آثار فيروس كورونا على التعليم قبل الجامعي وسيناريوهات موقف الطلاب (تحليل)

آثار فيروس كورونا على التعليم قبل الجامعي وسيناريوهات موقف الطلاب

لا شك أن جائحة فيروس كورونا، كان لها تأثيرات على قطاع التعليم قبل الجامعي في مصر، غير أن الحكومة سارعت لإيجاد بدائل في ظل أزمة الوباء المستشرى في ربوع البلاد.

 

وكان التعليم عن بُعد هو طوق النجاة للطلاب الذين فرضت عليهم أزمة كورونا المكوث بالبيوت، نتيجة تعليق الدراسة بالمدارس والجامعات للحد من تفشي الفيروس وتطبيق إجراءات التباعد الاجتماعي.

 

وفي واقع الأمر، سعى الدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم، في فترة ما قبل كورونا إلى تدريب المعلمين والطلاب على استخدام التقنيات الافتراضية في التعليم، لا سيما أجهزة التابلت، والتي دخلت منظومة الامتحانات أواخر 2019 ومطلع 2020.

 

ولاقت منظومة التعليم الجديدة استحسانا لدى عدد من الخبراء التربويين، بيد أنها ما لبثت أن واجهت انتقادات حادة من أولياء الأمور الذين وجدوا أنفسهم أمام نظام تعليمي جديد غير مفهوم بالنسبة لهم، وعدّه البعض مخاطرة بمستقبل أبنائهم الطلاب.

 

ثمة عراقيل تواجه المنظومة التعليمية الجديدة، لا سيما تطبيق تقنيات التعليم عن بعد في زمن كورونا، ترتبط بالأوضاع المعيشية لعدد كبير من الطلاب، إذ لا يتوفر أجهزة حاسوب في بيوتهم أو خدمات الانترنت أو ربما لا يقوى عليها رب الأسرة الفقيرة بسبب التكاليف.

 

جائحة كورونا أجبرت مصر على الانتقال المفاجئ للتعليم عن بُعد، وحاولت وزارة التعليم تذليل العقبات عن طريق استحداث طرق جديدة للتواصل بين المعلمين والطلاب وأولياء الأمور، من خلال منصة ادمودو.

 

وقرر الدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم، إلغاء امتحانات آخر العام من الصف الثالث بالمرحلة الابتدائية وحتى الصف الثاني الثانوي بالمرحلة الثانوية، والاكتفاء بتسليم الطلاب مشاريع أبحاث إلكترونيًا عن موضوعات حددتها الوزارة.

 

وعالجت الوزارة قصور أو ضعف خدمات الانترنت لدى الطلاب أو عدم تمكنهم من تسليم الأبحاث إلكترونيا، بإمكانية إعداد البحث ورقيا وتسليمه لإدارة المدرسة التابع لها الطالب.

 

ويبلغ الإنفاق العام على التعليم بمصر نحو 132 مليار جنيه في مشروع موازنة 2020/2019 ، أي ما يمثل 10.6 % من جملة الإنفاق العام. ويبلغ نصيب أجور وتعويضات العاملين بالتعليم من إجمالي الإنفاق على التعليم نحو 74 %، وفقا لبيانات وزارة المالية.

 

 

ما هي السيناريوهات المحتملة لموقف الطلاب في ظل كورونا؟  

نتيجة تعطل الدراسة بالمدارس.. ارتفعت نسبة الطلاب المتوقفين عن التعليم، بسبب إجراءات العزل والحظر لمواجهة فيروس كورونا (كوفيد-19).

 

كان هذا التوقف مدفوعًا بعد أسباب بحسب المركز المصري للدراسات الاقتصادية، وهي:

تغييب أولياء الأمور للطلاب بسبب تعليق الدراسة بقرار حكومي

 

توقف الطلاب عن تلقي التعليم نتيجة تعليق الدراسة وصعوبة التكيف مع الوضع الجديد (التعليم عن بُعد)

أولياء الأمور ليس لديهم القدرة على متابعة الطلاب.

 

يقول محيي إمام، مدرس لغة فرنسية، إن مدى قبول النظام الجديد (التعليم عن بُعد) يرتبط إلى حد كبير بمستوى الأسرة الاجتماعي والاقتصادي، ومدى توفير الإمكانيات من حاسوب وإنترنت في المنزل، فضلا عن مستوى تعليم الأب والأم ومستواهم الثقافي والمعرفي أيضًا، بغية مساعدة ابنهم.

