أشعار حرب أكتوبر.. قصائد خلّدت ملحمة الانتصار

انتصارات حرب اكتوبر

لحظات الفرحة الممزوجة بالانتصار تُلهم النفوس، فبعد الاحساس باليأس تولدت طاقة أمل عقب عبور الجنود المصريون للقناة وتحطيمهم خط بارليف المنيع، لتنتفض أفلام الشعراء وتقشعر قلوبهم، لتفجر الأبيات الشعرية والقصائد معبرة عن ساعة النصر. وكان حرب أكتوبر 73، مميزًا ومتميزًا بوجود مجموعة كبيرة عمالقة الشعراء الذي تربى الشعب المصري على كلماتهم، وتغنى بقصائدهم وأناشيدهم على رأسهم عبد الرحمن الأبنودي، سيد حجاب، أحمد عبد المعطي حجازي، أحمد فؤاد نجم، نزار قباني، صلاح عبد الصبور، وزين العابدين فؤاد، وصلاح جاهين.

 

وبالشعر تخلدت تفاصيل ملحمة حرب 6 أكتوبر، بدءًا من انطلاق شرارة النصر، لينتشر عبر صفحات الجرائد، وينطلق عبر الأثير ليدخل كافة البيوت، غير مفرقًا ما بين مستوى اقتصادي أو اجتماعي، فالكل كان يردد الأناشيد فرحة بالانتصار. وفي اليوم التالي لحرب أكتوبر، خرج علينا الشاعر زين العابدين فؤاد بقصيدة "الحرب لسه فى أول السكه": الحرب لسه في اول السكة الفلاحين بيغيرو الكتان بالكاكي ويغيرو الكاكي بتوب الدم وبيزرعوك يا قطن ويا السناكي وبيزرعوك يا قمح سارية علم وبيدخلوكي يا حرب فحم الحريقه وبيزرعوكي يا مصر شمس الحقيقه وانتي ميدان الحرب سينا البدايه وانتي جنينه الصلب والنصر رايه انتي البكا والغلب انتي الرحايه انتي البارود والحب

 

وبعنوان "أكتوبر" عبر الشاعر "صلاح جاهين" عن فرحة النصر، قائلًا:  

وحياة عيون مصر اللي نهواها واكتوبر اللي كما النشور جاها بلاش نعيد في ذنوب عملناها وحياة ليالي سود صبرناها واتبددت بالشمس وضحاها نكبح جماح الغرور، مع أنه مـن حقنا، ونحمي النفوس منه و لو العبور سألونا يوم عنه تقول: مجرد خطوة خدناها!

 

واستقبل شاعر العامية أحمد فؤاد نجم، جنود حرب أكتوبر، بقصيدة "دولا مين ودولا مين":  

دولا مين ودولا مين دولا عساكر مصريين دولا مين ودولا مين دولا ولاد الفلاحين دولا الورد الحر البلدي يصحى يفتح اصحى يا بلدي دولا خلاصة مصر يا ولدي دولا عيون المصريين دولا مين ودولا مين دولا يا سينا ولاد الشهدا دولا التار لا ينام ولا يهدا خلي ترابك يسكن يهدا ويضم الشهدا الجايين دولا مين ودولا مين

 

وعن اهم لحظة في الانتصار، وهي رفع العلم المصري فوق خط بارليف، كتب صلاح عبد الصبور، مخاطبًا أول جندي رفع العلم المصري في سيناء: تملّيناك، حين أهلَّ فوق الشاشة البيضاء، وجهك يلثم العلما وترفعه يداك، لكي يحلق في مدار الشمس، حر الوجه مقتحما ولكن كان هذا الوجه يظهر، ثم يستخفي ولم ألمح سوى بسمتك الزهراء والعينين ولم تعلن لنا الشاشة نعتا لك أو اسما ولكن، كيف كان اسم هنالك يحتويك؟ وأنت في لحظتك العظمى تحولت إلى معنى، كمعنى الحب، معنى الخير، معنى النور، معنى القدرة الأسمى تراك، وأنت في ساح الخلود، وبين ظل الله والأملاك تراك، وأنت تصنع آية، وتخط تاريخا تراك، وأنت أقرب ما تكون إلى مدار الشمس والأفلاك حالت صورة الأشياء في العينين وأضحى ظلك المرسوم منبهما رأيتك جذع جميز على ترعة رأيتك قطعة من صخرة الأهرام منتزعة رأيتك حائطا من جانب القلعة رأيتك دفقة من ماء نهر النيل وقد وقفت على قدمين لترفع في المدى علما يحلق في مدار الشمس، حر الوجه مبتسما أما الشاعر محمد إبراهيم أبوسنة، فقرر أن لا يترك هذا الانتصار يمر مرور الكرام، إلا أن تجربته كانت شخصية، فأراد أن يصف وقع الحرب على نفسه، فكتب "خفقة علم":  

أفديك يا سيناء وزغردت من قلبها السماء وانهمر الجنود. يسابقون الريح والأحلام وترسم الدماء. خرائط النهار والمساء على صحائف التاريخ والجبال في الماء كانت النجوم تعبر القناة وفي الرمال قالت المارعات لا وفي ذؤابات الشجر ابتسم الحمام ثم فك قيده وطار للسحاب وفوق صخرة عالية الإباء رفرفت أيها العلم يا قلبنا المليء بالأشواق والغضب كل خفقة تقول مصر نسيجها الضياء والظفر

 

وبالرغم من رومانسيته الطاغية، إلا أنه كان متمسك بعروبته، حبه للوطن ظهر في كل المواقف والأزمات، ليرسم بكلماته تلك المشاعر المتجسدة بعقله وقلبه، ليكتب نزار قبانيقصيدة نثرية بعنوان "تطفو على مياه القمر زهرة لوتس اسمها مصر":  

"قبل السادس من أكتوبر 1973 كانت صورتي مشوشة وغائمة وقبيحة، كانت عيناي مغارتين تعشش فيهما الوطاويط والعناكب، وكان فمي خليجا مليئا بحطام المراكب الغارقة، وكانت علامتي الغارقة المسجلة في جواز سفري هي أنني أحمل على جبيني ندبة عميقة اسمها حزيران (يونيه)، أما عمري في جواز سفري القديم. فقد كان مشطوبا لأن العالم كان يعتبرني بلا عمر. واليوم (6 أكتوبر 1973)، يبدأ عمري. لا تستغربوا كلامي، فأنا ولدت تحت الطوافات، والجسور العائمة التي علقها مهندسو الجيش المصري على كتف الضفة الشرقية وخرجت من أسنان المجنزرات السورية التي كانت تقرقش الصخور في مرتفعات الجولان، أعترف لكم بأن ولادتي كانت صعبة".

 

مقالات متعلقة