يبدو أن مقتل الصحفي جمال خاشقجي أصبح نقطة فارقة في تاريخ العلاقات السعودية الغربية، فالأمير محمد بن سلمان الذي أصبح مصدر إحراج للساسة الغربيين بدأ يتوجه للشرق، وهو ما ظهر في الإعلان عن اعتزام ولي العهد السعودي القيام بجولة آسيوية أخيرة.
قبل نحو عام كانت دول أوروبا وأمريكا تخطب ود الأمير السعودي الطموح محمد بن سلمان، الذي بدا أكثر حماساً لزيادة الاستثمار في الغرب وبناء علاقة أكثر قوة معه، حتى كانت واقعة مقتل جمال خاشقجي.
فبعد أن كان الغرب يتطلع إلى أن يحول السعودية المحافظة إلى حليف أكثر حداثة، وبالتالي أقل إحراجاً، فإن الجريمة جعلت محمد بن سلمان نفسه مصدر إحراج للساسة الغربيين ، بحسب "رويترز".
وفي مقابل ذلك، بدأ محمد بن سلمان يتوجه للشرق، مع اعتزامه إطلاق شراكات ومشروعات طموحة مع عدد من دول القارة الصفراء.
التوغل نحو الشرق
منذ بدء أزمة خاشقجي، بدا أن الأمير محمد بن سلمان يتوجه للشرق، وظهر هذا بشكل رمزي في مصافحته الشهيرة مع بوتين، خلال قمة العشرين، في وقت حاول فيه القادة الغربيون تجنُّبه. كما بدا أن هناك تقارباً مع الصين، ومع ذلك لم تخلُ هذه الخطوات من تعقيدات، خاصة في ضوء توتر العلاقة مؤخراً بين واشنطن وبكين ومن قبلها موسكو، وهو الأمر الذي يجعل من الضروري أن تكون خطوات التقارب مع الصين وروسيا محسوبة.
ولكن، يبدو أن الأمير محمد قرر أن يتوغل في التوجه نحو الشرق؛ في محاولة تهدف إلى إيجاد مجال لحركته، في ظل العزلة التي فرضها الغرب على شخصه على الأقل.
فالأمير الشاب، الذي كان ضيفاً محبباً على صالونات النخبة الغربية، قد فترت فبدأ يبحث عن وجهة أخرى تلبي طموحه، فولَّى وجه شطر الشرق.
ومن المتوقع أن يعلن ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، عن استثمارات بالطاقة والبنية التحتية، خلال زيارته باكستان والهند في الأيام القادمة، في إطار جهوده الساعية إلى تقليص اعتماد اقتصاد المملكة على صادرات النفط.
ويزور الأمير محمد بن سلمان أيضاً الصين وماليزيا وإندونيسيا، خلال جولة ستكون الأولى له في المنطقة منذ اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، وما أعقبه من موجة استنكار عالمية.
وقالت وكالة الأنباء السعودية إن مسئولين سعوديين سيناقشون استثمارات مع الصين وكوريا الجنوبية وإندونيسيا، في قطاعات من بينها الرعاية الصحية، والاتصالات. ولم تخض في تفاصيل. ولكن بالنسبة للهند وباكستان، يبدو أن التركيز سيكون عليهما في هذه الجولة.
الزيارة الباذخة
ويصل ولي العهد السعودي ، الجمعة ، إلى العاصمة الباكستانية إسلام آباد، في زيارة رسمية يتخللها توقيع مجموعة من الاتفاقيات الاقتصادية بقيمة 20 مليار دولار، وفق تقارير إعلامية باكستانية.
غير أن المثير للانتباه في زيارة ولي العهد السعودي باكستان، مظاهر البذخ والترف التي تصاحب وصوله إلى إسلام آباد، خاصة أن الزيارة لن تدوم أكثر من يومين، ووصفت التقارير الإعلامية المحلية الزيارة بأنها تصنَّف بدرجة «شخص أكثر من مهم».
