منذ انطلاق شرارة التظاهرات السودانية في 19 ديسمبر الماضي، لم تتمكن الحكومة من حل الأزمة الشعبية المتزايدة يومًا بعد يوم.
ورغم مغازلات الحكومة والبشير، ومحاولة امتصاص غضب الجماهير، لم يزل المحتجون في الشوارع، رافعين لافتات التظاهر، مطالبين بإقالة البشير.
وتستعد المعارضة السودانية، اليوم الأحد للخروج بتظاهرة جديدة في مدينة أم درمان تحت مسمى "موكب المعتقلين"، فيما تقدمت مجموعة من الشخصيات الوطنية بمبادرة، تطالب بحوار وطني ينتهي بتكوين حكومة انتقالية بمهام محددة خلال فترة أربع سنوات.
تظاهرات جديدة
وأعلن تجمع المهنيين السودانيين، عن موكب جديد، اليوم الأحد، تضامنا مع النساء المعتقلات، يتجمّع المتظاهرون أمام سجن النساء في أم درمان، فيما خرجت فيه تظاهرات محدودة، أمس، في مدينتي القضارف وخشم القربة شرقي البلاد.
ودعا تجمع المهنيين السودانيين، لمواكب جديدة من التظاهرات على مدار الأسبوع الجاري، تبدأ اليوم بموكب مركزي تضامناً مع المعتقلات، محدّداً سجن النساء في أم درمان نقطة للتجمّع.
وأعلن تجمّع المهنيين، عن مواكب في الأحياء واعتصامات في الميادين غداً، فضلاً عن وقفات احتجاجية للمهنيين والمجموعات المطلبية مصحوبة بتظاهرات ليلية في المحليات. وحدّد التجمّع الأربعاء المقبل، موعداً لتظاهرات أهالي الأرياف، فيما كشف عن الموكب الأكبر في كل أنحاء البلاد الخميس المقبل على رأسها موكب مركزي في العاصمة الخرطوم.
تظاهرات
إلى ذلك، استمرت التظاهرات، أمس، في مناطق متفرقة من البلاد، إذ خرج المئات في سوق مدينة القضارف أكبر مراكز الإنتاج الزراعي في البلاد.
وردّد المتظاهرون في الشوارع الرئيسية هتافات تنادي بإسقاط النظام، تعاملت معها قوى الأمن باستخدام الغاز المسيّل للدموع. كما تواصلت وللأسبوع الثاني، التظاهرات في مدينة خشم القربة بولاية كسلا، إذ خرج مئات الطلاب منددين بمقتل أحد المعلمين داخل المعتقل تحت وطأة التعذيب.
مقتل معلم
وتفجرت موجة جديدة من الغضب دفعت السودانيين للتظاهر ، الجمعة الماضية، إثر مقتل مدرس بعد اعتقاله بتهمة المشاركة في التظاهرات المناهضة للحكومة التي تجتاح البلاد.
وأفادت وكالة الأنباء الفرنسية بأنّ المدرس أحد الخير (36 عامًا) توفي متأثرًا بجروح أصيب بها أثناء احتجازه بعد أن اعتقله رجال الأمن الأسبوع الماضي في بلدة خشم القربة شرق البلاد.
واعتقل الخير، وهو عضو في حزب المؤتمر الشعبي، للاشتباه بأنه ينظم احتجاجات ضد الحكومة، وخرج محتجون من العديد من المساجد بعد الصلاة للمشاركة في التظاهرة.
وصرح عمّ المعلم أحمد عبد الوهاب بأنّ عنصرين من قوات الأمن أوقفا "الخير" في منزله في قرية خشم القربة في ولاية كسلا.
من جانبه، صرح رئيس لجنة التحقيقات في مكتب النائب العام عامر محمد إبراهيم: "وفقًا لتقرير التشريح الذي تسلمته النيابة العامة فإن أحمد الخير توفى نتيجة لإصابات في ظهره وساقيه وأجزاء أخرى من جسمه".
وأضاف: "خاطب مكتب النائب العام مدير جهاز الأمن والمخابرات بولاية كسلا لإحضار أفراد جهاز الأمن الذين كانوا يتولون التحقيق مع المرحوم في خشم القربة وقاموا بترحيله الى كسلا".
وكان تجمع المهنيين والأحزاب المعارضة السودانية أعلنوا في بيان مشترك سابق، أنهم تأكدوا من وفاة 3 ناشطين تحت التعذيب، هم فائز عبد الله عمر وحسن طلقا في جنوب #كردفان وأحمد الخير من خشم القربة، في حين فتحت السلطات السودانية تحقيقاً في تلك المزاعم.
مغازلات حكومية
وكان الرئيس عمر البشير قد خفّف من لهجته الحادة التي لازمته ضد المحتجين منذ اندلعت التظاهرات، حتى أنّه كان قد طالب بـ"عودة الفئران إلى جحورها"، في سخرية وتطاول على الغاضبين من حكمه.
