بارتياح شديد، استقبلت إسرائيل نبأ انتخاب بوريس جونسون رئيسا جديدا للوزراء في بريطانيا، وهو الرجل الذي سبق وعرف نفسه بأنه "صهيوني متحمس".
وفي وقت سابق الثلاثاء، أعلن حزب المحافظين البريطاني، فوز جونسون، بزعامة الحزب ورئاسة الوزراء، خلفًا لتيريزا ماي التي استقالت من منصبها رسمياً الشهر الماضي بعدما فشلت مراراً في أن تمرر ببرلمان بلادها الاتفاق الذي صاغته مع الاتحاد الأوروبي حول شروط خروج بريطانيا منه.
وعلقت صحيفة "يديعوت أحرونوت" على فوز جونسون بالقول :"في إسرائيل عموماً وبمكتب (رئيس الوزراء بنيامين) نتنياهو على وجه الخصوص يسود اليوم الثلاثاء شعوراً بالرضا لانتخاب بورئيس جونسون رئيساً لوزراء بريطانيا".
وتابعت "يرتبط جونسون بعلاقة دافئة ومتعاطفة سواء مع إسرائيل أو مع الجالية اليهودية في بريطانيا، وفي إسرائيل ينظر إليه باعتباره رجلاً يدرك جيدا التحديات التي تواجه إسرائيل بالمنطقة، وتحديدا التهديد الإيراني".
جونسون، الذي يشبه كثيراً الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سواء في مظهره و مواقفه، حصل على 92 ألفًا و153 من أصوات أعضاء حزب المحافظين، مقابل 46 ألفًا و656 لمنافسه وزير الخارجية الحالي، جيرمي هنت.
ويعد جونسون داعماً كبيرا لإسرائيل، بحسب "يديعوت"، وسبق أن صرح أنه "صهيوني متحمس"، وعندما شغل منصب عمدة لندن (2008-2016)، قاد خطاً حازماً ضد مقاطعة إسرائيل.
وفي فبراير 2016 عمل جونسون بسرعة لإزالة ملصقات معادية لإسرائيل جرى تعليقها بمترو أنفاق العاصمة البريطانية بعدما تلقى رسالة واتساب حول الموضوع من يائير لبيد رئيس حزب "هناك مستقبل" الإسرائيلي.
قبل ذلك زار جونسون إسرائيل عام 2015، والتقطت له الصور بصحبة رئيس بلدية تل أبيب "رون حولداي"، وهو يركب دراجة "تل أوفان" (خدمة تقدمها تل أبيب للتنقل عبر الدراجات لتقليل الزحام والتلوث)، كما أعلن خلال زيارته عن شراء تكنولوجيا إسرائيلية للحد من حوادث الطرق في لندن.
خلال الزيارة ذاتها تورط جونسون مع الفلسطينيين، عندما قال إن قادة حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) هم شرذمة من الأكاديميين اليساريين يرتدون سترة الكوردروي، وليس لهم تأثير وهم ليسوا سوى أقلية غبية.
وكان جونسون يشير لدى حديثه عن سترة الكوردروي إلى جيمي كوربين رئيس حزب العمال البريطاني المعارض، والمعروف بمواقفه المناهضة للاحتلال الإسرائيلي على طول الخط.
وأضاف جونسون حينذاك :"لا يمكنني التفكير في أي شيء أكثر حماقة من القول بأنه يجب مقاطعة إسرائيل، أو سحب الاستثمارات منها أو فرض عقوبات عليها، خاصة إذا اخذنا في الاعتبار أنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط التي لديها مجتمع تعددي ومفتوح، لماذا إذن نقاطع إسرائيل".
ورداً على تلك التصريحات قاطعت منظمات فلسطينية في رام الله وسط الضفة الغربية المحتلة لقاء كان مقرراً حينها مع جونسون.
وبعد ذلك بعام واحد، وعندما أصبح وزيراً للخارجية عاد جونسون لزيارة إسرائيل مجددا، هذه المرة لحضور جنازة رئيسها السابق شيمون بيريز، الذي وافته المنية في 28 سبتمبر 2016.
عطلة في الكيبوتس
وتقول "يديعوت أحرونوت" إن أحد أسباب "حب" جونسون لإسرائيل ربما يكمن في زيارته وشقيقته لها في يوليو 1984 خلال عطلتهما الصيفية الدراسية، وقتها تطوع جونسون في كيبوتس (مزرعة تعاونية) كفار هناسي في الجليل الأعلى (شمال).
بعد ذلك بسنوات تحدث رئيس الوزراء البريطاني الجديد عن "ذكرياته الجيدة" خلال التطوع في الكيبوتس وقال مازحاً :"قدمت وقتها مساهمة مهمة للغاية للاقتصاد الإسرائيلي".
وفي مقال له بـ "يديعوت أحرونوت" قبل عامين كتب جونسون إنه خلال فترة تطوعه بالكيبوتس الإسرائيلي كان يغسل الأطباق في أغلب الأحيان، مضيفاً :"لقد رأيت ما يكفي لفهم معجزة إسرائيل: العلاقة بين العمل الجاد والطاقة الجريئة والحازمة، والتي تخلق كلها معاً دولة ليس لها مثيل. وفوق كل هذا، الهدف الأخلاقي الذي لا جدال فيه: منح الأشخاص المضطهدين وطناً آمناً".
