يبدو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تراجع في هجومه على وسائل الإعلام ، وأخذ خطوة إلى الأمام لتحسين صورته عبر حوار مع صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية التي شن عليها الشهرالماضي هجومًا شديدًا ووصفها بـ"الفاشلة".
في حوارٍ مدته 85 دقيقة أجتمع الرئيس الأمريكي في البيت البيضاوي بفريق من صحيفة "نيويورك تايمز" التي قالت انه كان يبدو مرتاحًا وواثقًا من نفسه.
وقالت الصحيفة أن الحوار مع الرئيس الأمريكي به وفرة من الأدلة للباحثين المهتمين بفهم شخصية ترامب والطريقة التي يدير بها شئون الدولة على غرار البلاط البيزنطي - من علت حظوظه لدى ترامب ومن سيسقط من دائرة المقربين منه، ما الذي يهتم به والذي لا يهتم به، ما يعرفه وما لا يعرفه. سواء كان عن قصد أو مصادفة، يرسل ترامب إشارات، تُفحَص وتُحلَّل وحتى أنها تتعرَّض للنقد الساخر.
الإعلام.. مغضوب عليه
وعلى الرغم من أن ترامب هاجم صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية بسبب خبر "غير دقيق" نشرته عن الانسحاب الأمريكي من سوريا.
وقال ترامب في تغريدة نشرها عبر صفحته الرسمية على موقع تويتر في 7 يناير الماضي : "نيويورك تايمز الفاشلة كتبت خبرا غير دقيق كما هو معلوم عن أهدافي في سوريا".
The Failing New York Times has knowingly written a very inaccurate story on my intentions on Syria. No different from my original statements, we will be leaving at a proper pace while at the same time continuing to fight ISIS and doing all else that is prudent and necessary!.....
— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) ٧ يناير ٢٠١٩
وكانت الصحيفة الأمريكية التي لا تروق كتاباتها للرئيس الأمريكي في معظم الأحيان قد نشرت خبرا بعنوان "خطة ترامب لسحب القوات من سوريا".
فوسائل الإعلام دائماً ضمن الفئة المغضوب عليها لدى الرئيس رغم أن ترامب يستمتع بالحديث مع الصحفيين وتعنيفهم بقدرٍ متساوٍ تقريباً.
والخميس الماضي، منح ترامب الصحفيين ثلاثة أضعاف الوقت المحدد سلفاً وتلقى جميع أسئلتهم دون استعجال وطلب منهم الاتصال به شخصياً إذا كان لديهم أسئلة.
وقال ترامب: "أتيت من حي جاميكا بمنطقة كوينز وأصبحت رئيس الولايات المتحدة".. طالبًا من إيه. جي. سولزبيرجر، الناشر في صحيفة "نيويورك تايمز" أن يجعل تقديم تغطية صحفية أفضل عنه.
وتابع: "أستحق نوعاً ما أن أحظى بقصةٍ عظيمة -واحدة فقط- من صحيفتي".
ما يجهله ترامب
تطرق الرئيس الأمريكي إلى مسألة إلقاء القبض على روجر ستون، مدير حملته الانتخابية السابق وأحد أصدقائه المقربين ومستشاره، والذي اُلقي القبض عليه الأسبوع الماضي بعد توجيه الكثير من الاتهامات له، من بينها اختراق البريد الإلكتروني للديمقراطيين وتسريبه إلى "ويكليكيس" خلال الحملة الانتخابية.
وقالت الصحيفة "لا يولي ترامب اهتماماً مفرطاً بالدقة " تعليقًا على إظهار جهله حين ألمح إلى أن مكتب التحقيقات الفيدرالي كان مبالغاً في رد فعله عندما وظَّف "فريقاً مكوناً من 29 شخصاً يحملون بنادق من طراز AK-27s أو أياً كان ما استخدموه للقبض على روجر ستون".
وعلقت الصحيفة "لا يوجد شيء اسمه "AK-27".. يبدو أن ترامب، أكثر المدافعين عن التعديل الثاني للدستور الأمريكي الذي يعطي الحق للمواطنين بحيازة أسلحة، قد خلط بين هذا الاسم و" AK-47″ رغم أن مكتب التحقيقات الفيدرالي لا يستخدم بالطبع أسلحةً روسية".
البعض يقرأ له
وتناولت الصحيفة في حوارها مع ترامب تعليقه على كتاب «Let Me Finish»، الذي كتبه كريس كريستي، الحاكم السابق لولاية نيوجيرسي ومديره الانتقالي السابق.
وقالت الصحيفة:" على الرغم من أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يعبر عادةً عن غضبه تجاه الكتب، التي يكتبها مساعدوه ومستشاروه السابقون وتُفشي أسرار علاقتهم به. لكنه لا يُكن ضغينةً تجاه كريستي ".
وقال ترامب في حوارٍه" حسناً، بصراحةٍ، لقد كان ودوداً معي للغاية".
وعلقت الصحيفة رغم ذلك فلم يكن كريستي ودوداً تجاه عائلة ترامب، وبالأخص جاريد كوشنر، صهره ومستشاره الذي اُنتزعت أحشاؤه في هذا الكتاب .
