«صفعة أبريل».. ماذا بعد الكشف الأمريكي عن موعد طرح صفقة القرن؟

"على بُعد 9486 كيلو مترًا من فلسطين، وتحديدًا في بيت دونالد ترامب الأبيض، تُطبخ صفقة سوداء، يُقال إنّها تسرق حقًا وتسلب أرضًا".. الحديث عن صفقة القرن.

 

في إعلان هو الأول من نوعه، تحدّث جاريد كوشنير أحد أكبر مساعدي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن موعد طرح خطة واشنطن لما تقول إنّها ستحل السلام في الشرق الأوسط ويُطلق عليها "صفقة القرن".

 

كوشنير - وهو صهر ترامب -صرح بأنّ الإدارة الامريكية ستقدم "صفقة القرن" بعد الانتخابات الاسرائيلية المقرر إجراؤها في التاسع من شهر أبريل المقبل، وأضاف في جلسة مغلقة مع وزراء خارجية مشاركين في مؤتمر "الأمن والسلام في الشرق الأوسط" بالعاصمة البولندية وارسو، أمس، أنّه "سيتعين على الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي تقديم التنازلات".

 

الحديث عن صفقة القرن بدأ منذ أكثر من عام، وبين حينٍ وآخر تتبخّر معلومات بشأنها دون أن تعلن واشنطن ذلك رسميًّا، كما أُعلن عن مواعيد كثيرة لعرضها دون أن يحدث شيء، لكن بالنظر لما يُسرَّب عن تفاصيل القضية، فيُنظر إليها أنّها "صفعة" للقضية للفلسطينية تقضي على حلٍ عادل يحفظ حقوق أصحاب الحق والأرض.

 

تماشيًّا مع ذلك وتعبيرًا عن الاحتفاء الإسرائيلي بصفقةٍ ربما تحقّق لهم ما لم يكن يخطر بأحلامهم، قال رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو: "أتطلع بفارغ الصبر إلى تسلم الخطة الأمريكية للسلام في الشرق الأوسط"، معبرًا عن اطمئنانه من مدى اهتمام الإدارة الأمريكية بضمان أمن إسرائيل، بدعوى أن الولايات المتحدة أفضل صديق لإسرائيل، وبأن هناك أواصر عميقة تربط بين شعبي الدولتين.

 

ذكرت القناة العبرية الـ"13"، مساء اليوم، الخميس، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي مطمئن من مدى اهتمام الإدارة الأمريكية بضمان أمن إسرائيل، بدعوى أن الولايات المتحدة أفضل صديق لإسرائيل، وبأن هناك أواصر عميقة تربط بين شعبي الدولتين.

 

 

ونقلت شبكة "فوكس نيوز" الأمريكية عن مسؤول في إدارة ترامب قوله إنّه تمّ الانتهاء من الخطة الخاصة بإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، مشيرًا إلى أنّ الرئيس راض عن مضمونها بعد أن أطلع عليها.

 

وقالت الشبكة إنّ خمسة أشخاص في إدارة الرئيس مخولون بالإطلاع على تفاصيل مسودة الصفقة المكونة من نحو 200 صفحة، من بينهم سفير واشنطن في إسرائيل ديفيد فريدمان، وجاريد كوشنر مستشار الرئيس، وجايسون جرينبلات مبعوث البيت الأبيض إلى الشرق الأوسط.

 

أحدث التفاصيل المسربة عن صفقة القرن، نشرتها وسائل إعلام عبرية في منتصف يناير الماضي، تحدّثت عن أنّ البلدة القديمة في القدس ستكون تحت السيادة الإسرائيلية، لكن ستكون هناك إدارة مشتركة مع الفلسطينيين والأردن.

 

كما تشير الخطة - بحسب مصدر مطلع أطلعه الجانب الأمريكي على تفاصيل الصفقة كما ذكرت قناة "ريشيت 13" - إلى أنّ معظم المناطق العربية في القدس الشرقية ستكون تحت السيادة الفلسطينية، أمّا بخصوص المستوطنات في الضفة الغربية، فسيتم ضم الكتل الاستيطانية إلى إسرائيل، بينما سيتم إجلاء أو تجميد بناء المستوطنات المنفردة، وبالتالي ستكون نحو 90% من الضفة الغربية من نصيب دولة فلسطين.

 

في سياق متصل، ذكرت القناة العبرية العاشرة أنّ خطة ترامب تتطلب تقديم تنازلات من قبل الطرف الإسرائيلي، وهي تنازلات ليست مؤثرة، لكنّها مطلوبةٌ لإتمام الاتفاق الأمريكي الخاص بإقامة دولة فلسطينية على أغلب أراضي الضفة الغربية، وتقديم تنازلات إسرائيلية خاصة في مدينة القدس الشرقية، التي سيكون جزء منها عاصمة لدولة فلسطين المقترحة.

 

 

وأوضحت أنّ "صفقة القرن" تتضمن إقامة دولة فلسطينية في منطقة تزيد مساحتها عن ضعف مساحة المناطق "أ" و"ب"، الخاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية في المرحلة الراهنة، مؤكدةً أنّ نسبة الـ90% من الضفة تعني مبدأ تبادل الأراضي بين إسرائيل والفلسطينيين، فيما يتعلق بأجزاء من الضفة الغربية التي ستضمها إسرائيل، وإن لم يتم بعد تحديد حجم التبادل بينهما.

 

القناة أكّدت كذلك أنّ الخطة الأمريكية قامت بتقسيم المستوطنات إلى ثلاث فئات، الأولى وهي مستوطنات كبيرة لا يمكن ضمها لدولة فلسطين لكنّها ستضم إلى إسرائيل، وهي غوش عتصيون ومعاليه أدوميم وألفي منشيه وآريئيل، في حين تعد الفئة الثانية وهي الكتل التي لا يمكن أخلاؤها ولكن لن تضم لإسرائيل، على أن تكون مجمدة في الاتفاق، وهي مستوطنات إيتمار ويتسهار ولن تخلي من مستوطنيها.