سيُمنح ولي العهد بروتوكول VVIP عند دخول طائرته إلى المجال الجوي الباكستاني، وسترافقه طائرات مقاتلة من طراز «JF-17» في الأجواء الباكستانية.
ووصلت 5 شاحنات تحمل احتياجات محمد بن سلمان الشخصية إلى إسلام آباد، من أدوات التمارين الرياضية وأثاث وأمتعة شخصية أخرى، كما تم حجز فندقين من فئة «5 نجوم» بالكامل للوفد السعودي.
وحسب وسائل الإعلام الباكستانية، فقد وصل الحرس الملكي السعودي إلى العاصمة الباكستانية، لإنهاء الترتيبات الأمنية اللازمة لاستقبال ولي العهد السعودي بحسب مسئول في بلدية إسلام آباد.
وسيتم شحن 80 حاوية من الأمتعة واللوازم إلى إسلام آباد، للتحضير لزيارة ولي العهد السعودي وحاشيته، وستصل السيارات التي سيستخدمها، قبل يوم من وصوله إلى البلاد ، وفقا لـ"رويترز".
ويضم وفد محمد بن سلمان نحو 1100 مسئول ورجل أعمال وسيتم الانتهاء من تجديد المقر الرسمي لرئيس الوزراء الباكستاني، الذي بدأ منذ الأسبوع الماضي، قبل وصوله.
وسيكون ولي العهد، محمد بن سلمان، أول ضيف دولة يقيم بالمبنى الحكومي المخصص لرئيس وزراء باكستان.
وأحضر المسئولون الأمنيون السعوديون مشرفيهم الأمنيين وموظفي الأمن الصغار، لإجراء الترتيبات اللازمة. كما سيتم نشر عناصر من الجيش الباكستاني في نقاط مهمة خلال زيارة محمد بن سلمان البلاد.
اتفاقيات ومذكرات
ومن المنتظر أن يوقع بن سلمان اتفاقيات ترتبط بشكل رئيس بمصفاة للنفط وبقطاع الكهرباء في باكستان، حسبما قال مسئولون باكستانيون.
وقالت وكالة الأنباء السعودية الرسمية إن مذكرات التفاهم ستتضمن مشروعات للطاقة المتجددة، واستثمارات في البتروكيماويات والموارد المعدنية.
وعمران خان، رئيس وزراء باكستان الجديد، كان من بين قادة دول قليلين حضروا مؤتمراً عن الاستثمار، انعقد بالرياض في أكتوبر 2018، وقاطعته شركات عديدة وقادة عالميون؛ احتجاجاً على مقتل خاشقجي.
وسيستقبل عمران خان، ، ضيفه في المطار، وسيكون ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ضيف الشرف بمؤتمر الاستثمار الدولي، المقرر عقده في إسلام آباد، خلال زيارته.
وسيشارك في الحدث الدولي وفد سعودي يضم 40 عضواً وأكثر من 100 رجل أعمال سعودي وباكستاني.
وسيرافق محمد بن سلمان وفد خاص يضم 40 شخصاً من المسئولين التنفيذيين في «أرامكو»، وأكثر من 100 رجل أعمال سعودي.
كما تم حجز أسطول مكون من 300 سيارة لاند كروز، ليستخدمه الوفد في أثناء الإقامة بباكستان.
باكستان والسعودية
باعتبارها دولة مسلمة، ترتبط باكستان منذ فترة طويلة بعلاقات قوية مع السعودية. إذ يربط البلدين تعاون تاريخي في المجال العسكري والاقتصادي.
وفي أواخر أكتوبر 2018، عرضت الرياض على باكستان قرضاً بـ6 مليارات دولار، حتى يستطيع اقتصادها مواصلة الوفاء بالتزاماته.
وأعلنت السعودية أيضاً خططاً لمجمع بتروكيماويات وتكرير، باستثماراتٍ قدرها 10 مليارات دولار في مدينة جوادر الساحلية، حيث تبني الصين ميناء في إطار مبادرة الحزام والطريق.
