في الوقت الذي أوقفت فيه ألمانيا جميع مبيعات الأسلحة للسعودية؛ رداً على مقتل الصحفي جمال خاشقجي في قنصليتها بإسطنبول، وافقت برلين على تصدير أنظمة أسلحة طورتها بالشراكة مع الولايات المتحدة، إلى قطر.
وقال وزير الاقتصاد الألماني، بيتر ألتماير، في خطابه للنواب، نشرته وكالة "رويترز"، الخميس: "سيتم تصدير نظام الصواريخ إلى قطر عبر إيطاليا، في حين سيتم تصدير الأنظمة التي تعمل بالأشعة تحت الحمراء عبر الولايات المتحدة".
والرسالة، التي حملت تاريخ 23 يناير، لم تحدد قيمة الصفقة، معللة ذلك بحكم محكمة عام 2014 الذي يعفي من الإفصاح عن هذه المعلومات إذا كانت ستضر بقدرة الشركات على المنافسة.
وأوضح ألتماير في رسالته أن الصفقة تشمل أيضا 85 رأس بحث توجيهي لنظام إطلاق الصواريخ الموجهة المخصص للدفاع عن سفن طراز "أي إيه إم".
ووفقا للخطاب، فإن الشركات المصنعة، هي شركة "إم بي دي إيه" الأوروبية المدمجة لصناعة الصواريخ، وشركة "ديل ديفنس" الألمانية، وهي فرع من مؤسسة "ديل" الألمانية مسؤول عن صناعة تقنيات الدفاع.
احتجاجات ألمانية
وانتقد حزبا اليسار والخضر المعارضين بألمانيا صادرات الأسلحة المعلن عنها إلى قطر. وقال خبير شzون الدفاع في حزب اليسار الألماني، ألكسندر نوي، إن الحكومة الاتحادية ستكون "مجرماً سيئ السمعة"؛ لأنها لا يمكنها التخلي ببساطة عن تصدير معدات عسكرية إلى مناطق الأزمات".
وأضاف:" ذا هو النقيض لسياسة خارجية مسئولة"، بينما صرحت خبيرة التسلح في حزب الخضر الألماني كاتيا كويل، بأن "وضع حقوق الإنسان المثير للقلق في قطر، يعد وحده سبباً كافياً لعدم تصدير أسلحة إلى هناك" ، بحسب "د ب أ".
ومن جهته، انتقد العضو في حزب اليسار المتطرف كلاوس إرنست قرار الحكومة الألمانية، مع استمرار المخاوف بشأن الأمن وحقوق الإنسان في منطقة الخليج، وقال "من غير المسئول أن تستمر الحكومة الألمانية في الموافقة على مبيعات الأسلحة لمناطق أزمات".
وتربط قطر بألمانيا علاقات سياسية واقتصادية جيدة، إذ رفضت برلين الحصار المفروض على الدوحة، ودعت إلى حل سلمي بين الأطراف في دول مجلس التعاون.
وتعد قطر شريكاً أساسياً لألمانيا على جميع المستويات، خاصة على المستوى الاقتصادي، حيث توجد استثمارات قطرية ضخمة في ألمانيا تصل إلى قرابة 30 مليار يورو، علاوة على المساهمات الكبيرة التي تقدمها الشركات الألمانية في المشروعات المختلفة داخل قطر.
الحظر السعودي
ويأتي إرسال أنظمة الصواريخ إلى الدوحة، في وقت قرّرت ألمانيا تعليق جميع صادرات الأسلحة إلى السعودية، وذلك عقب مقتل خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول، مطلع أكتوبر الماضي.
وكانت السعودية قد حصلت على زوارق دورية وأجهزة رادار من إنتاج ألماني إضافة إلى مقاتلة يوروفايتر. فهذه المقاتلة الأوروبية التي تساهم ألمانيا بشكل كبير في صنعها، اشتراها السعوديون بأعداد كبيرة.
وسبق أن طلبت برلين من الدول الأوروبية الأخرى اتخاذ قرار مماثل بوقف صادرات الأسلحة إلى السعودية، من أجل زيادة الضغط على الرياض؛ على خلفيّة مقتل خاشقجي.
وتصدّرت القضية الرأي العام الدولي منذ ذلك الحين، وتسببت في توتر علاقات الكثير من الدول مع المملكة، وسط اتهام أطراف مختلفة لولي العهد، محمد بن سلمان، بالتورط شخصياً فيها، وهو ما تنفيه الرياض في حين تؤكده وكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA).
وتعتبر السعودية ثاني أكبر مستورد للسلاح الألماني في عام 2018 بعد الجزائر، حيث أصدرت الحكومة الألمانية حتى الثلاثين من سبتمبر الماضي موافقات على تصدير أسلحة للسعودية بمبلغ يصل إلى 416 مليون يورو.
