بعد شائعات تصفيتها.. 3 تحديات تواجه شركة «الحديد والصلب» 

بعد حديث متواتر على منصات التواصل الاجتماعي والأوساط الاقتصادية حول اعتزام الحكومة تصفية شركة الحديد والصلب التابعة للشركة القابضة للصناعات المعدنية، جراء تفاقم خسائرها نفت الحكومة الأمر.

 

نفي الحكومة تصفية الشركة لم يلغ فكرة الخسائر والتحديات التي تواجهها الشرطة والصناعة بصفة عامة.

 

وتعاني شركة الحديد والصلب من تقادم التكنولوجيا المستخدمة في الإنتاج، والتي يعمل أغلبها منذ خمسينيات وستينيات القرن الماضي.

 

وارتفعت خسائر شركة الحديد والصلب المصرية، خلال أول 9 أشهر من العام المالي الماضي، بنحو 16.3%، إلى 531.2 مليون جنيه، مقابل 456.6 مليون جنيه في الفترة المقارنة من العام المالي الماضي.

 

وقالت وزارة قطاع الأعمال العام إن اللجنة التي شكلها رئيس مجلس الوزراء بشأن بحث سبل تطوير الشركة انتهت من عملها، ورفعت تقريرها للوزارة، التي تنتظر بدورها قرار الحكومة.

 

وتسعى الحكومة لإنقاذ شركة الحديد والصلب المصرية، التابعة لقطاع الأعمال العام، من مصير شركة القومية للأسمنت التي صدر قرار بتصفيتها في أكتوبر الماضي.

 

وتواجه الوزارة تحديات كبيرة في تطوير شركة الحديد والصلب خاصة بعد أن رفضت عرض التطوير والتأهيل الوحيد الذي تلقته من شركة ميت بروم الروسية.

 

وكانت الشركة دعت الشركات العالمية لتقديم عروض لتأهيل وتطوير وإدارة خطوط إنتاجها، مع ضخ استثمارات مناسبة، من خلال اتفاقية مشاركة إيراد تمتد لمدة عشرين عامًا، لكنها لم تتلق سوى العرض الروسي الوحيد، الذي رفضته لأنه "غير مناسب وغير مطابق مع دعوة الشراكة" بحسب بيان من الحديد والصلب للبورصة.

 

وكان هشام توفيق، وزير قطاع الأعمال العام، أشار في تصريحات سابقة، إلى أن هناك اتجاها لتطوير مناجم الشركة كل على حدة لتمد السوق المحلي بالخامات وهو أحد البدائل التي يتم دراستها.

 

وتحاول الوزارة تعويم شركة الحديد والصلب وتحويلها إلى الربحية، في وقت تتزايد فيه خسائر الشركة، وذلك من أجل مواجهة سيناريو "تصفية" الشركة والذي آلت إليه شركة القومية للأسمنت نتيجة تراكم ديونها وخسائرها.

 

مدحت نافع، خبير الاقتصاد وأستاذ التمويل، قال إنه لو هناك صناعة يجب أن تتدخل الدول لحمايتها وتوفير جميع أسباب نموها واستقرار إنتاجيتها فهى صناعة الصلب. 

 

وأضاف نافع وهو رئيس مجلس إدارة القابضة للصناعات المعدنية، في أحد مقالاته السابقة، أن اقتصاديات صناعة الصلب تتراجع حول العالم، العائد على الاستثمار منخفض نسبيا مقارنة بصناعات أخرى لا تتطلب ضخ رءوس أموال كبيرة مثل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. كما أن تكلفة الإنتاج المرتفعة لا تنعكس على الأسعار النهائية بشكل كاف كما هى الحال مع صناعة السيارات والصناعات الدوائية التى ترتفع فيها التكلفة بفعل ميزانيات البحوث والتطوير فى الأساس.

وأوضح أنه فى الولايات المتحدة الأمريكية التى قادت الثورتين الصناعيتين الثالثة والرابعة، مازالت الصناعات الثقيلة تحظى باهتمام ورعاية الدولة.

 

وأشار إلى أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب أعلنها صريحة: «الصلب هو الصلب، إن لم تملك صلبا لا تملك أمة»! برر بتلك العبارة رسوم الإغراق التى فرضها على واردات الصلب والألومنيوم، والتى كانت وما زالت مقدمة منطقية لإرهاصات الحرب التجارية العالمية التى تتشكل معالمها اليوم.

