بدت نهاية 2017 مقلقة للحكومة والمواطن على حد سواء خاصة فيما يتعلق بملف سد النهضة الإثيوبي؛ إذ تشهد العلاقات القطرية– الإثيوبية تقاربًا مثيرًا للجدل بعد زيارة الوفد القطري، أمس السبت، لإثيوبيا لبحث سبل التعاون الأمني بين البلدين.
وفي الوقت الذي تتعثر فيه المفاوضات الإثيوبية– المصرية، أجرى رئيس الوزراء الإثيوبي هيل ماريام دسالنج محادثات مع الوفد القطري برئاسة رئيس أركان القوات المسلحة، الجنرال غانم بن شاهين الغانم، أسفرت عن توقيع عدد من الاتفاقيات الأمنية بين البلدين.
منذ يوليو2013، تشهد العلاقات المصرية- القطرية توترًا بلغ مداه في يونيو 2017 بعدما أعلنت مصر عن قطع علاقاتها مع الدوحة في بيان واحد مع السعودية والإمارات البحرين لأسباب عدة أبرزها دعم ما وصفوه بالجماعات الإرهابية.
تأتي هذه المحادثات بعد 4 أيام على زيارة وزير الخارجية سامح شكري إلى العاصمة الإثيوبية، أديس أبابا، لبحث ملف سد النهضة، في محاولة لحلحة الأوضاع المتجمدة منذ أعلن وزير الموارد المائية والري فشل المفاوضات منتصف شهر نوفمبر الماضي.
بعد زيارة شكري للعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، التقى شكري في 28 ديسمبر نظيره الإماراتي عبد الله بن زايد آل نيهان بالعاصمة الإماراتية أبو ظبي، وبحسب بيان وزارة الخارجية المصرية، أحاط شكري نظيره بآخر التطورات الخاصة بملف سد النهضة ونتائج زيارته إلى أديس أبابا.
يرى مراقبون أنَّ مصر ليس لديها خيارات كثيرة لمواجهة سد النهضة، مستبعدين الخيار العسكري رغم أنَّ القاهرة تسلمت مؤخرًا طائرات رافال في صفقة عقدتها مع شركة فرنسية في أغسطس الماضي، غير أنهم يرون أن القاهرة ستلجأ إلى المجتمع الدولي والعربي.
النائب يحيى الكدواني وكيل لجنة الدفاع والأمن القومي أشار في تصريحات سابقة لـ"مصر العربية" إلى ضرورة الإسراع في تصعيد الأمر أمام مجلس الأمن وهيئة الأمم المتحدة، لأنَّ مصر تتحدث عن حقها في المياه والذي يمثل بالنسبة للمصريين الحق في الحياة، للاعتمادات الرئيسية والكلية على مياه نهر النيل، وفي الوقت الذي تحتاج مصر إلى زيادة حصتها السنوية من المياه بسبب الزيادة الكبيرة في أعداد السكان وثبات الحصة.
وتتطلع الحكومة الإثيوبية لأن تبلغ سعة السد التخزينية 63 مليار متر مكعب من المياه ليصبح واحدًا من أكبر الخزانات في القارة الإفريقية ويسمح بتوليد حوالي 5200 ميجاوات في مرحلة أولى، كي يلبي احتياجاتها من الطاقة والكهرباء اللازمة لاستراتيجيتها الاقتصادية التي تهتم بالاستثمار في البنية التحتية.
ونقلت وكالة اسوشيتد برس منشور في أكتوبر الماضي، عن مسؤول بارز في وزارة الري- رفض الكشف عن هويته- أنَّ دراسات حكومية أشارت إلى أنَّ كل اختزال لمليار متر مكعب من حصة المياه المصرية يعني خسارة 200 ألف فدان، والتأثير سلبًا على النواحي المعيشية لنحو مليون شخص، إذ إنَّ خمسة أشخاص في المتوسط يعتمد قوت حياتهم على فدان واحد.
وتتخوف مصر من بناء السد الذي شارف على الانتهاء؛ حيث تبلغ حصتها من مياه النيل 55.5 مليارات متر مكعّب سنويًّا، في الوقت الذي تحتاج فيه إلى 114 مليار متر مكعّب سنويًّا حتّى تحقّق اكتفاء ذاتيًّا؛ حيث تعتمد على مصادر أخرى، إضافة إلى مياه النيل، كتحلية مياه البحر، وتنقية مياه الصرف الصحّي والصرف الصناعيّ، لسدّ حاجاتها من المياه، ومع ذلك يوجد عجز 20 مليار متر مكعّب من المياه، بحسب وزارة الري.
ويرى عاطف السعداوي، الخبير بمركز الأهرام للدراسات الاستيراتيجية أنّ المفاوضات كانت أحد المسارات، وتمّ اللجوء لها بالفعل منذ فترة طويلة وفشلت، أما الخيار العسكري والتهديد به مشكلة كبيرة لأنَّ تداعياته أمام المجتمع الدولي سلبية في ظل تدهور أوضاع المنطقة.
