عودة آلاف المصريين إلى ليبيا.. هل يخدم الاقتصاد المصري؟

العمالة المصرية بليبيا

وافقت السلطات الأمنية المصرية والليبية على تنسيق دخول العمال المصريين إلى ليبيا من خلال فتح مكاتب في المدن الحدودية.

 

ويأتي الاتفاق تحسبا لإعادة إعمار ليبيا في أعقاب ثورة 2011 ، وسنوات من الحرب الأهلية والفوضى .

 

في 17 مارس الجاري، عقدت السلطات المصرية والليبية اتفاقية لتنظيم دخول العمالة المصرية إلى ليبيا، وتم الاتفاق بين الجانبين على أن يكون هناك مكتبان للتنسيق، أحدهما في مدينة السلوم المصرية، والآخر في مدينة مساعد الليبيّة على الحدود بين البلدين. ووفق تلك الاتفاقيّة، فإنّه يتمّ إعداد كشوف بالعمّال المصريّين وفحصهم أمنيّاً من جانب أجهزة أمنية سيادية مصرية قبل عبورهم إلى ليبيا.

وفي 7 مارس الجاري، نظمت الغرفة الليبية - المصرية المشتركة "الملتقى الاقتصادي الليبي - المصري الثاني" في مدينة الإسكندرية من أجل تذليل العقوبات التي تعرقل التبادل التجاريّ وحركة المواطنين وتنقُّلهم بين البلدين، وأوصى الملتقى بضرورة العمل على عودة العمالة المصرية إلى ليبيا مع تقديم الدعوة إلى بعض رجال الأعمال المصريين والشركات المصرية من أجل زيارتها.

وطالب رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية المصرية أحمد الوكيل، خلال كلمته في الملتقى، إلى ضرورة عمل الجانبين المصري والليبي على إعادة أكثر من مليونيّ مصري كانوا يعملون في ليبيا قبل عام 2011، وذلك بعد أن عاد عدد كبير منهم إلى مصر نتيجة عدم الاستقرار السياسي والأمني في ليبيا منذ ذلك التوقيت.

وكانت مصر قد حظرت السفر بشكل نهائي إلى ليبيا منذ فبراير عام 2015 إثر تدهور الأوضاع الأمنية في ليبيا وتهديد حياة المصريين بها، ولكن بعد تحسن الأوضاع نسبيًّا في ليبيا خلال الأشهر الأخيرة فقد طالب مهدي العمدة، عضو مجلس النواب عن محافظة مطروح، في يناير من العام الجاري بضرورة إعادة فتح منفذ السلوم البريّ أمام العمالة المصرية في ظل تهريب العمالة المصرية إلى ليبيا بشكلٍ غير قانوني.

وفي حديث خاص لـ"المونيتور"، قال الباحث في المركز الإعلامي التابع للمندوبية الليبية الدائمة لدى جامعة الدول العربية محمد فتحي الشريف: "إن تلك الاتفاقية ذات طابع أمني وتنظيمي، وهي خطوة تمهيدية مهمة من أجل عودة العمالة المصرية إلى ليبيا مرة أخرى، في ظل وجود إرادة سياسية مشتركة من قبل الجانبين المصري والليبيّ".

وهو ما دفع إلى الاتفاق بين البلدين على تنظيم حركة مرور العمّال على الحدود بينهما من أجل التأكّد من موقفهم الأمني، وكذلك من أجل التنسيق للدفع بالحجم والنوعيّة من العمالة التي تريدها سوق العمل الليبية، وذلك وفق محمّد فتحي الشريف.

ورفض المتحدّث الرسميّ والمستشار الإعلاميّ لوزارة القوى العاملة المصريّة هيثم سعد الدين التعليق على الاتفاقية، معتبراً في حديث هاتفيّ مع "المونيتور" أنّها تتعلّق بالجهات الأمنيّة في البلدين، وليس للوزارة دخل فيها، مؤكّداً في الوقت ذاته أن استقرار الوضع الأمني في ليبيا هو مفتاح عودة العمالة المصريّة بكثافة إلى سوق العمل الليبيّة.

وقال رئيس الجمعية المصرية لدراسات الهجرة وأستاذ الهجرة في الجامعة الأميركيّة بالقاهرة الدكتور أيمن زهري: "إن العمالة المصرية هي الخيار الأنسب للسوق الليبيّة، نظراً للقرب الجغرافيّ بين البلدين، وكذلك لتوافر العمالة المصريّة الماهرة وشبه الماهرة بتكلفة قليلة، مقارنة بتكلفة العمالة من دول أخرى".