 

أمّا الفئة الثالثة من المستوطنات وهي فئة المستوطنات غير القانونية وستخلى بحسب الخطة الأمريكية الجديدة.

 

ونقلت القناة نفسها عن مصدر أمريكي بارز، دون ذكر اسمه، أن خطة ترامب تقوم على تقسيم مدينة القدس لعاصمتين، غرب المدينة عاصمة لإسرائيل، مع وجود عاصمة لفلسطين في جزء من شرق المدينة المقدسة، على أن تبقى الأماكن المقدسة في تلك المدينة تحت السيادة الإسرائيلية، وهي جبل الهيكل وحائط البراق وجبل الزيتون، ولكن مع إدارة مشتركة مع الفلسطينيين والأردنيين وربما دول أخرى مشاركة في السيادة، أو الإشراف.

 

لم تنتظر السلطة الفلسطينية كثيرًا للرد على هذه التسريبات، حيث أكّد المتحدث الرسمي باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة أنّ "أي خطة سلام لا تتضمن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بحدود عام 1967 وعاصمتها كامل القدس الشرقية ستفشل".

 

ونقلت وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا" عن أبو ردينة قوله: "استمرار بث الإشاعات والتسريبات حول ما يسمى بملامح صفقة العصر التي تتحدث عنها الإدارة الأمريكية، إضافةً إلى الاستمرار في محاولة ايجاد أطراف إقليمية ودولية تتعاون مع بنود هذه الخطة هي محاولات فاشلة ستصل إلى طريق مسدود".

 

وأوضح أنّ "العنوان لتحقيق السلام العادل والدائم هو القيادة الفلسطينية التي تؤكد أنّ أي طروحات تتعلق بالمسيرة السياسية يجب أن تكون على أساس الشرعية الدولية ومبدأ حل الدولتين لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية"، مشيرًا إلى أنّ "طريق تحقيق السلام في المنطقة واضح، يمر من خلال الشرعية الفلسطينية"، أنّ "أي مشروعات تهدف للالتفاف على آمال وتطلعات الشعب الفلسطيني بالحرية والاستقلال لن يكتب لها النجاح وستنتهي".

 

 

الرئيس محمود عباس هو الآخر، كان قد أعلن في الرابع من يناير الماضي، أنّ صفقة القرن "انتهت"، مؤكدًا عدم وجود أي شيء يمكن التفاوض عليه بعد إعلان أمريكا أن القدس عاصمة لإسرائيل.

 

وأضاف خلال لقائه مع عدد من الكتاب والمفكرين المصريين، أنّه منع المسؤولين الفلسطينيين من التواصل مع أي مسؤول أمريكي خلال الفترة الماضية، مشدّدًا على أنّ حل القضية الفلسطينية يجري على ثلاثة مسارات، سياسي واقتصادي وأمني، ولا يمكن القبول بمسار دون الآخرين.

 

وفي الوقت الذي يحذّر فيه الفلسطينيون من مخاطر هذه الصفقة، باتت أطرافٌ عربية تلعب دورًا في تحريك هذا الملف وإن كان بشكل غير مباشر، وهو ما يتماشى مع "موجات التطبيع" التي هلّ خريفها بقوة في الآونة الأخيرة من خلال تقارب واضح وكبير مع الاحتلال وإقامة علاقة "دافئة" معه، وهو ما افتخر به رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أكثر من مناسبة، مستغلًا ذلك في الترويج لحلف سياسي يجمع دولًا خليجية سنية قد تضاف إليه مصر لمواجهة ما يقولون إنّه خطر إيراني تفشّى في المنطقة.

 

تعليقًا على ذلك، يرى الباحث المتخصص في الشؤون الفلسطينية الدكتور خالد سعيد أنّ القضية الفلسطينية في تراجع ملحوظ، مقابل صعود غير عادي لقطار التطبيع، لافتًا إلى أنّ هناك تسابقًا سعوديًّا إماراتيًّا على وجه التحديد من أجل هذا التطبيع الذي بلغ حد استجداء الكيان الصهيوني.

 

ويضيف في تصريحات لـ"مصر العربية": "العالم العربي يمر بفترة حرجة للغاية، لا يُعرف إلى أي مستقبل ستنتهي إليه الأمور، ويتوجب على الفور مصارحة العرب والفلسطينيين بشكل واضح ببنود هذه الصفقة".

 

السلام في المرحلة المقبلة - برأي الباحث - لن يكون سياسيًّا أو عسكريًّا لكنّه سلام اقتصادي، لافتًا إلى أنّ هناك أكثر من مسؤول صهيوني ركّز على هذا الأمر، وتحدّثوا عن إقامة علاقات مع الجانب الفلسطيني على أساس الجانب الاقتصادي، وبالتالي التطبيع هو اقتصادي أكثر منه سياسي، وهذا هو الأخطر في القضية. 

 

ويوضح أنّ ما يجري داخل الأروقة حول مباحثات ومداولات من أجل السلام هي كلها تؤدي إلى توطيد أركان الكيان الصهيوني على الأراضي الفلسطينية، مؤكدًا أنّ القضية لم تشهد في أي فترة من الفترات حفظ حقوق الفلسطينيين، وبالتالي يكمن الحل الوحيد في المقاومة المسلحة، مشدّدًا على ضرورة أن تعي كل الأطراف ذلك جيدًا، وأن تتم تربية الأبناء على هذا الخيار.

 

مقالات متعلقة