السعداوي يقول في تصريحات صحفية نقلتها عنه وكالة الأناضول إنَّ خيار اللجوء للمجتمع الدولي والمنظمات الدولية والتحكيم الدولي أعتقد أنه أصبح الخيار المطروح. ويضيف أنَّ خيار القانون الدولي سيكون عمليًا أقوى لمصر وهو مسار إجباري وليس اختياريًا لعدم قدرة المسارات الأخرى على تحقيق ذلك ومنها المسار التفاوضي الذي لم يسفر عن شيء.
غير أنَّ السعداوي يوضِّح أنَّ مصر نجحت دبلوماسياتها مؤخرًا في تفكيك أزمات لها بين دول حوض النيل واستقطبت وحيدت دول إفريقية أخرى، وستستمر فيه بشكل غير مسبوق الفترة المقبلة، ولكن ستواجه بدبلوماسية إثيوبية تتحرك وتدافع.
واتخذت الأحداث فيما يخص ملف سد النهضة خلال 2017 منحنى درامي متأزم، إذ انتهى المكتب الاستشاري الفرنسي من دراسات حول سد النهضة، بينما اشتعل خلاف بين الدول الثلاث على التقرير في مايو الماضي.
وفي يوليو الماضي، زار وزير الخارجية سامح شكري إثيوبيا، لضرورة إتمام المسار الفني الخاص بدراسات سد النهضة وتأثيره على مصر في أسرع وقت، وإزالة أية عقبات قد تعوق إتمام هذا المسار لتسهيل الانتهاء من الدراسات المطلوبة في موعدها المقرر دون أي تأخير.
تصاعدت الأحداث في سبتمبر الماضي؛ إذ اطلعت اللجنة الفنية المشتركة بين الدول الثلاث (مصر – إثيوبيا- السودان) التقرير الاستهلالي، وأعربت مصر عن قلقها البالغ من عدم حسم نقاط الخلاف في التقرير خلال جلسة مباحثات وزير الخارجية المصري مع نظيره الإثيوبي، على هامش مشاركتهم في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
في 15 أكتوبر الماضي، أعلن رئيس مجلس الوزراء شريف إسماعيل موافقة مصر المبدئية على التقرير الاستهلالي للمكتب الاستشاري، لكن، وفي 17 من الشهر ذاته زار وزير الري الدكتور محمد عبد العاطي يزور موقع سد النهضة الإثيوبي، لأول مرة لمتابعة الأعمال الإنشائية والتحقق من التفاصيل الفنية في إطار أعمال اللجنة الثلاثية الفنية.
لكن وزير الري محمد عبدالعاطي عبر في 19 أكتوبر الماضي عن قلق مصر من تأخر تنفيذ الدراسات الفنية لسد النهضة،مؤكدا : "زيارة موقع سد النهضة أعطتنا تطورات العمل على الأرض في موقع السد والتي أظهرت الحاجة إلى تحرك عاجل من أجل إنهاء المناقشات"، واتفقوا على جولة أخرى من المفاوضات.
بعد استضافة القاهرة 13 نوفمبر 2017 على مدار يومين جولة جديدة للمفاوضات بين وزراء الموارد المائية الثلاثة،السودان وإثيوبيا رفضتا الموافقة على التقرير الاستهلالي الخاص بدراسات "سد النهضة"، وأكدت عدم التوصل لاتفاق.
وبالتالي، أعلن الدكتور محمد عبد العاطي وزير الموارد المائية والري في 26 نوفمبر الماضي عن تجميد المفاوضات قائلا: إن مصرقررت تجميد المفاوضات حول سد النهضة، بعدما انحرفت المعاهدة مع إثيوبيا عن مسارها.
غير أن عبد العاطي قال إن وزارته لديها خطة قومية لتوفير المياه تعتمد على أربع محاور رئيسية وهي التنقية والتنمية وتهيئة البيئة التشريعية المناسبة وتمتد لـ17 عاما بتكلفة تتخطى 50 مليون دولار.
من الناحية الآخرى، طلب رئيس الوزراء الإثيوبي في 27 نوفمبر أي بعد إعلان تجميد المفاوضات بيوم واحد إلقاء كلمة أمام مجلس النواب ، موجهة للشعب المصري خلال زيارته للقاهرة، واختلف النواب حول زيارته.
بينما قدم 17 نائب مذكرة لرئيس الوزراء الدكتور علي عبد العال يرفضون فيها، زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي، يرى النائب حاتم باشات رئيس لجنة الشؤون الأفريقية السابق وعضو مجلس النواب أمر إيجابي فى إطار توطيد العلاقات والتغلب على الإشكاليات، مشيرا إلى أن هذه الزيارات قد تكون سبيل للتغلب على تعقد المفاوضات.
في 9 ديسمبر ،أعلنت وزارة الري بصدد إنشاء سد مائي في منطقة وادي حوضين في منطقة شلاتين- المتنازع عليها بين مصر والسودان- بهدف الاستفادة من مياه الأمطار تبلغ سعته التخزينية 7 ملايين متر مكعب ويصل ارتفاعه إلى 12 مترا وهو من أكبر السدود في الصحراء الغربية.
يتوقع معهد كارنيجي لدراسات الشرق الأوسط في دراسته نهر السخط المنشوره على موقعه الإليكتروني، توترا حادا بين مصر و إثيوبيا التي توشك على الانتهاء من بناء سد النهضة وتبدأ ملء خزاناته، وترجح نشوب صراع شامل في القرن الأفريقي.