أضاف في حديث خاص لـ"المونيتور": "إنّ العامل المصريّ هو المرشّح الأوّل للسوق الليبيّة في الوقت الحاليّ. ومن المتوقّع أن يعود حجم العمالة المصريّة هناك كما كانت قبل عام 2011 حيث كان هناك حوالى 1.7 مليون عامل مصريّ في ليبيا، في حين أنّ أعداد العمالة المصريّة في الوقت الحاليّ لا تتجاوز الـ300 ألف عامل، في ظلّ غياب التقديرات الرسميّة الدقيقة وسفر بعض العمّال المصريّين بطريقة غير شرعيّة".

وكان وزير العمل والتأهيل الليبيّ الدكتور المهدي الأمين ذكر في تصريحات صحافيّة لجريدة "الأخبار" المصرية خلال إبريل الماضي، أنّ العمالة المصريّة ستكون لها الأولويّة في فترة إعادة إعمار ليبيا خلال المرحلة المقبلة، نظراً لما تملكه من مهارات وقدرات فنيّة هائلة تركت بصمات واضحة في ليبيا خلال مرحلة ما قبل الثورة.

وأشار الخبير الاقتصادي ورئيس مركز العاصمة للدراسات الاقتصادية والأبحاث الدكتور خالد الشافعي إلى أن "اتفاق البلدين على تنظيم عبور العمالة المصريّة إلى ليبيا وتنسيقه خطوة مهمّة للغاية في سبيل عودة العمالة المصريّة إلى ليبيا بشكل كثيف، وهو سوف ينعكس بالضرورة على الاقتصاد الوطنيّ بشكل إيجابيّ لأنّه يزيد من العملة الصعبة لدى البنك المركزيّ المصريّ".

وكان البنك المركزيّ المصري أعلن في فبراير الماضي عن ارتفاع إجمالي تحويلات المصريّين العاملين في الخارج خلال عام 2018 لتبلغ حوالى 25.5 مليار دولار، وتعتبر التحويلات بذلك أعلى مصادر العملة الصعبة في الاقتصاد المصريّ وفق بيانات البنك المركزيّ.

وقال خالد الشافعي في حديث خاص لـ"المونيتور": "للشركات المصرية المتخصصة في البناء والتشييد باع طويل في عمليّات إعادة الإعمار. ولذا، سوف يكون لها دور كبير في ليبيا خلال المرحلة المقبلة، جنباً إلى جنب مع الارتفاع المتوقّع في الطلب على العمالة المصريّة التي تحظى بقبول واسع في السوق الليبيّة".

من جهته، قال محمد أبو ياسين، وهو شاب مصري كان يعمل في ليبيا منذ عام 2012 حتى أواخر عام 2016: "كنت أعمل في مجال البناء بمدينة بنغازي، ولكن للأسف لم أكمل عملي هناك، نظراً لتعرضي لإصابة أثناء العمل أدّت إلى اضطراري للعودة إلى مصر، ولم يكن هناك أيّ تأمين صحيّ لي في ليبيا لأنّي سافرت بطريقة غير شرعيّة عبر الحدود بين البلدين".

أضاف في حديث لـ "المونيتور": "في الوقت الحاليّ، هناك شباب مصريّون يرغبون في السفر للعمل في ليبيا في ظلّ عدم وجود فرص عمل متاحة لهم في مصر، وكذلك في ظل تحسُّن الوضع الأمني في ليبيا ووجود فرص عمل متاحة للمصريين علاوةً على أنّ هناك أفضليّة للعامل المصريّ في سوق العمل الليبيّة".

أما محمد علي، وهو شاب مصريّ عشرينيّ حاصل على بكالوريوس تجارة من جامعة القاهرة، فيرفض السفر إلى ليبيا بشكل غير شرعيّ، وقال في حديث لـ"المونيتور": "أسعى إلى العمل في ليبيا بطريقة قانونيّة، وأن تكون فرصة عمل جيّدة، واختياري لدولة ليبيا بالتحديد لأنّها قريبة من مصر".

فيما قال محمود اللاهوني، وهو شاب ثلاثينيّ عاطل عن العمل في الوقت الحالي: "كنت أعمل في ليبيا منذ عام 2008 حتّى عام 2011، حيث عدت إلى مصر بعد تدهور الأوضاع الأمنيّة هناك. وخلال الفترة الحاليّة، أستعدّ للسفر، مرّة أخرى، إلى ليبيا، في ظلّ تحسّن الوضع الأمنيّ بشكل نسبيّ".

أضاف في حديث هاتفيّ مع "المونيتور": "لا توجد فرص عمل متاحة في مصر بالشكل الكافي. ولذا، فإن ليبيا هي خيار جيّد، وإنّي أستعدّ مع مجموعة من أصدقائي للسفر إليها وإقامة مشروع خاصّ بنا أو العمل في ما هو متاح في السوق الليبيّة".

النص الأصلي

مقالات متعلقة