واستدركت الصحيفة " الحق يُقال، إنه لم يقرأ كتاب كريستي أيضاً. (عذراً، أيها الحاكم) كان يعلم أن كريستي كتب أشياء لطيفة عنه لأن موظفيه لخصوه له".
وقال ترامب: "ليس لدي متسع من الوقت لقراءتها، لكني أعرف كل شيء -هناك شخص- يقرأ لي قليلاً منه، حوالي خمس صفحات، يمكنك قراءتها، أليس كذلك؟".
وتابعت الصحيفة معلقه: "بالتالي فإن ترامب سيُكِّن له احتراماً في المقابل. بغض النظر عما قد يفكر به كوشنر".
وعلقت الصحيفة على حوار ترامب قائله " خلال حواراته، يكون ترامب كصاروخٍ ليس له وجهة محددة، إذ لا يُعرف تماماً ما ستؤول إليه المحادثة".
وبينما كان يدافع عن منهجه في الرئاسة، استدعى ترامب روح الرئيس الأمريكي السابق جورج واشنطن، الذي قال عنه إنه أبقى على نشاطه التجاري بينما كان يشغل منصبه وروح الرئيس الأمريكي السابق جون كينيدي، الذي عيّن أخاه في منصب المدعي العام.
مخزون التغريدات وتشويه الواقع
قالت الصحيفة "يؤكد وصف ترامب للقائه التوبيخي مع مديري الاستخبارات الأميركية كيف يشكل الرئيس «حقلاً مشوهاً للواقع» حيث «يلوي الحقائق تجاهه»، على حد وصف أنتوني سكاراموتشي، مدير الاتصالات السابق في البيت الأبيض وهو مؤلف سيرة ذاتية مفشية للأسرار أيضاً".
وفي تقريرٍ للكونغرس في بداية الأسبوع قال دان كوتس، مدير الاستخبارات الوطنية، ونظراؤه إنه من المستبعد أن تتخلى كوريا الشمالية عن أسلحتها النووية وإن إيران لا تُصنّع حالياً قنبلةً نووية وإن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) لم يُهزم، وتتناقض كل هذه الاستنتاجات مع منهج الرئيس.
وخلال اجتماعهم الخميس قال ترامب إنه تحدى مديري الاستخبارات بشأن هذا الخلاف.
وسرد ترامب تفاصيل اللقاء قائلاً: "أحد الأشياء التي قالوها إن إيران مكانٌ رائعٌ. وقلت ليست مكاناً رائعاً إنها مكانٌ سيئ وهم يقومون بأمورٍ سيئة. وقالوا نحن نتفق معك. فقلت لهم ما الذي تعنونه بقولكم أنكم تتفقون معي؟ لا يمكن أن تكونوا متفقين معي. وقالوا إن شهادتهم قد شُوِّهت تماماً".
لكن ربما يكون ترامب هو من شوَّه شهادتهم أو على الأقل أساء فهمها. لم يقل مديرو الاستخبارات مطلقاً إن إيران "مكانٌ رائع" أو أي شيء من هذا القبيل؛ بل قالوا، ببساطة، إنه ليس هناك دليل على وجود برنامج نووي مخالفاً للاتفاق الذي أبرمته طهران للتخلي عن برنامجها.
ردَّ ترامب على حجتهم بحجة لا علاقة لها بالموضوع عبر تضخيم شهادتهم وهم قادرون على دحضها دون التراجع عما قالوه بالفعل. في هذه الحالة، ربما تكون حيلته قد نجحت.
كان ترامب سعيداً بما يكفي بتبرير الاختلافات بين روايته ورواية مديري الاستخبارات عن طريق إلقاء اللوم على وسائل الإعلام عبر موقع تويتر -وهي تغريدات نُشرت في الواقع بينما كان يتحدث مع زائريه من صحيفة "نيويورك تايمز" ، إذ كان لديه مخزونٌ جاهزٌ من التغريدات لنشرها.
....a source of potential danger and conflict. They are testing Rockets (last week) and more, and are coming very close to the edge. There economy is now crashing, which is the only thing holding them back. Be careful of Iran. Perhaps Intelligence should go back to school!
— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) ٣٠ يناير ٢٠١٩
وعندما لوحظ أنه كان في الغرفة عندما نُشرت التغريدات على حسابه، اعترف: "حسناً، أحياناً أملي التغريدة (على آخرين لنشرها)".
فصبت تغريدات ترامب جام غضبه على مديرو الاستخبارات الأمريكية، الذين وصفهم ترامب بأنهم "ساذجون وسلبيون للغاية" وأنهم أشخاصٌ "يجب أن يعودوا إلى المدرسة مجدداً!".
وقالت الصحيفة :" الآن، يقول إن كل شيء على ما يرام لأنهم أكدوا له أن تقاريرهم المُرسلة للكونغرس خلال هذا الأسبوع، التي تتعارض مع سياسته الخارجية، أُسيء فهمها من قبل وسائل الإعلام !".
الحوار كامل على الرابط الأصلي.. أضغط هنا