في حرب السادس من أكتوبر، الغبار يتصاعد، والمعركة تشتعل، وسحق العدو الإسرائيلي لم يكن مهمة الرجال فقط، فالمرأة السيناوية كان لها بصمة واضحة المعالم، في تلك الملحمة التاريخية، لتزاحم الأبطال في رفع رايات النصر.
سالمة شميط .. أم الأبطال
المناضلةالسيناوية المصرية سالمة شميط، اشتهرت في سيناء بـ"أم الأبطال" نظرا لدورها البطولي في 5 يونيو عام 1967 احتلت إسرائيل سيناء التي تمثل 6 % من المساحة المصرية ولذلك قامت البطلة سالمة شميط بمقاومةالاحتلال الإسرائيلي أثناء فترة الاحتلال .
كما أطلق عليها "أم موسى" نسبة إلى ابنها الأكبر البطل الفدائي موسى لروشيد، وكانت تدعمه خلال قيامه بالعمليات الفدائية ضد العدو الإسرائيلي، بعد أن فقدت زوجها في أحد التفجيرات التي سببها الاحتلال وأقسمت على استكمال مشوار زوجها عقب أن لملمت أشلاء جسده المتناثرة وحشدت الهمم في أبنائها محمد وموسى ومريم وتلقت الضربة الثانية في ولدها محمد الذي سقط شهيدًا أثناء تركيب أحد الألغام على طريق رتل عسكري إسرائيلي ليبقى لها ولدها موسى وابنتها مريم وعلى الرغم من فقدها زوجها وأبنها الأكبر.
لكنها أصرت على استمرار المشوار مع ابنها موسى وتعلمت فك الألغام وتركيبها واستطاعت من خلال ذلك مساعدة ابنها في فك الألغام من الصحراء من خلال التمويه وهى ترعى الأغنام وتقوم بنقل الألغام على بهيمتها إلى مكان تم تحديده من قبل ابنها فيقوم بتركيبه في طريق جنود الاحتلال ليرهقوا الاحتلال الذي لم يعلم من أين تأتي هذه الضربات ولم يعلم أن وراء كل هذا سيدة بدوية، لم يكلفها أحد بذلك بل من تلقاء نفسها من أجل دحر الاحتلال من أراضيها والثأر لزوجها وابنها الأكبر.
وعندما انفجر أحد الألغام في ابنها موسى فقد إحدى عينيه وتهشم قفصه الصدري نتيجة لمئات الشظايا التي سكنت جسده وتم القبض عليه وهو جريح لا يستطيع الكلام أو الحركة وجاءها نبأ أن ابنها موسى استشهد ولكنها لم تصدق ذلك إلى أن تم السماح لها بزيارته في السجون الإسرائيلية من أجل أن تضغط عليه ليعترف للمحققين بأنه وراء التفجيرات الأخيرة وجاءوا بها معصومة العينين فهمست في أذن ابنها قائلة "لا تبكى يا ولد وخليك راجل مازالت أرضنا محتلة وأصمد فالشدائد تصنع الرجال". .
هذا الصمود من البطلة الفدائية سالمة والشعب المصري وكفاح أبطال قواتنا المسلحة كانت الطريق إلى معارك الاستنزاف والنصر العظيم في أكتوبر 1973 م الذي أبهر العالم ويعد الانتصار الوحيد في الصراع العربي الإسرائيلي ومازال يدرس في الإكاديميات العسكرية العالمية فقد قامت القوات المسلحة المصرية بعبور قناة السويس وقهر خط بارليف وإبطال مفعول مواسير النابلم التي زرعتها إسرائيل أسفل مياه قناة السويس حتى تحول المياه إلى أتون من النيران إذا فكرت مصر في عبور قناة السويس.
فرحانة حسين سلامة
صنعت منها المخابرات فدائية وحلقة وصل بين أبطال المقاومة، وفجرت قطارا إسرائيليا ولغمت سيارات عسكرية
المجاهدة السيناوية "فرحانة حسين سلامة" كانت ضمن خلايا منظمة سيناء العربية التى شكلتها المخابرات المصرية لمقاومة احتلال إسرائيل لسيناء ونقل كافة المعلومات حول تحركات المحتل على أرض سيناء.