وكانت الحكومة الألمانية قررت في نوفمبر الماضي وقف تصدير الأسلحة بالكامل إلى السعودية ، كما قررت الحكومة وقف تنفيذ الصفقات التي حصلت بالفعل على أذون تصدير.
ووفق بيان وزارة الاقتصاد الألمانية يفرض قرار مجلس الوزراء حظرا على تقديم تراخيص جديدة لتصدير الأسلحة إلى الرياض كما يوقف سريان التراخيص التي تم منحها سابقا.
ولهذا السبب، يهدد تكتل شركات تصنيع الأسلحة منذ فترة برفع دعاوى تعويض عن الضرر ضد الحكومة، كما تطالب الرابطة الاتحادية لشركات الدفاع والأمن الألمانية بأن يتم على الأقل رفع الحظر المفروض على الصفقات التي حصلت على أذون تصدير، وذلك لأسباب تتعلق بالحفاظ على الثقة.
وبحسب معلومات مجلة "شبيجل"، يسري وقف توريد الأسلحة على معدات تسليح جرى إنتاجها بالفعل وتصل قيمتها إلى ملياري يورو.
قوانين صارمة
يشار إلى ان القانون الألماني ينص على أن "الأسلحة الخاصة بخوض الحرب لا يمكن إنتاجها إلا بترخيص من الحكومة الألمانية ودعمها والترويج لها".
وما يعنيه هذا من الناحية العملية موجود ضمن ما يُسمى بقانون مراقبة أسلحة الحروب من عام 1961 ، وينص على "من يريد بيع أسلحة إلى الخارج، يحتاج في كل حالة إلى ترخيص الحكومة الألمانية. أما إنتاج الأسلحة النووية والبيولوجية والكيميائية فهي ممنوعة أساسا في ألمانيا إضافة إلى إنتاج الألغام والذخيرة العنقودية".
ويعني هذا أنه يجب على شركات الأسلحة الألمانية التوجه أولا إلى الحكومة الألمانية قبل أن تتمكن من تصدير دبابات أو مسدسات، واللجنة المختصة تعقد جلساتها سريا: وتحت رئاسة المستشار تفحص لجنة حكومية أي ما يُسمى مجلس الأمن الاتحادي الطلبات.
ومعايير الفحص حددتها الحكومة الألمانية السابقة برئاسة المستشار غرهارد شرودر في عام 2000: "في حال وجود نزاع مسلح في البلد المستقبل أو أنه متورط في حرب؟ هل هناك خطر أن تُستخدم الأسلحة لقمع أقلية؟ أو أنه يتم خرق حقوق الإنسان؟ وفي حال الجواب بنعم على أحد هذه الأسئلة، فإن فرص الحصول على ترخيص تصدير تكون سيئة".
السعودية وقطر استثناء
لكن حتى القوانين الألمانية المتشددة تترك بعض الثغرات مفتوحة، عندما تكون "مصالح خارجية أو أمنية" لألمانيا واردة، فيمكن للحكومة الألمانية ترخيص التصدير رغم بعض التحفظ ، وفي حالة السعودية و قطر استخدمت الحكومة الألمانية دوما هذه البطاقة وغضت النظر عن خرقات حقوق الإنسان والتدخل العسكري السعودي في اليمن.
كما قامت ألمانيا ببيع أسلحة لدول يسود فيها نزاعات بينها الجزائر ومصر وكولومبيا ونيجيريا. وحتى تركيا حصلت بعد الزحف داخل عفرين السورية في يناير 2018 على أسلحة من ألمانيا.
حجرة الأسلحة في العالم
وتعتبر الأسلحة الألمانية مطلوبة في سوق الأسلحة العالمي. فالطلب يطال بشكل خاص الدبابات مثل ليوبارد 2 وعربات مدرعة ومسدسات وغواصات وسفن.
في عام 2017 أصدرت الحكومة الألمانية تراخيص تصدير بقيمة 6.24 مليار يورو، واحتلت المرتبة الرابعة في لائحة أكبر المصدرين للأسلحة في العالم من 2013 حتى 2017 .
ويفيد خبراء بأن ألمانيا تحتل مكانة ثانوية في بيع الأسلحة الخفيفة والصغيرة، ويوجد بين أكبر شركات الأسلحة المائة الأوائل في العالم فقط شركتان ألمانيتان.
فغالبية الأسلحة تبيعها الشركات الألمانية للجيش الألماني ودول صديقة، وهذا يكون سهلا لأن الصادرات للاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي لا تخضع لقيود ، بحسب "دويتشه فيليه".
ويبحث منتجو الأسلحة الألمان دوما عن أسواق فيما يُسمى "دول ثالثة" مثل العربية السعودية وقطر. وفي حال رفض الحكومة الألمانية هذه الصادرات، فإنها تواجه اتهام "تدمير مواطن عمل"، حيث يعمل في المجموع في ألمانيا نحو 135.000 عامل في صناعة الأسلحة.