وفي تقريرها اليوم الثلاثاء، تنقل "يديعوت" عن "إليك كولينس" الذي كان يكفل ويستضيف جونسون وشقيقته في الكيبوتس قوله إن الاثنين جاءا من خلال صديق للعائلة، وكان من المقرر أن يبقيا في الكيبوتس ثلاثة أسابيع، لكن بعد عشرة أيام فقط قرر بوريس المغادرة.
ويضيف كولينس :"عمل (جونسون) في غسل الأواني ومغسلة الملابس، مكانان غير عاطفيين بشكل كبير. لم يهرب، بل أخبرني أنه يريد أن يرى إسرائيل كلها وليس مكاناً واحداً فقط. ظلت أخته راحيل هنا ثلاثة شهور وبقيت بعد ذلك مرتبطة بنا جداً. أما هو فقط تلقيت منه بعدها رسالة واحدة، بعدها انقطع اتصالي معه".
ويقول إنه منذ ذلك الوقت تلمس صفات الزعامة في جونسون :"كان فضولياً للغاية وأراد أن يعرف كل شيء، واستمر في طرح الأسئلة وفي غرفة الطعام تحدث إلى الجميع، وأراد أن يعرف كل شيء – متى قاموا ببناء غرفة الطعام، ومن الذين يأكلون هناك، ومن يغسل الأطباق".
ويتابع كولينس :"علاة على ذلك كان لديه حس الدعابة جيد، وهو شيء مهم بالنسبة لأي قائد، أتمنى أن يكون لدى بعض قادتنا حس الدعابة مثله، وكان أيضًا رجلًا متعاطفًا للغاية ، وفي عشاء ليلة الجمعة، جلس مع أولادي الصغار وتحدث إليهم. كان لديه سحر شخصي".
وعندما سُئل كولينس ما إن كان توقع وقتها أن يصبح جونسون يوماً ما رئيساً لوزراء بريطانيا، أجاب: "كنت أقول إنه سيكون قائدًا، لكنني لم أعتقد أنه سيكون رئيسًا للوزراء". وأضاف مبتسماً: "كانت أخته مناسبة أكثر منه للمنصب".
"علاقات مزدهرة"
ويتولى جونسون منصبه الجديد والعلاقات بين إسرائيل وبريطانيا في أوجها، لاسيما في الشق الأمني والاستخباري، حيث يتبادل الجانبان المعلومات الاستخبارية على أعلى المستويات، وتتطابق رؤية الموساد الإسرائيلي ووكالة الاستخبارات البريطانية (MI6) في الكثير من القضايا، بحسب "يديعوت أحرونوت".
وتضيف الصحيفة :" تتفهم الحكومة البريطانية التحديات التي تواجه إسرائيل أكثر من الرأي العام البريطاني، وكذلك تزدهر العلاقات الاقتصادية والسياحية والتجارية، وتنظر الحكومة البريطانية إلى إسرائيل باعتبارها واحدة من أهم الدول في العالم من حيث التعاون في مجال الهاي تك (التكنولوجيا الفائقة)، وخاصة في فترة ما بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، عندما سيتعين على البريطانيين تحسين علاقاتهم التجارية في الخارج من أجل تعويض الأضرار التي لحقت بعلاقاتهم مع أوروبا".
مع ذلك لا تتوقع الصحيفة تغيراً كبيراً في عهد جونسون في سياسة تعامل لندن مع المستوطنات، متوقعة أن يستمر البريطانيون في معارضة بناءها، فيما يتوقع أن يعبر رئيس الوزراء الجديد عن دعم بلاده لحل الدولتين.
تجدر الإشارة إلى أن جونسون سبق وانتقد العنف الذي تتعامل به إسرائيل في مواجهة الفلسطينيين، وقال إن رد فعل جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال العدوان على غزة عام 2014 "غير متناسب"، لكنه أكد في الوقت ذاته أنه يدعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها.
الأزمة مع إيران
ويتولى جونسون منصبه الجديد بعد أسبوع من احتجاز إيران ناقلة نفط بريطانية رداً على احتجاز لندن ناقلة إيرانية بمضيق جبل طارق كانت تقوم بتهريب النفط للنظام السوري.
وامتنعت رئيسة الوزراء المستقيلة تريزا ماي من اتخاذ أي رد فعل حاد تجاه الأزمة يكون ملزما لخليفتها.
كذلك، فإن منافس جونسون على رئاسة الوزراء وزير الخارجية جيمي هنت الذي قاد التعامل البريطاني مع الأزمة، لم يتخذ موقفاً صارماً تجاه إيران، واعتبرت تصريحات لندن ضعيفة للغاية وشاهدة على الضعف البريطاني أمام إيران.
لذلك ترى "يديعوت" أن إعادة بناء الردع البريطاني في مواجهة إيران سيكون هو التحد الأول لجونسون في الشرق الأوسط.
وتعد مواقف جونسون تجاه إيران أكثر صرامة من "ماي" و"هنت"، لكن من غير المؤكد أن بمقدوره الاستمرار على هذا النهج، خاصة في ظل أزمة البريكست.
ويتوقع رون بروسور، سفير إسرائيل السابق في لندن ويشغل حاليًا منصب رئيس معهد "أبا إيبان" للدبلوماسية العامة في المركز متعدد التخصصات في هرتسليا، أن يحاول جونسون أن يتماشى مع موقف الاتحاد الأوروبي لأنه يحتاج إلى تعاونه في قضية البريكست لتحسين الاتفاق على شروط الخروج التي صاغتها "ماي" مع بروكسل.