 

وأضاف "إمام" لـ «مصر العربية» إن التعليم عن بُعد خطوة تأخرت كثيرا في مصر، إلا أنها لاقت دعما كبيرا من الخبراء والدولة والبرلمان، وسخرت الحكومة كافة الإجراءات لإنجاح المنظومة لكن إمكانيات البلد ككل لا تزال متواضعة.

 

 

يقضي حسين عارف، 36 عاما، ولي أمر (حاصل على مؤهل جامعي ويعمل بالقطاع الخاص) وقتا طويلا في العمل يصل إلى 14 ساعة فهو يعمل في دوامين خلال الصباح والمساء لتوفير نفقات أسرته وتلبيه احتياجاتها، ويقول إنه لا يجد وقتا طويلا للجلوس مع أبنائه لمتابعة تحصيلهم الدراسي، وكان يعتمد اعتمدًا كليا على المدرس والمدرسة.

 

ويتابع ولي الأمر لـ «مصر العربية» أن مع تطبيق التعليم عن بعد، واجه صعوبة في متابعة أبنائه، من جهة ولعدم عدم درايته بنظم التطبيقات الحديثة واستخدام الانترنت من جهة أخرى.

 

وأوضح أن الفترة المقبلة ستحتاج إلمام ولي الأمر بخدمات الانترنت ووسائل التكولوجيا، لمتابعة أبنائه.

سعيد عبد القادر، 56 عاما (حاصل على اعدادية ويعمل فلاحا)، يقول: إنه لا يعرف شيئا عن نظام التعليم عن بُعد، مشيرا إلى أن معرفته فقيرة بوسائل التعليم الحديثة.

 

وبيّن في حديثه لـ «مصر العربية»، أنه أوكل أمر أبنائه الصغار ومساعدتهم في الحصول على التعليم بالنظام الجديد لزوج ابنته الكبرى فهو (جامعي) على حد قوله.

 

جدوى التعليم عن بعد  

اتفق خبراء التعليم في مصر على أهمية وجدوى التعليم عن بعد، ولاقت تجربة منصة ادمودو استحسانا من الجميع خلال أزمة كورونا، غير أن البعض أشار إلى ضعف البنية التحتية المعلوماتية لدى المدرسين والطلاب، من حيث الإمكانيات.

 

الدكتور محمد عبد العزيز، أستاذ العلوم والتربية بجامعة عين شمس، يرى أن التعليم الإلكتروني يطلق عليه التعلم من بعد وليس عن بعد، وهو نظام معمول به في أوروبا وأمريكا وغيرها.

 

وأكد "عبدالعزيز" في تصريحات صحفية إن الهدف من تطبيق هذا النظام حل عدد من المشكلات، مثل عدم القدرة على السفر من بلد إلى أخرى أو عدم امتلاك الطالب تكلفة الذهاب إلى المدارس ومستلزمات الدراسة، لافتا في الوقت نفسه إلى أن هذا لا يغنى عن أسلوب التعليم النظامي.

 

وأوضح  أستاذ العلوم والتربية أن الوضع الحالي في زمن كورونا يثبت أن مصر لم تكن أمام منظومة تعليمية جديدة ومتطورة، لكن الواقع أثبت غير ذلك ولعل أبرز الأدلة عليه هي مشاكل الامتحانات التي تجري على «التابلت»، وشكاوى الطلاب من الأكواد وبطء الإنترنت وغيرها.

 

ومن جهته قال الدكتور سامي نصار، خبير التربوي، إن هناك جانبين أساسيين لا بد من توافرهما، أولهما أن يكون القائمون على هذه النوعية من الاختبارات مدربين، والثاني المنهج يكون معدًا حتى يمكن استخدامه "أونلاين"، وهي ما تُعرف بالمناهج الإليكترونية و لها مواصفات خاصة في دراستها.

 

وعلق نصار قائلا: إن التعليم عن بعد لا يقتضي قدرة وفهم المدرس والطالب فقط، وإنما ينبغي توفر بنية معلوماتية، وهل المدارس في مصر بها سيرفرات إنترنت قوية يمكن لعدد كبير من الطلبة الدخول إليها في وقتٍ واحد؟ كذلك قوة الإنترنت في البيوت، فإن لم تكن هذه العوامل موجودة، فلن تتم عملية التعليم عن بعد أو ستتم بصعوبة".

 

 تأثيرات كورونا على التعليم منذ بداية الوباء في مصر  

في مطلع فبراير 2020، وإثر ظهور حالات مصابة في مصر مع بدء انتشار الفيروس، اتجه بعض أولياء الأمور إلى تغييب أبنائهم عن المدارس.