ونوه إلى أن الحديد والصلب المصرية شركة كبيرة ذات تاريخ عريق، يضرب بجذوره فى أرض راسخة مهدها عمال الشركة الأبطال فى صناعة الدشم العسكرية وتوفير مستلزمات الدفاع فى فترات الحروب. 

 

وتابع: "هى الوحيدة من نوعها فى مصر التى أنشئت على نموذج متكامل، حيث يتم إنتاج مختلف أنواع منتجات الصلب من الخام الذى تمتلك الشركة مناجمه فى أسوان أولا ثم فى الواحات البحرية مرورا بمراحل التلبيد والصب المستمر الذى ينتج عنه المربعات والمسطحات، ثم مراحل التشكيل المختلفة والدرفلة على الساخن والبارد وتنتج الشركة الكمر والقضبان.. وسائر المنتجات التى تدخل فى صناعات أقرب إلى المستهلك مثل المواسير الصلب والأعمدة والصاج المرقق.. وهى صناعات تعمل بها شركات شقيقة لشركة الحديد والصلب مثل النصر للمواسير وميتالكو والنصر للسيارات.

 

ومضى قائلا: "هى إذن منظومة متكاملة من سلسلة العرض supply chain التى بصر بها صانع القرار مبكرا، لكن أسباب استمرارها كانت تتطلب تشغيلا اقتصاديا بعيدا عن دعم الدولة الذى ربما كان عدم ترشيده سببا فى تواكل الكثير من الشركات، وضياع فرص تطويرها وزيادة وتنويع منتجاتها خلال فترات تاريخية ممتدة، لأنه فى النهاية لابد من المنافسة كوقود للاستمرار والتحديث".

 

وأكد على أن الحديد والصلب المصرية هى أيضا الوحيدة فى مصر التى تستخدم تكنولوجيا الأفران العالية blast furnace والتى تعتمد على خام الحديد كمدخل للإنتاج وليس على الحديد الإسفنجى والخردة كما هى الحال فى المصانع المنافسة التى تعمل بتكنولوجيا أفران القوس الكهربائى Arc furnace. 

ونوه إلى أن تقنية الأفران العالية كثيفة استخدام الغاز الطبيعى وفحم الكوك، علما بأن شركة النصر للكوك هى أيضا شركة شقيقة تكتمل بها سلسلة الإنتاج.

الشركة كثيرا ما حظيت بدعم الدولة متمثلا أساسا فى تسوية المديونيات التاريخية.

 

** تحديات مزمنة

قبل أن يستدرك :لكن التحديات المزمنة التى تواجهها هى تراجع الإنتاجية مع تراجع تركيز معدن الحديد فى الخام والذى لا يزيد تركيزه عن ٥٢٪‏ فى منجم الجديدة بالواحات وهو الأحدث الذى يتوافر به مخزون يكفى عشرات السنين. أيضا تواجه الشركة أزمات تقادم المعدات والماكينات والأفران، وزيادة تكلفة الطاقة وعدم مناسبة حجم العمالة مع حجم الإنتاج، حيث إن الحجم المثالى اليوم لإنتاج مليون طن سنويا هو ألف عامل، لكن الطاقة التصميمية للمصنع بالتكنولوجيا الروسية كانت ١،٢ مليون طن سنويا بعمالة تبلغ ١٦ ألف عامل (يعمل بها الآن ٦٠٪‏ فقط من هذا العدد)! ومن الطبيعى أن تكنولوجيا الستينيات تكون كثيفة العمالة بشكل أكبر من مثيلاتها اليوم.

 

وأوضح أن البورصة مرآة الاقتصاد المبصرة بمستقبله فقد كان تداول سهم شركة الحديد والصلب المصرية أخيرا ضمن أكثر خمس شركات نشاطا من حيث حجم التداول، مؤشرا على خروج الشركة من دائرة التعثر. فالمستثمر يمكن أن يرى احتمالات التطوير على الرغم من تزايد مجمع الخسائر. 