بدأت كفاحها ضد العدو الصهيونى فى سيناء، بعد أن اضطرت أسرتها إلى الهجرة من سيناء إلى منطقة إمبابة بالقاهرة هربا من بطش الاحتلال، ومن هناك كانت انطلاقتها فى العمل الفدائى وعمرها فى ذلك الوقت 30 عاماً.
التحقت بمنظمة "سيناء العربية" وتم تدريبها ضمن آخرين من أبناء سيناء المهاجرين على حمل القنابل وطرق تفجيرها وإشعال الفتيل وتفجير الديناميت ونقل الرسائل والأوامر من القيادة إلى خلايا المنظمة. وكان أول عمل فدائى نفذته "فرحانة" هو استهداف سيارات العدو بعبوات ناسفة، وتفجير قطار العريش، بزرع قنبلة قبل لحظات من قدوم القطار الذى كان محملاً ببضائع لخدمة الجيش الإسرائيلى وبعض الأسلحة وعدد من الجنود الإسرائيليين، وفى دقائق معدودة كان القطار متفجراً بالكامل.
أدت دورها فى توصيل ونقل المتفجرات للمجاهدين السيناويين دون أن تلفت نظر العدو، وكانت تجازف وهى تتنتقل وتمر من تمركزات الجيش الإسرائيلى بكل جراءة دون أن يلاحظوا عليها أى علامات ارتباك تفضى لتفتيشها.
كانت تقوم بعملها بسرية تامة لا يعلمها أبناؤها حيث الكل يعرف أنها "تاجرة قماش" تشتريه من القاهرة وتسوقه فى سيناء، بعد أن تتسلل إليها، وتغيب مدة تصل إلى شهر أحيانا وهى المهنة التى تمتهنها، وأيضا تتستر فيها لنقل المعلومات وتنفيذ العمليات النوعية.
"فرحانة" كان لها دور مهم وفعال فى مساعدة المخابرات المصرية فى حرب الاستنزاف عام 67 وحرب أكتوبر 73 ومن أهم الأعمال التى قامت بها نقل معلومات إلى القاهرة وجلب المتفجرات لمساعدة المجاهدين وتفجير قطار محمل بالعتاد العسكرى والجنود الاسرائيليين بوضع المتفجرات أمام القطار ووضع العبوات الناسفة على الطرق التى تمر عليها الآليات العسكرية الإسرائيلية ومساعدة المجاهدين فى سيناء للاتصال بقيادة المخابرات فى القاهرة.
وداد 16 سنة
"وداد حجاب" إحدى المجاهدات اللاتى قمن بدور فعال فى مقاومة قوات الاحتلال الإسرائيلى، فقد تخصصت فى إعداد المتفجرات، حيث بدأت مشوارها ضد الجنود الإسرائيليين الذين كانوا يحتلون سيناء فى سن مبكرة جداً بعد أن حصلت على شهادة الإعدادية وكان عمرها لم يتجاوز 16 عاماً.
وقد بدأت وداد طريقها فى الدفاع عن وطنها بتعلم الإسعافات الأولية ومداواة الجرحى كخطوة أولى لأن أهل العريش استشعروا أن المعركة كانت على الأبواب وذلك منذ عام 1968 كما تعلمت وداد علاج الجرحى على يد أطباء متخصصين.
وأثناء قيام حرب أكتوبر 1973 حاصرت النيران كل مدن وقرى شمال سيناء والطرق المؤدية للعريش فتركت وداد منزلها الكائن بوسط العريش وذهبت للمستشفى العام بالعريش، وبمساعدة "أبلة خديجة " مدرستها فى المدرسة الإعدادية بالعريش استطاعت وداد أن تجتذب فتيات العريش وبنات البدو للتوجه للمستشفى لمساعدة الجرحى والمصابين.