ودعا أعضاء البرلمان السوداني اليوم، إلى جلسة طارئة لبحث قضية الاحتجاجات التي تعم البلاد.
أطلق جهاز الأمن والمخابرات السوداني، سراح عدد من الصحفيين الذين جرى اعتقالهم بتوجيهات الرئيس عمر البشير.
وأكد اتحاد الصحفيين السودانيين أنه تم الإفراج عن جميع الصحفيين المعتقلين، متوقعا رفع الحظر عن الصحفيين الموقوفين عن الكتابة.
فيما أشار صحافيون إلى أن هناك مجموعة أخرى لم يتم إطلاق سراحهم.
من جهته، أكد مدير جهاز الأمن والمخابرات اصطفاف القوات النظامية كافة تماماً وراء الشرعية، وأن السبيل الوحيد للتغيير هو صناديق الاقتراع، وأنهم لن يسمحوا بانزلاق السودان إلى الفوضى.
كما شدد على أنه لا تهاون في التعامل مع المتقاعسين.
وقال البشير مؤخرا في تصريحات لصحفيين تمت دعوتهم للقصر الرئاسي لمناقشة الأحداث الأخيرة: "معظم المحتجين من الشباب وهناك دوافع دفعتهم للخروج الشارع من ضمنها التضخم الذى أدى لارتفاع الأسعار وفرص التشغيل والوظائف المحدودة لا تتوازن مع عدد الخريجين".
وأضاف: "غضب الشباب نابعٌ من التطبيق الخاطئ لقانون النظام بصورة بعيدة عن مقاصد الشريعة الاسلامية.. ووجهت انتقادات لهذه القوانين من منظمات حقوق الإنسان لأنها على سبيل المثال تقيد حرية النساء بتجريم ارتداء السراويل".
في الأثناء، كشفت مفوضية الاختيار للخدمة العامة في السودان، عن طرح 25 ألف وظيفة للمعلمين منها 20 ألفاً يتم توزيعها علي الولايات. وأعلن الأمين العام للمفوضية حسن مختار عن بدء التقديم للمشروع القومي السابع لمختلف ولايات السودان الخاص بقطاع التعليم «وظائف المعلمين».
منذ 19 ديسمبر الماضي، يشهد السودان احتجاجات واسعة بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة، احتدت عقب قرار الحكومة بزيادة سعر الخبز ثلاث مرات، وتستخدم قوات الأمن الغاز المسيل للدموع وأحيانا الذخيرة الحية لفض المظاهرات فضلا عن اعتقال محتجين وشخصيات من المعارضة.
رحيل البشير
وتفجرت الاحتجاجات، التي بدأت يوم 19 ديسمبر بسبب زيادة الأسعار والقيود على السحب النقدي وغيرها من المصاعب الاقتصادية لكن تركيزها تحول إلى حكم البشير المستمر منذ 30 عاما.
واستخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع ومن حين لآخر استعملت الذخيرة الحية لتفريق المظاهرات.
وكان المعارض السوداني بكري عبد العزيز قد قال في حوار خاص لـ"مصر العربية":" نظام البشير بات على خطوة واحدة من الرحيل عن السلطة، والمتظاهرات مستمرة بغية إجباره على التنحي، لكن هذا لن يحدث إلا من خلال مساندة من قِبل المجتمع الدولي ووسائل الإعلام لا سيّما في الدول العربية لهذه الانتفاضة الشعبية:". وتشير الإحصاءات الرسمية إلى سقوط 26 قتيلًا في الاضطرابات المستمرة منذ أكثر من شهر بينهم فردا أمن، وتقول منظمات حقوقية إن العدد لا يقل عن 45 قتيلًا، فيما أعلن السياسي البارز الصادق المهدي سقوط مقتل 50 شخصًا على الأقل.
وقال اتحاد الصحفيين السودانيين، إن الأمن أفرج عن جميع الصحفيين المعتقلين، وتوقع صدور قرار بوقف الرقابة القبلية ورفع الحظر عن الصحفيين الموقوفين عن الكتابة.
وأبرز الصحفيين المفرج عنهم، علي الدالي ومحمد بابكر ومحمد إسماعيل بلال وعادل كلر، لكن صحفيين قالوا إن هناك مجموعة أخرى لم يتم إطلاق سراحهم.
اقتصاديًّا، يواجه السودان صعوبات متزايدة مع بلوغ نسبة التضخم نحو 70% وتراجع سعر العملة المحلية (الجنيه) مقابل الدولار الأمريكي وسائر العملات الأجنبية، حيث يبلغ سعر الدولار رسميًّا 47.5 جنيه، لكنه يبلغ في السوق الموازية 60 جنيهًا سودانيًّا، كما يعاني 46% من سكان السودان من الفقر.