عودة للمربع صفر.. تأجيل مشاورات اختيار رئيس حكومة لبنان والحريري يبرز مجدّداً

ميشيل عون وسعد الحريري

فجأة تراجع سمير الخطيب عن الترشح لرئاسة الحكومة اللبنانية بعد أن بدا أن هناك فرصاً كبيرة لتوليه المنصب، وأعلنت الرئاسة اللبنانية إرجاء موعد الاستشارات النيابية لتكليف رئيس حكومة جديد حتى 16 ديسمبر، وعاد اسم سعد الحريري رئيس الحكومة المستقيلة ليطرح بقوة مجدداً في إطار حملة يقودها هذه المرة مفتي البلاد عبداللطيف دريان.

 

وجاء تراجع الخطيب الذي قيل أنه يحظى بدعم الحريري بعد لقائه المفتي دريان مفتي الطائف السنية، وقال الخطيب إن دريان أبلغه بأن الطائفة السنية تسمّي الحريري لرئاسة الحكومة.

 

وفي حين  كان الخطيب المرشح الأبرز للمنصب، قال يوم الأحد، بعد لقائه مع مفتي لبنان عبد اللطيف دريان "إن السنة يريدون الحريري رئيساً للوزراء".

وتوجه الخطيب لاحقاً إلى منزل الحريري في بيروت حيث أعلن سحب ترشحه.

وعقب التطورات الأخيرة، أجرى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، اتصالات شملت رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري.

 

وكان من المقرر إجراء المشاورات الرسمية لتسمية رئيس الوزراء الجديد، الإثنين في القصر الرئاسي، قبل أن يتم إرجاءها حتى 16 ديسمبر.

ويعد الخطيب آخر مرشح ينسحب من معركة رئاسة الحكومة بعد عزوف الحريري ومحمد الصفدي وبشارة مرهج.

 

مناورات سياسية

الحريري استقال من رئاسة الحكومة في 29 أكتوبر إثر احتجاجات  على النخبة الحاكمة. وحمل المحتجون الطبقة السياسية برمتها مسئولية الفساد ودفع لبنان إلى أسوأ أزمة اقتصادية منذ الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990.

 

ومنصب رئيس الحكومة مخصص للسنة في لبنان طبقاً لنظام المحاصصة الطائفي. ولا يزال الحريري مكلفاً بتصريف أعمال الحكومة لحين اختيار رئيس وزراء جديد.

 

وبعد استقالة الحريري ساد خلاف حول تشكيل حكومة جديدة بين الحريري وخصومه ومنهم "حزب الله" و"التيار الوطني الحر". وسحب الحريري الشهر الماضي ترشحه لمنصب رئيس الوزراء.

 

وكان النائب محمد الصفدي الذي ترشح المنصب منتصف الشهر الماضي (قيل إن الحريري رشحه)، قد تراجع أيضاً عن التقدم لرئاسة الحكومة بعد أن اجتمع رؤساء الحكومات السابقون ليعلنوا رفضهم لترشيحه وتقاطر المتظاهرون أمام منزله بطرابلس.

 

 

وقيل إن الحريري رشح الصفدي بشكل غامض ليحرق الرجل وليؤكد لحزب الله وحلفاءه أنه لا بديل عنه (الحريري لرئاسة الحكومة وبشروطه)، وقيل إن القيادي بتيار المستقبل ورئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة كان وراء خطة حرق الصفدي.

 

وتراجع سمير الخطيب هذه المرة لم يكن عن طريق اجتماع رؤساء الحكومات السابقين بل عن طريق مفتي السنة عبداللطيف دريان الذي اعتبر أن الحريري هو مرشح السنة الوحيد، الأمر الذي أثار انتقادات لوصول تدخل الدين في السياسة لهذا الحد في الوقت الذي يطالب فيه المتظاهرون بإنهاء الطائفية في البلاد.

 

من يتظاهر أمام بيت الوسط ؟

ومع تداول اسم الحريري من جديد لتشكيل الحكومة، ذكرت "الوكالة الوطنية للإعلام" أن متظاهرين تجمعوا أمام أحد مداخل "بيت الوسط"مقر الحريري هاتفين: "ما رح ترجع حريري".

 

وقالت الوكالة "فور الإعلان عن تراجع الخطيب عن الترشح، توجه المتظاهرون إلى بيت الوسط مقر تيار المستقبل في وسط بيروت القريب من ساحة الشهداء معقل التظاهرات".

 

ويطالب المحتجون بتشكيل حكومة اختصاصيين مستقلة عن المنظومة السياسية والاقتصادية التي أوصلت البلاد إلى الانهيار. ويرفع المتظاهرون شعارات منددة بالبرلمان وتعاطيه مع التطورات السياسية ومطالب الشارع.

 

وينظم التجمع وسط إجراءات أمنية استثنائية حيت تتواصل الاحتجاجات في طرابلس وحلبا شمالا والنبطية وصور وصيدا جنوبا، وفي البقاع شرقا وجبل لبنان.

