في محاولة لحماية ظهرها يبدو أن المملكة الهاشمية الأردنية تخلت عن شركائها التقليديين في المنطقة العربية خاصة الذين يؤيدون ما تسمى بصفقة القرن والتي ستسحب الوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس المحتلة.
ومنذ العام 1924، كانت السلالة "الهاشمية" هي الوصي "الوحيد" على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس، وحافظت على هذا الدور حتى بعد احتلال إسرائيل للضفة الشرقية من نهر الأردن عام 1967، واستمرت بوصايتها حتى بعد إعلان فك الارتباط مع الضفة، وصولا إلى العام 1994 عندما أبرم الأردن معاهدة سلام مع إسرائيل اعترفت بموجبها الأخيرة بالوصاية "الهاشمية" على الأماكن المقدسة.
وتتوحد مؤسسات الدولة التنفيذية والتشريعية مع رأي الشارع الأردني الداعم لاستمرار "الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس"، ولمواقف الملك عبد الله الثاني، الرافض لتصفية القضية الفلسطينية وتمرير "صفقة القرن"، التي قد تلغي حق عودة اللاجئين الفلسطينيين وتقوض مبادرة السلام العربية التي تقوم على أساس "حل الدولتين".
ضغوط
صحيفة "ذا تايمز" البريطانية اعتبرت أن الأردن اضطر تحت ضغوط الظروف للتخلي عن شركائه التقليديين؛ وفي مقدمتهم السعودية، وبدأ التفاوض مع كبار خصوم الرياض في المنطقة من أجل مصالحه.
وذكرت الصحيفة، نقلاً عن مسؤولين أردنيين، أن المملكة الأردنية، المكون الرئيسي للبنى التحتية الأمنية الغربية في الشرق الأوسط، أطلقت في الأشهر القليلة الماضية مفاوضات مع تركيا وقطر، واتخذت خطوات غير ملحوظة نحو إيران.
وأوضحت الصحيفة أن هذا التغيير كان اضطرارياً، وجاء بسبب خطورة المظاهرات التي شهدتها المملكة على خلفية تردي الوضع الاقتصادي فيها، وتقليص السعودية للمساعدات المالية التي دعمت الاقتصاد الأردني على مدى عقود.
المصالح تتصالح
ذا تايمز نقلت عن مصادر داخل أوساط الحكم الأردنية تأكيدها أن السعودية تطالب حلفاءها الإقليميين، ومن ضمنهم الأردن، بـ"اختيار الجانب" الذي يقفون فيه، وإظهار مزيد من التضامن فيما يتعلق بمقاطعة قطر ومواجهة إيران.
غير أن مصدراً أردنياً قال للصحيفة: "علاقاتنا تتوقف على مصالحنا، وليس لدى الأردن أي خلاف مع تركيا أو قطر أو حتى إيران، والمسافة بيننا تتوقف على المكاسب التي نحققها".
وأشارت الصحيفة إلى أن السبب الآخر لتغيير نهج عمّان هو غضب الملك عبد الله الثاني من الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب؛ بسبب انحيازه لـ"إسرائيل" على حساب الفلسطينيين.
حرب التصريحات
جدير بالذكر أن الملك عبد الله الثاني التقى بالرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في فبراير الماضي؛ على خلفية "حرب التصريحات" بين أنقرة والرياض بشأن قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية المملكة في إسطنبول.
وفي الشهر الماضي، بعث العاهل الأردني برسالة إلى أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني؛ تطرق فيها إلى العلاقات الثنائية بين الدولتين.
ويتعرض الأردن لضغوط أمريكية في مجال المساعدات العسكرية والمالية، لحمله على القبول بتمرير "صفقة القرن" وتوطين الفلسطينيين على أراضيه، والتخلي عن "الوصاية الهاشمية" على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس.
نقل الوصاية الهاشمية
وكانت صحيفة "هآرتس" العبرية، قد نشرت ما قالت أنها تسريبات حول بعض بنود "صفقة القرن"، تتضمن نقل "الوصاية الهاشمية على المقدسات" من الأردن إلى دول أخرى مثل، السعودية والمغرب، وهو ما قال عنها مسؤولون أردنيون بأنها "خط أحمر" وأن الملك عبد الثاني "لن يتنازل عن الوصاية على المقدسات".
ويؤكد الملك عبد الله الثاني على موقف بلاده "الثابت" من تحقيق السلام الذي يجب أن يكون مبنيا على القرارات الدولية، وعلى أساس قيام دولتين جنبا إلى جنب، إسرائيل وفلسطين على حدود الرابع من يونيو 1967، مع حل عادل للاجئين الفلسطينيين في العالم.
حماية ظهره
بدوره قال الباحث في الشأن العربي سيد المرشدي، إن الأنظمة العربية ليس لديها رفاهية تحقيق المصير أو اختيار المشاريع التي تفرض عليها من الغرب ولاسيما الولايات المتحدة الأمريكية.
وأضاف لـ"مصر العربية" فالنسبة الدولة الأردنية أو بمعنى أدق النظام السياسي في الأردن هو يتحرك وفقا لمصالح شخصية للعائلة الحاكمة، فهؤلاء يتحدثون عن أن القدس خط أحمر في الوقت نفسه مازال سفيري الأردن وإسرائيل يعملان في مكانهما بشكل طبيعي.
وأوضح أن النظام في الأردن عندما غير بوصلته من الشركاء الخليجيين إلى خصومهم سواء قطر أو تركيا أو حتى إيران فهذا بنسبة تزيد عن 90% من أجل حماية ظهره ومصالحه التي ستتضرر من موقفه من الممانعه تجاه الصفقة المشبوهه.
وأكد أن الأردن يستفيد من وصايته للمقدسات في فلسطين بطرق مختلفة سواء من الدعم المالي أو حتى المعنوى كدولة تحمي مقدسات، وفي الحقيقة دولة الاحتلال تدنس يوميا تلك المقدسات.
تواطؤ أمريكي
ويرى الأردنيون في "صفقة القرن" تهديدا "وجوديا" للقضية الفلسطينية ومحاولة إسرائيلية بتواطؤ أمريكي للاستيلاء على القدس ووادي "نهر الأردن" والأراضي الفلسطينية المحتلة خارج حدود 4 يونيو 1967، التي تقيم عليها إسرائيل مستوطنات ترفض التخلي عنها.
وعلى الصعيد الفلسطيني، تتخوف ذات الأوساط من حرمان الفلسطينيين حقهم في إقامة دولتهم المستقلة وفق مبادرة السلام العربية، أي أن القبول بـ"صفقة القرن" سيعني في نهاية المطاف القضاء رسميا من قبل واشنطن وإسرائيل على الحق الفلسطيني بدولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
وترفض السلطة الفلسطينية الحوار مع الولايات المتحدة لمناقشة أي مما يتعلق بالسلام مع إسرائيل، بسبب اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، نهاية 2017، بالقدس "عاصمة" لإسرائيل.
وحتى الآن لا توجد مؤشرات إلى احتمالات إقدام الأردن على تقديم تنازلات عن موقفه الثابت أو القبول بتمرير "صفقة القرن".