هل يجوز هدم المساجد المخالفة؟.. الأوقاف والإفتاء تجيبان

هدم المساجد

جددت التصريحات التى أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي بالأمس بشأن هدم بعض المساجد المخالفة، الحديث حول حكم الشرع فى بناء المساجد على أراضٍ زراعية وأو أراضٍ مغتصبة.

 

 كان الرئيس عبد الفتاح السيسي كشف خلال افتتاحه أمس عددًا من المشروعات القومية في نطاق محافظة الإسكندرية، عن إثارة بعض المواطنين للجدل بعد هدم 30 مسجداً مخالفًا من أجل إنشاء محور المحمودية، لافتًا فى الوقت ذاته إلى وجود 77 مسجدًا مخالفاً على حرم ترعة المحمودية، مؤكداً فى الوقت ذاته مواصلة الدولة المصرية على هدم مخالفات البناء بما فيها المساجد، لافتاً إلى أنه من غير المقبول إقامة بيوت لله على أراضٍ مغتصبة.

 

وفى أغسطس 2019 وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي، بهدم مسجد يتخذه المواطنون مقامًا لأحد أولياء الله الصالحين، وإنشاء بديل فى مكان آخر، وذلك لأنّ المسجد الحالي يعوق جهود قيام الدولة بتنفيذ محور المحمودية والكوبري المزمع إنشاؤه في المنطقة وقتها.

 

وقال الرئيس: "المسجد والمقام الكريم على دماغي، لكنه يعوق الحركة، إحنا بنتكلم عن مصلحة عامة، والله.. النبي محمد ما يرضى بكده، إنه يتوقف الطريق ويتوقف الكوبري عشان الناس فاهمة إن ده لا يليق، قلنا شوفوا مكان جديد، وإحنا نعمل مسجد جديد طبق الأصل".

 

وأضاف: "المساجد والكنائس لا تُبنى على أرض حرام، من المفروض أن يكون لها أرض تبنى عليها، والدولة موافقة عليها، ومن يعمل غير هذا فهو مخطئ، حتى من منظور ديني".

 

من جانبه أكد الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، أنه لا يجوز بناء دور العبادة مطلقًا أو غيرها على أرض مغتصبة ، كما لا يجوز بناؤها على ملك عام غير مخصص لبنائها ولا ملك خاص بالمخالفة للقانون .

 

وأشاد وزير الأوقاف بجهود الدولة في تنظيم عملية البناء بصفة عامة وتنظيم بناء دور العبادة بصفة خاصة، كما أشاد بجهودها في عمارة بيوت الله  (عز وجل) وبناء ما تبنيه منها على المستوى الذي يليق بقدسية المسجد وتوفير الجو الروحي للتعبد، وليس هذا فحسب ، بل ستجد هذا الرقي المعماري في كل المساجد التي أنشأتها الدولة المصرية في المجتمعات العمرانية الجديدة أو تلك التي أنشأتها بديلًا للزوايا أو المساجد التي كانت قد بنيت بالمخالفة في عرض الطريق ، أو على حرم بعض المصارف أو الترع ، أو حرم السكة الحديد ونحوها .

 

كما أكد وزير الأوقاف أن الوزارة لن تسمح بإعادة فتح أي دورة مياه تصرف على النيل أو الترع أو بأي مجرى مائي يلوث البيئة أو بأي طريق يؤذي الناس ، فطاعة الله (عز وجل) لا تُنال بمعصيته في أذى الخلق.

 

وسبق لدار الإفتاء المصرية أن أصدرت فتوى عام 2015، أجازت فيها هدم المساجد والزوايا التى تعيق المشروعات القومية الخاصة بالطرق وتطوير السكك الحديدية التى تعود بالنفع على جميع المواطنين.

 

فتوى دار الإفتاء المصرية كانت ردًا على سؤال يقول هل يجوز إزالة المساجد أو الزوايا التي تم بناؤها في مواضع خاطئة على خطوط السكك الحديدية بشكل يتعارض مع أمن وسلامة المواطنين؟

 

وفى ردها قالت الإفتاء : "ما دامت أعمال مشروع تطوير مزلقانات السكك الحديدية لحماية حياة المواطنين من الخطر وتأمين طرقها هو من المصالح العامة التي لا تختص بشخص معين ولا بزمن معين وترجع فائدتها على الناس بصفة عامة، بل وعلى من سيأتي في قابل الأيام، فإنه يجوز شرعًا إزالة المساجد والزوايا التي تحول دون هذا التطوير، وذلك بشرط إنشاء مساجد أخَرى كبدائل للمساجد الموقوفة التي تحققت وزارة الأوقاف المصرية من صحة وقفها؛ مساوية لها أو أكبر منها، حتى لو تعارضت مع التخطيط الحالي للطريق أو كان مكانُها خاطئًا بالنسبة لمعايير السلامة فيه؛ فإن المسجدية حينئذٍ سابقة في ثبوتها على التخطيط الطارئ للطريق، والحادث الطارئ لا يرفع القديم الثابت.

