"بين مكة المكرمة والقاهرة والدوحة".. رست سفينة جهود المصالحة الفلسطينية في أكثر من ميناء سياسي، تصبّب فيها عرق الخلافات وسالت منها دماء الانقسام، بين حركتي فتح وحماس.
المصالحة الفلسطينية لها محطات عدة بدأت قبل 2007، لكنّ صيف ذلك العام كان حاسمًا في تاريخ القضية الفلسطينية لما ترتّب على أحداثه من انقسامٍ بين جناحي الحياة السياسية هناك، فتح وحماس.
على الرغم من توقيع الطرفين على اتفاق مكة قبيل ذلك بقليل والذي نصّ على تشكيل حكومة وحدة وطنية, لكن لم ترَ هذه الحكومة النور حتى حلّ الانقسام، فجاء إعلان صنعاء الذي وقّعه الطرفان عام 2008، داعيًا لعودة قطاع غزة لما قبل تاريخ الانقسام، فاختلف الطرفان في تفسير الاتفاق.
في عام 2009، وبعد الحرب الإسرائيلية على غزة، بدأت الحركتان جولة جديدة من المحادثات في القاهرة، امتدت من شهر فبراير وحتى مارس، قدّم على إثرها رئيس الوزراء حينها سلام فياض استقالته تمهيدًا لتشكيل حكومة وحدة وطنية وهو ما لم يحدث بسبب خلافات حول هذه الحكومة.
وفي القاهرة أيضًا لكن بعد عامين تقريبًا، أعلنت الفصائل الفلسطينية اتفاقًا بوساطة مصرية لتشكيل حكومة مؤقتة تشرف على إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية بعد ذلك بعام، إلى أنّ المفاوضات عُلِّقت لخلافات حول تسمية رئيس الوزراء.
لم يطل الأمر حتى انتقل الطرفان إلى العاصمة القطرية الدوحة، فوقّعا إعلانًا يحمل اسم المدينة عام 2012، لكن سرعان ما أُعلن أنّ تنفيذ المصالحة متعثرٌ.
وبعيدًا عن العواصم العربية، التقى الطرفان فتح وحماس في مخيم الشاطئ غربي غزة في أبريل 2014، وتم توقيع اتفاق جديد نصّ على تشكيل حكومة وحدة تشرف على انتخابات رئاسية وبرلمانية في غضون ستة أشهر.
ظهرت الحكومة لكنّ اتهامها بتجاهل قطاع غزة وبخاصةً بعد الحرب على القطاع في صيف 2014 عقّد المشهد.
هنا، عادت الحركتان إلى القاهرة وبعد جولات من المحادثات، وقعّ الطرفان على اتفاق مصالحة آخر تستلم بموجبه الحكومة الفلسطينية إدارة كافة معابر غزة فيما يتسلم حرس رئاسة معبر رفح قبل أن تنسحب السلطة منه، احتجاجًا على ممارسة أجهزة حماس الأمنية ضد حركة فتحز
وصل القطار مؤخرًا إلى محطة روسيا، التي استضافت جولةً من اللقاءات الفلسطينية بمشاركة ممثلين عن عشر فصائل فلسطينية، وعلى رأسها حركتا فتح وحماس، إضافةً إلى الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية والجهاد الإسلامي.
وقد صرح عضو المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق بأنّ حوارات موسكو تمهد لاستئناف محادثات المصالحة في القاهرة، وقال في تصريحات تلفزيونية، إنّ لقاء موسكو له أهمية كبيرة وبخاصةً أنه يأتي بعد انقطاع اللقاءات التي كان آخرها في نهاية عام 2017.
اجتمعت الفصائل على طاولة واحدة في روسيا جاء برعاية معهد الاستشراق في العاصمة موسكو، وبحسب مراقبين فإنّ الاجتماع في حد ذاته خطوة مهمة لا سيّما على خلفية ما شهدته الساحة الفلسطينية الداخلية من تعقيدات في الآونة الأخيرة.
أكّد المشاركون في الاجتماع، السعي المشترك لحل التناقضات من خلال الحوار، والتمسُّك باتفاق القاهرة للعام 2017، مُعبرين عن قلقهم من تكثيف المحاولات الخارجية لمنع إعادة الوحدة الفلسطينية.
اللافت في الأمر ما كشفه عضو المكتب السياسي في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين معتصم حمادة، حيث قال لوكالة "سبوتنيك"، إنّه تمّ الاتفاق على إلغاء البيان الختامي لاجتماع الفصائل الفلسطينية وسحبه من التداول، نظرًا لعدم التوافق على نقاط فيه.
"حمادة" صرح: "اتفقنا على أن يلغى البيان ويسحب من التداول ويعقد المؤتمر الصحفي لنتحدث عن النقاط التي توافقنا عليها وعلى نقاط الاختلاف.. تمّ التوافق بالأمس على بيان ختامي وجرى تدقيقه كلمة كلمة، ولكن تبين في الليل أن هناك طرف ما وزّع نصًا للبيان فيه بعض النقاط التي كان قد اعترض عليها الأخوة في الجهاد وفي حماس".
وأضاف: "هذه النقاط ذكرت القدس الشرقية وهم يريدون عبارة القدس منها، مثلا إنهم مع دولة فلسطينية عاصمتها القدس دون تحديد حدود 67 والبعض كان ضد الحديث عن الشرعية الدولية والبعض الآخر كان ضد حق العودة ما يعني الاعتراف بإسرائيل في المضمون".
في سياق غير بعيد، أكّد عضو المكتب السياسي لحركة "حماس" موسى أبو مرزوق، توافق الفصائل الفلسطينية على مواجهة الخطة الأمريكية المسماة بـ"صفقة القرن"، وقال خلال مؤتمرٍ صحفي: "توافقنا جميعًا على مواجهة الخطة الأمريكية للسلام في الشرق الأوسط والتي تسمى صفقة القرن.. اتفقنا على أنّ هذا الانقسام البغيض لا بد من إنهائه".
وأضاف أبو مرزوق: "المؤتمر الذي يعقد في بولندا اليوم أيضًا هو ضمن هذه الخطة (صفقة القرن) لأنه يريد تحويل العداء من العرب وإسرائيل إلى العرب وأطراف أخرى".