 

وتابع: يستطيع أن يدرك أن الشركة التى قامت مصانعها على مساحة ٣ آلاف فدان يمكن أن تستثمر طاقاتها المعطلة بشكل أكفأ. يمكنه أن يقيم جهود القائمين على مشروعات التطوير (وفى مقدمتهم وزير قطاع الأعمال العام) والذين يشتبكون اليوم لأول مرة مع الأسباب الحقيقية للأزمات، ويستخدمون مختلف الطاقات والاحتمالات لتنمية الشركة ومنها رصيد كبير من الخردة التى يصل سعر الطن فيها إلى نحو ٦٠٠٠ جنيه وذلك لخردة الصهر، ناهيك عن آلاف الأطنان من الزهر والدرافيل التى يبلغ سعر الطن فيها ما يزيد على ٢٢ ألف جنيه.

 

** 3 مسارات

وقد حددت الشركة القابضة بالتعاون مع مختلف الأطراف المعنية مسارات ثلاثة لتطوى الحديد والصلب المصرية أولها تحسين جودة الخامة وزيادة تركيز المعدن بها، وجارٍ عمل الاختبارات اللازمة لذلك على وجه السرعة.

 

والمسار الآخر، وفق نافع، هو تطوير ورفع كفاءة المصنع من أفران وماكينات ومعدات.. مع العمل على تحديث دراسة التأهيل التى قامت بها شركة تاتا عام ٢٠١٤ والمقرر الانتهاء منها قريبا.. والمسار الثالث تعظيم الاستفادة من أصول وموجودات الشركة بغرض تحسين وضعها المالى وسداد التزاماتها تجاه الجهات الحكومية وتأهيل العمالة بها مع الحرص على عدم وقف إمدادات الغاز والكهرباء نتيجة التعثر.

 

** المستفيدون من التعثر ولفت الخبير الاقتصادي إلى أن هناك مستفيدين من بقاء الشركات فى حالة البين بين.. يريدونها قائمة بخسائرها ومديونياتها بعيدا عن شبح التصفية أو احتمالات التطوير التى تقتل فرص نهب واستغلال المال العام.

وتابع: "الذين تسببوا فى إغراق شركات وطنية كبرى فى الديون والأزمات وتعرض المال العام فى عهدتهم للإهدار والسرقة يتطاول بعضهم فى وسائل الإعلام لقتل أى محاولة للنهوض بالشركات، حتى تبقى على حالها دون حراك، يريدون الشركات جثثا هامدة يقتاتون عليها أو على ما بقى منها من خيرات. 

 

وأشار إلى أن التطوير يكشف الفشل، يعريه، يجرده من رداء الكذب والادعاء الذى يعتمد على قلة معلومات المتلقى وكثرة الصناديق السوداء فى عهدة المخفقين. أحدهم يقول خفضت التكاليف وهو لا يملك أصلا نظاما للتكاليف، يقول تم تخفيض فواتير استهلاك المدخلات، بينما العمل شبه متوقف بالكامل والإنتاج لا يزيد عن ١٠٪‏ من طاقة المصنع وكثرة الإيقافات أضرت به ضررا بالغا! الشاهد أن هؤلاء لا تحركهم إلا المطامع، ولا يعنيهم أن تتضرر قيمة الشركات السوقية بفعل الشائعات التى يروجونها حول مصائر تلك الشركات. تضرر قيمة السهم يعنى ضررا بقاعدة المساهمين والضرر الأكبر فى شركات قطاع الأعمال يقع على حصة المال العام.

 

** تحديات دولية ولفت إلى أن صناعة الحديد والصلب فى مصر وفى العالم كله تواجه تحديات كبيرة منها ما يتعلق بتكلفة القروض، وتقلبات أسعار الطاقة وتداعيات الحروب التجارية.. فضلا عن وجود عملاق يمكنه فى أى وقت أن يؤثر فى حجم المعروض، ويطرد كل المنافسين وهو المارد الصينى.

 

واعتبر أن هذا من شأنه أن يعيد تخصيص الاستثمارات الجديدة بعيدا عن صناعة الصلب، لكن وحدها الاعتبارات الاستراتيجية والقومية يمكنها تغيير هذا الواقع، كما أن مزيدا من عزوف الاستثمار عن الصناعات الثقيلة يتسبب فى شُح المعروض منها، وهو بدوره يعنى ارتفاعا كبيرا فى الأسعار يعيد للصناعة اقتصادياتها. كذلك هناك فرص كبيرة تنتظر صناعة الصلب، أهمها حركة التعمير التى دبت فى كثير من الدول ومنها مصر وسائر دول الشرق الأوسط بعد أن تجتاز أزماتها الحالية.

مقالات متعلقة