال للألعاب الإلكترونية، واستخدامهم للإنترنت دون رقابة من الأهالي، الأمر الذي يعرض حياتهم للخطر.

 

وقالت الدكتورة سحر السنباطي الأمين العام للمجلس القومي للطفولة والأمومة: إدمان الصغار للألعاب الالكترونية والإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي أصبح خطرًا يداهم أطفالنا، ونحذر من ذلك الأمر لأنه شديد الخطورة ، ولا يضيع الوقت فقط ولكنه أصبح يُفقد الأطفال حياتهم.

 

ولفتت "السنباطي" إلى أن عددًا كبيرًا من الأطفال متواجد بشكل مستمر على مواقع التواصل الاجتماعي ويقضون وقت فراغهم في اللعب الأمر الذي يجعلهم فريسة للتطبيقات والألعاب المتنوعة التي يتيحها العالم الافتراضي.

 

وأضافت "السنباطي" أن بعض الألعاب وسيلة ممتعة وسهلة للأطفال، وتنمي إدراكهم إلا أنها لها الكثير من الأخطار على صحتهم وحياتهم، منها قلة الحركة والسمنة، بسبب الجلوس لساعات طويلة، إجهاد العينين بسبب شدة التركيز فيها والنظر إليها كثيرًا،  فضلًا عن إصابة الأطفال بالتوحد والعزلة لوقت طويل، وفي كثير من الأحيان تترك أثرًا سلوكيا عدوانيًا وتحرض على العنف، وذلك بسبب أن كثير من الألعاب تعتمد على العنف والممارسات العداونية، فضلا عن مشاكل الأرق والانتباه والتركيز والتوتر.

 

وتابعت: بالإضافة إلى التقليد الأعمى للكثير من الممارسات التي تبثها تلك الألعاب، ولأنهم يقضون وقت طويلا أمامها دون توجيه أو مراقبة من الأهالي.

 

وواصلت  "السنباطي" حديثها قائلة: إلى جانب أن حماية أطفالنا هو مسئوليتنا جميعًا ومسئولية الأهل بشكل خاص في مراقبة صغارهم، واتاحة سبل متنوعة للترفيه واللعب والمشاركة في النشاطات البعيدة عن العالم الافتراضي، كالعودة للقراءة والحكي والرسم وقضاء وقت ممتع مع أطفالنا، ومحاولة اكتشاف مواهبهم وتنميتها، فضلا عن بعض النشاطات اليدوية.

 

ودعت "السنباطي" أولياء الأمور بضرورة الاتصال بالخط الساخن لنجدة الطفل "16000" أو من خلال تطبيق الواتس اب على الرقم 01102121600 للحصول على المشورة النفسية الصحيحة فى التعامل مع مثل هذه المواقف مع الأطفال، والإبلاغ ايضاً إذا ما تعرض الأطفال لأي خطر أو استغلال.

 

 

الأزهر يدين كسارة الجمجمة

 

ومع انتشار لعبة كسارة الجمجمة؛ أوضح مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية أن لعبة  «كسّارة الجمجمة» هي تحد يقوم فيه شخصان  بالتغرير بشخص ثالث، وإقناعه أنهما يصوران مادة (فيديو) للتّسلية، وأنه يُتطلب منه لإنجاح العمل أن يقفز معهما إلى أعلى حتى إذا كانوا جميعًا في الهواء؛ أسقط الشخصان صاحبهما أرضًا؛ ليقع من فوره على جمجمته؛ وليُختَتَم الفيديو بأصوات ضحكاتهم المُتعالية. 

 

وأكد مركز الازهر أن لعبة كهذه ليست من مُثيرات الضحك لدى أصحاب الطبائع السوية ولا دُعابة فيها أو تسلية البَتَّة إذ هي «لعبة الموت» في الحقيقة، وتؤدي إلى إصابات بالغة، وأضرار جسيمة، كاختلال القُدرات العقلية والإدراكية، وارتجاج المخ ونزيفه، وكسر الجُمجمة، وكسر العمود الفقريّ، وإصابة الحبل الشّوكيّ، والشّلل، والموت.

 

وأضاف  مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، أنه هذا السُّلوك المرفوض والمُحرَّم.

 

 

(لعبة الحوت الأزرق، مريم، بابجي، مومو..)؛ هذه هي بعض من الألعاب التي قادت الكثيرين حول العالم إلى حافة الهاوية، فعلى سبيل المثال: 

 

لعبة الحوت الأزرق تسببت في إزهاق روح أكثر من 140 طفلًا ومراهقًا حول العالم، نظرًا لأنها تقود من يدخل في اللعب إلى قطع جسده بآلة حادة في مرحلة متقدمة منها. 

 

أما "لعبة مريم" فقادت أطفال إلى الانتحار بعد تحريضها لهم بذلك وإلا ستقوم بإيذاء أهله إن لم يستجب لطلبها، -بحسب إيهامها له خلال اللعبة. 

 

يذكر أنه من بين الضحايا لإحدى الألعاب الالكترونية طفل يبلغ من العمر 12 عام عثرت عليه أسرته فاقدا النطق وبجواره هاتفه المحمول وعليه لعبة بابجي، فهرولت به إلى المستشفى، لكنه كان قد لفظ أنفاسه الأخيرة، وتبين أنه أصيب بـ"سكتة قلبية"

 

وأكد والدي الصغير رؤيتهما ابنهما ليلة وفاته منهمكًا في اللعب بهاتفه المحمول، ثم رآياه مستلقيًا وهاتفه في صدره، فظنا أنه خلد إلى النوم، وعندما حاولا ايقاظه لم يتسجب لهما، ولاحظا زرقة  بجسده ونزيفًا من انفه، وعلما بوفاته حينما وصلا به المستشفى لإسعافه.

 

وقال والدا الطفل إن نجلهما كان دائم اللعب بالألعاب الالكترونية خاصة لعبة قتالية تسمى "بابجي"، وشهد شقيق الطفل المتوفى بذات المضمون. 

 

وقالت النيابة العامة حينها : "رغم أن التحقيقات لم تقطع بعد بالعلاقة السببية بين وفاة الطفل وما كان يداوم ممارسته من ألعاب إلكترونية، إلا إنها تشير إلى سبق وفاة بعض الأطفال أو إلحاق الأذى بهم وتعريضهم للخطر في وقائع سبق للنيابة العامة أن كشفت فيها ارتباط وفاتهم بمداومة ممارستهم مثل تلك الألعاب..",  

 

 

 

مقالات متعلقة