وقال وزير الاستثمار الباكستاني هارون شريف، لـ "رويترز": "إنهم يتطلعون إلى قطاع الطاقة، في بعض خططنا للخصخصة، ربما يتقدمون بعروض من خلال عمليتنا للخصخصة".
وقال شريف، الذي يرأس أيضاً مجلس الاستثمار بالبلاد، إن هناك اهتماماً سعودياً بقطاع التعدين في باكستان.
وقال وزير باكستاني آخر، طلب عدم الكشف عن هويته: "السعودية لديها موارد هائلة. صندوق استثمارهم يتجاوز تريليون دولار، لذا نريد جزءاً ضئيلاً منه".
أزمة مقتل خاشقجي
مازالت قضية مقتل خاشقجي تسبب توتراً بين الولايات المتحدة والسعودية. إذ ذكرت وسائل إعلام أمريكية أن واشنطن تضغط على السعودية لمحاسبة سعود القحطاني، المتهم الرئيس في جريمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، لكن الرياض ترفض هذا الضغط باستمرار.
جاء ذلك بحسب ما ذكرته صحيفتا «نيويورك تايمز»، و«وول ستريت جورنال» اليوميّتين، الإثنين 11 فبراير نقلاً عن مسئولين سعوديين وأمريكيين.
وذكر مسئول سعودي أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لا يزال يتصل بالقحطاني مستشاره السابق، طلباً للمشورة، وأنه لا يزال يصفه بمستشاره، بينما ذكر مسئول أمريكي أن القحطاني ما زال يعمل مستشاراً لولي العهد بشكل مستتر.
وأضاف المسئول الأمريكي أن محمد بن سلمان ما زال يحمي القحطاني، وأن الأول «تعهَّد بعدم المساس بمستشاره السابق، وبإعادته لوظيفته السابقة بالمحكمة بعد هدوء تداعيات جريمة قتل خاشقجي».
وبحسب المسئولين السعوديين الذين تحدثوا للصحيفتين، فإن القحطاني كان قد سافر إلى أبوظبي في وقت سابق، رغم حظر السفر المفروض عليه.
وكانت النيابة العامة السعودية قد أعلنت أن مَن أمر بقتل خاشقجي هو رئيس فريق التفاوض معه (دون ذكر اسمه).
وأصدر القضاء التركي، في 5 ديسمبر الماضي، مذكرة توقيف بحق النائب السابق لرئيس الاستخبارات السعودي أحمد عسيري، وسعود القحطاني المستشار السابق لـ «محمد بن سلمان»، للاشتباه بضلوعهما في الجريمة.
وفي 3 يناير الماضي، أعلنت النيابة العامة السعودية عقد أولى جلسات محاكمة مدانين في القضية، إلا أن الأمم المتحدة اعتبرت المحاكمة «غير كافية»، وجدَّدت مطالبتها بإجراء تحقيق «شفاف وشامل».
ملفات شائكة
ولكن مقتل خاشقجي لم يعد السبب الوحيد لتوتر العلاقات السعودية الغربية. فتباعاً بدأت تظهر ملفات شائكة، وتوترت العلاقة المتوترة أصلاً بين الرياض والعواصم الغربية الكبرى.
حرب اليمن
القلق الغربي من حرب اليمن بدأ قبل مقتل خاشقجي، ولكن الجريمة التي استهدفت الصحافي السعودي رفعت الحرج قليلاً عن الدول الغربية، التي بدت تلح أكثر من أجل إنهاء الحرب.