 

وأما الزوايا والمصلَّيات والمساجد المبنية في مواضع مغتصبة أو في مواضع لم تثبت صحة وقفها للمسجدية فلا يشترط استبدال غيرها بها؛ لعدم تحقق صحة وقفها، بل يجوز هدمها والانتفاع بها كما سبق.

 

 

وفى فتوى أخرى لها، قالت دار الإفتاء المصرية: "إن بِناءَ مسجدٍ على أرضٍ زراعيةٍ بالتحايل على القانون أو بمخالفته أمرٌ غيرُ جائزٍ شرعًا"، مؤكدة أن الحرمة أشد لو كان ذلك ذريعةً لاستِباحة ما حوله من الأراضى الزراعية المحظور البناء عليها ببنائها، وليس لله تعالى حاجة في بناء بيتٍ يضر مصالح عباده واقتصادهم ولا يقصد به وجهه.

 

وأوضحت الدار -في فتوى لها- أنه من القواعد التي قررتها الشريعة أن درء المفسدة مُقدَّمٌ على جلب المصلحة، كما أن الشريعة قد راعت ترتيب المصالح وترتيب المفاسد عند التعارض، وترتيب المصالح يكون بتقديم أكثرها نفعًا، كما أن ترتيب المفاسد يكون بتقديم أقلها ضررًا، ومِن ثَمَّ قَدَّم الشرع تحصيل مصلحة الجماعة على مصلحة الفرد عند التعارض، كما قَدَّم دفع المفسدة التي تلحق بالمجموع على دفع المفسدة التي تلحق بالفرد عند التعارض.

 

وأضافت دار الإفتاء أن الأراضي الزراعية عماد الاقتصاد المصري، والبناء عليها يُعَدُّ إهدارًا واضحًا للثروة الزراعية في مصر، ومساحة الأراضي الزراعية في مصر لا تتجاوز 4% من إجمالي أرضها، وهذه المساحة ضئيلة لا تفي بحاجة أهل مصر، ولا تحتمل النقصان بحال، ونقصانها يترتب عليه ضررٌ على المجتمع كلِّه، ويزيد من مصاعب الوصول للاكتفاء الذاتي؛ حيث يؤكد الخبراء أن مصر بحاجة إلى زيادة مساحة الأراضي الزراعية إلى الضِّعف حتى تصل إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي.

 

وأشارت إلى أن تقديم مصلحة الجماعة واعتبار المآلات يقتضي وجوب التنبه إلى الفساد الذي يمكن أن يسببه التساهل في البناء على الأرض الزراعية، وما يستتبع ذلك من إضعافٍ للاقتصاد القومي.

 

وأكدت الدار على أن الحفاظ على الرقعة الزراعية له بُعد استراتيجي؛ حيث إن الوصول إلى الاكتفاء الذاتي في المحاصيل الأساسية هو سبيل التخلص من التَّبَعِيَّة السياسية، وما حرص المستعمر عبر التاريخ على شيءٍ حرصَه على أن يتحكم في المحاصيل الأساسية القُوتِيَّة للدول التي يرغب في وقوعها تحت تَبَعِيَّتِه.

 

وأوضحت الفتوى أنه من المقرر شرعًا أن للحاكم تقييد المباح؛ وذلك لأنه هو المنوط بتقدير المصالح وتحقيقها، ولَمَّا كان للثروة الزراعية أهميتها -كما سبق بيانه- للنهوض بالوطن ومصلحة أفراده وتحقيق الاكتفاء الذاتي لهم مَنَع وَلِيُّ الأمر البِناء على الأراضي التي يتحقق بها هذا المراد، ووجب على الأفراد الامتثال لهذا المَنْع، وكان عصيانهم حرامًا شرعًا.

 

وأشارت إلى أنه من الواضح من هذه النصوص أن المشرِّع في قانون الزراعة وفي التعديلات التي أدخلت عليه حرص على إضفاء الحماية اللازمة للرقعة الزراعية وصيانتها مِن التبوير أو مِن كل فعل أو امتناع عن فعل يؤدي إلى المساس بخصوبتها، أو يمكن أن يؤدي إلى ذلك، واعتبر أن المساس بتلك الحماية المقررة لها هو عملٌ يرقى إلى مصافِّ الجريمة الجنائية التي توجب على المحكمة المختصة توقيع الجزاء المقرر، بل قَرَّر في بعض الأحوال ضرورة التدخل العاجل من جهة الإدارة دون انتظارٍ لحكم القضاء؛ إمَّا بوقف أسباب المخالفة؛ للحيلولة دون استِفْحالِها، وإمَّا بإزالة أسباب المخالفة وإعادة الأرض الزراعية إلى ما كانت عليه.

 

وأكدت دار الإفتاء في ختام فتواها أن القانون في ذلك لم يكن متعسفًا، بل أوجد البديل؛ حيث جعل في زمام كل جهة كردونًا للمباني يستطيع أهل القرية البناء فيه، كما أعطى الحقَّ لملَّاك الأراضي الواقعة بزمام القرى في إقامة مسكنٍ خاصٍّ أو مبنى يخدم الأرض، وذلك في الحدود التي يصدر بها قرارٌ مِن الوزير.

 

 

مقالات متعلقة