وأقامت وداد فى مستشفى العريش أسابيع طويلة بدون أن ترى أهلها لأن جنود الاحتلال فرضوا حظر التجوال، فى ظل انقطاع الكهرباء والمياه فكانت حالات المصابين صعبة جداً لدرجة أن فتيات العريش والبدويات كن يتناوبن على تمريضهم. كما شاركت وداد فى منظمة سيناء العربية لتوزيع منشورات تحث على الجهاد والمقاومة، وقد سافرت وداد بنفسها إلى غزة من أجل الحصول على الورق وعلى المنشورات التى كانت توزعها، وقد انتبهت لذلك الشرطة العسكرية الإسرائيلية وبدأت فى مراقبة أهالى العريش ونجحوا فى القبض عليها مع أسرتها وتعرضت للتعذيب والتهديد على أيدى الشرطة الإسرائيلية من أجل الكشف عن أى معلومات تفيدهم بخصوص منظمة سيناء العربية وأعضائها، ومع تمسكها بالرفض أطلقوا سراحها بعد أن صدقوا أنها لا تعرف شيئاً، وبعد خروجها من الحجز استمرت فى توزيع المنشورات التى تدعو للجهاد والكفاح وكانت متنقلة بين القاهرة والإسماعيلية وسيناء من أجل نقل المعلومات لخدمة قواتنا المسلحة وجعل سيناء كتاباً مفتوحاً أمام قادة القوات المسلحة حتى تحقق الانتصار فى حرب 1973.
هند تنقذ الجنود
في منطقة بئر العبد كان لـ"هند" دور عظيم فى إيواء الجنود المصريين الجرحي، فهند التي تبلغ من العمر 20 عاماً، استطاعت أن تجوب الصحراء إبان حرب 67 وحتى انتصارات أكتوبر 1973 بحثاً عن الجنود المصريين المصابين والجرحى لتأخذهم لخيمتها وتقوم بعلاجهم.
وكانت هند تستغل أغنامها للتجول فى الصحراء لتضليل قوات الاحتلال الإسرائيلى وحتى لا يكتشفوا ما تقوم به بالبحث عن الجنود المصريين وذات يوم وجدت النقيب "جميل وهبة" وهو ضابط مسيحى مصاباً فى الصحراء ودمه ينزف بغزارة وكاد يفقد حياته من شدة الحرارة وخطورة الجراح فحملته وذهبت به إلى خيمتها وقامت مع أفراد قبيلتها بمعالجته حتى استعاد صحته وعافيته.
وطلب الظابط منهم أن يستمر فى الإقامة معهم حتى يقوم بدوره فى مقاومة جنود الاحتلال فساعدته هند وكانت تصطحبه وهو متنكر فى الزى البدوى من سيناء إلى الإسماعيلية وكان يرجع محملاً بالمعلومات لمرافقيه لتنفيذ عملياتهم العسكرية ضد قوات الاحتلال وظل الضابط وهبة يعيش مع أسرة هند السيناوية شهوراً طويلة وهو يؤدى مهمته المكلف بها وذلك بمساعدة قبيلة هند وعشيرتها، وفى الوقت الذى كانت فيه قوات الاحتلال الإسرائيلى تجوب الصحراء للبحث عن الضابط وهبة وباقى الجنود المصريين كان معظم هؤلاء يعيشون وسط قبائل البدو فى بيوتهم وخيامهم البسيطة كأنهم أفراد من أسرهم وكان البدو يساندونهم فى الوصول إلى قادتهم والرجوع مرة أخرى لسيناء لتنفيذ مهامهم ضد العدو الإسرائيلي.
فوزية محمد الهشة
عاشت في مسكن بالقرب من بيت البطلة فرحان حسين سلامة وقدمت للوطن بطولات عظيمة فإبن عمها الشيخ محمد الهشة كان حلقة الوصل بينها وأبطال المخابرات الذين قاموا بتدريبها وكانوا يعطونها الرسائل في القاهرة لتوصلها بدورها إلى القيادات في سيناء الحبيبة ولم تفلح وحدات التفتيش التابعة للقوات الإسرائيلية وقتئذ في كشف ذلك . من العمليات التي قامت بها البطلة "فوزية الهشة" انها قامت بتوصيل جهاز اتصالات لأحد الأبطال في العريش وبعد عشر دقائق من خروج هذا الرجل من منزله متوجهاً بالجهاز خارج المنزل اقتحمت القوات الإسرائيلية منزل الرجل وقامت بتفتيشه ولم تجد شيئاً فقد كان الله مع أبطال مصر في كل خطواتهم وكانت النجاة من الإسرائيليين في مواقف وصعب.