وفي مؤشر على إحساس المملكة بثقل الضغوط في هذا الملف، فإن موقعين للصحافة الاستقصائية، أحدهما بلجيكي والآخر فرنسي كشفا أن السعودية لجأت إلى معهد دراسات عليا بلجيكي وشركة فرنسية لتحسين صورتها بمقابل مادي، وذلك بعد حرب اليمن التي شهدت أسوأ أزمة إنسانية، ومقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
القائمة السوداء
مشكلة جديدة تواجه السعوديين. إذ أعلنت المفوضية الأوروبية، الأربعاء 13 فبراير الماضي، إنها أضافت السعودية وبنما ومناطق أخرى إلى القائمة السوداء للدول التي تشكل تهديداً للتكتل، بسبب تهاونها مع تمويل الإرهاب وغسل الأموال.
وفي المجمل، تضم القائمة 23 دولة ومنطقة، هي أفغانستان وساموا الأمريكية وجزر الباهاما وبوتسوانا وكوريا الشمالية وإثيوبيا وغانا وجوام وإيران والعراق وليبيا ونيجيريا وباكستان وبنما وبويرتو ريكو والسعودية وسريلانكا وسوريا وترينيداد وتوباغو وتونس والجزر العذراء الأمريكية واليمن.
وإلى جانب التأثير السلبي للانضمام للقائمة على سمعة المدرجين بها، فإنه يعقّد أيضاً العلاقات المالية مع الاتحاد الأوروبي. وسيتعيّن على بنوك الاتحاد الأوروبي إجراء فحوص إضافية على المدفوعات المتعلقة بكيانات من الدول والمناطق المدرجة في القائمة السوداء.
النووي السعودي
طموح الأمير محمد سلمان لامتلاك برنامج نووي واجه الفيتو الغربي على امتلاك أي دولة عربية للسلاح النووي، مهما كانت هذه الدولة صديقة للغرب، ومهما كانت تخطب ود إسرائيل في السر والعلن.
فالغرب لن ينسى أن شاه إيران الذي كان لديه طموح نووي، وكان يوصف بشرطي أمريكا في الخليج، وعرف بعلاقته الحميمية بإسرائيل، سقطت نظامه فجأة، بينما جيشه مدجج بأحدث الأسلحة الأمريكية، وبرنامجه النووي كان في بدايته. ليأتي نظام آخر معاد للغرب يردد الموت لأمريكا، ويتوعد إسرائيل.
وطرح أعضاء بمجلس الشيوخ الأمريكي من الحزبين الجمهوري والديمقراطي مشروع قرار، الثلاثاء ، يطالب بأن يمنع أي اتفاق لتبادل التكنولوجيا النووية الأمريكية مع السعودية صنع المملكة لسلاح نووي.
وبموجب القرار، سيمنع أي اتفاق أمريكي للتعاون النووي المدني مع السعودية تخصيب اليورانيوم أو إعادة معالجة البلوتونيوم الذي تنتجه المفاعلات، وهما وسيلتان يتم استخدامهما في صنع أسلحة نووية.
ويجري وزير الطاقة الأمريكي ريك بيري محادثات مع مسؤولين من السعودية بشأن الاستفادة من التكنولوجيا النووية الأمريكية.
واستضاف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الثلاثاء مسئولين بشركات للطاقة النووية في محادثات بشأن الحفاظ على القدرة التنافسية للقطاع مع كل من فرنسا والصين وروسيا.
ومن شأن القرار أن يضغط على الإدارة الأمريكية للسعي من أجل اتفاق بمعايير أشد.
ولكن الأمير محمد توعد بامتلاك سلاح نووي، ورفض حرمانه من التخصيب
وتقول السعودية إنها تريد تحقيق الاكتفاء الذاتي في إنتاج الوقود النووي، وإنها غير مهتمة بتحويل التكنولوجيا النووية إلى الاستخدام العسكري.
لكن ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، قال لقناة «سي بي إس» التلفزيونية، العام الماضي (2018)، إن المملكة ستطور أسلحة نووية إذا فعلت عدوتها اللدود، إيران، ذلك. ورفضت السعودية في محادثات سابقة، توقيع اتفاق مع واشنطن يحرم الرياض من تخصيب اليورانيوم.