 

وقد يكون هؤلاء المتظاهرون ينتمون للحراك ويرفضون ما يعتبرونه تلاعباً من الحريري بمطالبهم بالتخلص من النخبة السياسية القائمة.

 

ولكن لا يمكن استبعاد أن يكون المتظاهرون مدفوعين من حزب الله أو قوى من الحراك ليست بعيدة عن حزب الله في إطار مناوأة الحريري في ظل إصراره على مطلبه بتشكيل حكومة تكنوقراط بينما يطالب حزب الله وحلفاءه بتشكيل حكومة تكنوسياسية.

 

إلى ذلك، وفي إطار الغضب الشعبي من تأخير المشاورات النيابية، شهد مدخل مجلس النواب وسط العاصمة بيروت حالة تدافع بين محتجين وعناصر من القوى الأمنية، وسط مطالبات من المحتجين بدخول مبنى المجلس.

 

الحريري بأي شروط

وكان الحريري قد اشترط تشكيل حكومة من وزراء متخصصين لقبول تشكيل الحكومة، إذ رأى أن ذلك سيرضي المحتجين كما أن هذا النوع من الوزراء سيكون قادراً على مواجهة الأزمة الاقتصادية وجذب مساعدات أجنبية.

 

لكن جاء الرد على طلبه بالرفض من جانب "حزب الله" وعون اللذين قالا إن الحكومة يجب أن تضم سياسيين.

 

في المقابل ووسط ترجيح اسم الحريري مرة أخرى لرئاسة الحكومة، قال النائب، محمد نصر الله، عضو كتلة "التنمية والتحرير" النيابية (تابعة لرئيس مجلس النواب نبيه بري)، مساء الأحد، إنه لا يوجد قرار نهائي حتى الساعة بشأن احتمال تكليف سعد الحريري بتشكيل الحكومة المقبلة.

وأضاف نصر الله، لوكالة "الأناضول"، "الرئيس بري كان منذ البداية يؤيّد الحريري لتولي رئاسة الحكومة المقبلة، لكن حتى الساعة لا قرار نهائي بهذا الخصوص".

 

وتابع: "لم يتم حتى الساعة تأكيد اللقاء بين وزير المال، علي حسن خليل (تابع للرئيس بري) والرئيس الحريري، بحضور حسين الخليل، المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله".

 

وعن التظاهرات الشعبية، قال نصر الله: "نؤيد كل مطالب الحراك الشعبي، لكنّ المشكلة الأساسية أنه لا يملك قيادة ولا برنامج عمل، وبالتالي هذا يأخذنا إلى الفوضى".

 

والظاهر ان المساومات لا تتوقف في لبنان بين كل الأطراف، حزب الله يريد أن يشكل الحريري الحكومة ليس حباً فيه بل لأنه الوحيد القادر على جلب المساعدات الدولية لإنقاذ البلاد.

 

الحريري بدوره يريد تشكيل الحكومة ولكنه يريدها حكومة تكنوقراط بالكامل وذلك لأسباب عدة.

 

فحكومة تكنوقراط ستكون بمثابة فوز له على حزب الله وفي الوقت ذاته إرضاء للحراك الشعبي الرافض بالأخص لحليف الحزب جبران باسيل رئيس التيار الوطني.

 

والأهم بالنسبة للحريري هو أن استبعاد حزب الله سيكون إرضاء للسعودية التي نأت بنفسها عن لبنان وحليفها الحريري بعدما شعرت بضعفه في مواجهة حزب الله المدجج بالسلاح.

 

كما أن مثل هذه الحكومة سترضي الغرب ولاسيما الولايات المتحدة باستبعاد حزب الله من الحكومة، الأمر الذي من شأنه تسهيل المساعدات الخارجية.

 

الغرب من ناحيته يشترط لتنفيذ الإصلاحات وقف الفساد الهائل من قبل السياسيين اللبنانيين.

 

كما لا يخفي أن الولايات المتحدة والسعودية تريدان أقل دور ممكن لحزب الله وصولاً لمحاصرته.

 

والحزب يعلم أنه غير قادر على إنقاذ البلاد اقتصادياً ولكنه لا يريد التضحية بالانتصار الانتخابي الذي حققه هو وحلفاؤه في الانتخابات التشريعية الأخيرة، وغير مستعد لمنح الحكومة على طبق من فضة لخصمه التاريخي تيار المستقبل.

 

أما الحراك الشعبي فمصر على مطالبه غير الواقعية بالتخلص من النخبة السياسية لصالح حراك لايعرف من أسماء قيادته أحد.

 

كل ذلك يجري على وقع تدهور اقتصادي للاقتصاد اللبناني، فقد واصل سعر الليرة اللبنانية في السوق السوداء وعند الصرافين الارتفاع حيث بلغ مقابل الدولار 2000 – 2050 ليرة لبنانية نهاية الأسبوع الماضي في زيادة تقدر بالثلث عن ثمنه الرسمي.

 

مقالات متعلقة