 

واستمرت الدراسة بشكل طبيعى في مصر، ولكن مع انخفاض أعداد  الطلاب المنتظمين في الدراسة.

وفي مارس 2020، بدأت الأزمة في التفاقم، وصدر قرار حكومي بتعليق الدراسة في المدارس، وبدا الأمر متخبطا حول مستقبل الطلاب، إلا أن وزارة التربية والتعليم كانت حريصة على طمأنة الطلب وأولياء الأمور.

 

ووفقا لدراسة المركز المصري للدراسات الاقتصادية، اتسعت الفجوة بين المؤسسات الحكومية والخاصة والدولية فيما

 

يتعلق بجودة التعليم نظرا لاختلاف جاهزية الأولى للتعلم عن بعد، خاصة فيما يتعلق بالمدن والقرى والنجوع بالمناطق الريفية، وخارج المحافظات الكبرى.

 

وكانت المدارس والجامعات الدولية الأكثر جاهزية للتعلم عن بعد، تليها المدارس والجامعات الخاصة ثم الحكومية.

 

ومع استمرار الأزمة، قررت وزارة التعليم، إلغاء شبه كامل للاختبارات آخر العام، وتعويضها بمشاريع أبحاث للطلاب.

 

وتأثرت دخول الفئات التي تعتمد على التعليم غير الرسمي والمتضررة من فيروس كورونا، كمراكز الدروس الخصوصية، والمتاجر أمام المدارس وخدمات النقل والتوصل للطلاب والمدرسين.

 

وفي هذا الصدد، يسود تخوفات وقلق لدى تجار وعمال الأدوات المكتبية ومستلزمات الدراسة، في منطقة الفجالة (أكبر سوق لمستلزمات الدراسة من الكتب والأقلام والكراريس وغيرها بالقاهرة).

 

يقول محمد أبو عجم، (اسم مستعار) صاحب مكتبة بحي الفجالة بالقاهرة، إن هناك تخوفات وقلق لدى التجار من وقف الاستيراد بسبب جائحة كورونا، وتحويل التعليم من نظامي إلى التعليم عن بُعد.

 

وأضاف أبو "عجم" لـ «مصر العربية» أن مع تطبيق التعليم عبر منصات الكترونية لن يكون الطالب بحاجة إلى مستلزمات الدراسة (الأقلام والكتب والكراريس) وهذا يعني ضعف الشراء وركود البيع وتهديد دخول اصحاب المكتبات والعاملين فيها.

 

وبسبب الجائحة وقرارات تعليق الدراسة تتوقف أيضًا إيرادات أصحاب دور رياض الأطفال. وبدورها تؤدي هذه الانخفاضات والاستقطاعات في الرواتب إلى انخفاض المعدل الاستهلاك لمعظم الأسر وبالأخص الفقيرة منها.

 

 

وتوقع المركز المصري للدراسات الاقتصادية، ظهور مشكلة انتقال الطلاب إلى السنوات الدراسية التالية نتيجة لـ:

 

- اختلاف مستويات التحصيل التعليمي للسنوات السابقة  وخاصة في الريف والمدارس الحكومية، نتيجة لصعوبة التعلم عن بعد.

 

- صعوبة تحديد آلية التقييم نظرا لإلغاء الاختبارات النهائية لطلاب المدارس، بكافة المراحل وأهمها الشهادة الإعدادية والثانوي العام.

وبحسب تقرير المركز، ويمكن بناء سيناريوهين فيما يتعلق بمعدلات

التسرب  من التعليم على النحو التالى:

 

السيناريو المتفائل:

 

ارتفاع معدلات الزيادة في التسرب بمقدار مرة ونصف بجميع المحافظات

 

وبافتراض معدل الزيادة في نسبة التسرب بالمرحلة الإعدادية أثناء ثورة 25 يناير، نتيجة لتوقف الدراسة، والتي بلغت 6%، في2012/2011، مقارنة بنحو 5.11 % عام الثورة في 2011/2010 ، ويتوقع هذا السيناريو ارتفاع معدل الزيادة بمقدار مرة ونصف ليقدر معدل التسرب بنحو 3.35 %.

 

السيناريو المتشائم:

 

 تضاعف معدلات الزيادة في التسريب على مستوى محافظات الجمهورية

 

وبافتراض معدل الزيادة السابق في نسب التسرب من المرحلة الإعدادية أثناء ثورة 25 يناير، يمكن توقع ضعف هذه الزيادة في أعقاب الأزمة الحالية، لتصل معدلات التسرب إلى 3.8 % أي ما يقرب من ضعف المعدل الحالى(2%).

 

مقالات متعلقة