لهذه الأسباب.. أمريكا تعجز عن المصالحة بين قطر ودول الحصار

ترامب وأمير الكويت

قرابة مائة يوم ومازال الجمود يسيطر على الأزمة الخليجية بين دول الحصار وقطر، رغم مساعي بعض الدول العربية والغربية والإسلامية في البحث عن أي مخرج سياسي يجمع الأطراف المتنازعة (قطر والسعودية ومصر والإمارات والبحرين).

الأزمة الخليجية ازدادت تعقيدا في الآونة الأخيرة، فرغم الوساطات العربية من الكويت والإسلامية من تركيا والغربية أبرزهم ألمانيا وفرنسا وأخيرًا الولايات المتحدة، والتي تعثرت وساطاتها رغم تعويل البعض عليها، إلا أن الحوار بين كلا الأطراف بات معقدا.

الأزمة دخلت مرحلة من الجمود في اليومين الماضيين، فالوساطة الكويتية شبه معطلة، واحتمالات التدخل العسكري تراجع وإن بشكل مؤقت، تزامن مع تعثر في الوساطة الأمريكية، والذي جاء ذلك بعد إعلان السعودية تعليق الحوار مع قطر بدعوى تحريف وكالة الأنباء القطرية مضمون اتصال هاتفي جرى بتنسيق أمريكي بين أمير قطر وولي العهد السعودي.

 

وجاءت البادرة الأمريكية عقب زيارة أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح لواشنطن، وهنا يقول المدير التنفيذي لمعهد الشؤون الدولية إدوارد جوزيف إنّ الشيخ صباح عرض في واشنطن الجهود التي بذلها للوساطة، مما شجع ترمب على التدخل شخصيًا.

أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح وأمير قطر تميم بن حمد

 

ويضيف جوزيف أن المشكلة التي طرأت قبل أيام تشير إلى خلل في إدارة الوساطة.

 

ويشرح ذلك قائلا إن أطراف الأزمة لديها مستوى متدنٍ من الثقة المتبادلة، وكان ينبغي للاتصال الهاتفي بين أمير قطر وولي العهد السعودي أن يكون تحت إدارة وسيط سواء أميركا أو الكويت.

 

الدكتور مصطفى السعداوي أستاذ القانون الجنائي والخبير في العلاقات الدولية قال إن الولايات المتحدة الأمريكية لديها القدرة في إنهاء الأزمة الخليجية في الوقت التي تحدده كيفما شاءت وفي أي وقت.

 

وأوضح خبير العلاقات الدولية لـ"مصر العربية" أن الحديث عن تعثر أمريكي في المفاوضات ليس بصحيح بمفهومه الطبيعي، لكن يمكننا الاعتراف بوجود تأخر في المصالحة، مبينًا سبب استمرار الصراع أن أمريكا تستفيد من الجانبين (قطر ودول الحصار)، لذلك تريد استمرار المكاسب باستمرار النزاع.

 

وتابع: "دولة قطر لها استثمارات ضخمة في أمريكا، ومن خلال تلك الاستثمارات يمكنها تحريك الرأي العام الأمريكي لصالحها وإجبار صانع القرار الأمريكي بالانحياز لها، والأمر مشابه كذلك مع السعودية، لذلك لن يخسر ترامب مليارات الخليج ولن ينحاز لأي طرف منهم.

 

وأنهى السعداوي كلامه: أمريكا هي من صنعت الأزمة بين قطر ودول الخليج، وهي من يمكنها إنهاءها.

 

وبشأن دلالة تعليق الرياض الحوار مع الدوحة بدعوى تحريف وكالة الأنباء القطرية مضمون الاتصال الهاتفي يقول أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة قطر ماجد الأنصاري إن ذلك يعكس التأزم النفسي لقيادات دول الحصار.

 

وبحسب قوله، فإن هذه الدول وضعت سمعتها في ميزان هذه الأزمة، مضيفا "دائما يقال إن قطر تلعب دورا أكبر من حجمها، والحقيقة أن الطرف الآخر يتصرف بشكل أصغر من حجمه".

ويمضي قائلا في تصريحات متلفزة: إن بيان وكالة الأنباء القطرية كان متوازنا ويتسق مع بيان البيت الأبيض بشأن الاتصالات الأميركية المكثفة مع قطر والسعودية.

 

تأخير الحوار

وفي رأيه، فإن الموقف السعودي مرده الحاجة لانتصار معنوي من خلال تأخير الحوار أو طرح صيغة استسلامية من قبل قطر "وهذا ما لن يحدث"، حسب قوله.

 

ويخلص إلى القول إن دول الحصار تعرضت للضغط من قبل ترمب، وكان هذا مؤلما لها، خصوصا بعد انحياز البيت الأبيض إلى رأي وزارة الخارجية والبنتاغون ومجلس الأمن القومي والاستخبارات الأميركية، ومفاده أن لا مبرر للأزمة.

ترامب يتوسط العاهل السعودي محمد بن زايد

 

أما أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن نبيل ميخائيل فقال إن من المستغرب الحديث عن وساطة أميركية لرأب الصدع، ولو كان الأمر كذلك لبذلت الإدارة الأميركية مجهودا أكبر.

 

ووفقا له، فإن إدارة ترمب لن تقدم أي مبادرة لإصلاح العلاقات بين قطر ودول مجلس التعاون لأنها تراها أزمة عربية-عربية.

 

في حين استبعد الكاتب الصحفي الفلسطيني عبد الباري عطوان في مقاله بجريد رأي اليوم حالة “الجمود” هذه  قائلا: لا نستبعد حدوث تطورات أخطر في الأيام القليلة القادمة، وهناك مدرستان لكل منها منظوره وتصوراته الخاصة حول كيفية التعاطي مع الأزمة:

 

الأولى: سلمية، ويؤمن أصحابها بسياسة النفس الطويل، والتدرج في فرض العقوبات على دولة قطر، ويذهب بعض رجالاتها إلى القول بأن التعاطف الشعبي معها بسبب الحصار عمره قصير، وكذلك مفعوله، ويشيرون إلى تجارب العراق وإيران وسوريا وفلسطين.

 

الثانية وسطية: تطالب بتكثيف الضغوط الاقتصادية لخنق دولة قطر، والانتقال إلى مرحلة تجميد الأرصدة والودائع المالية القطرية في دول الخليج، وفي المصارف والأسواق العالمية تحت ذريعة دعم قطر للإرهاب، ويقول منظرو هذه المدرسة، أن صدور مثل هذا القرار، بدعم أمريكي سيحدث شللا ليس في الاقتصاد القطري فقط، وإنما في قوتها المالية الناعمة التي تستخدمها في تمويل أذرعتها الإعلامية والسياسية.

 

المدرسة الثالثة: تتحدث عن الخيار العسكري، وتنتقد الحكومات الأربع في إضاعة فرصة ذهبية توفرت في اليومين الاولين للازمة، أي قبل التحرك القطري باتجاه تركيا وإيران، ويعتقد هؤلاء أن تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي أدلى بها قراءة، وليس تغريدا، في مؤتمره الصحافي مع نظيره الروماني قبل ثلاثة أيام، وتحدث فيها عن وجود تاريخ قطري طويل في دعم الإرهاب وعلى أعلى المستويات، ما زالت توفر غطاء لمثل هذا الخيار، كما توفر أرضية لتغيير النظام.

 

حمد بن خليفة

 

أصحاب المدرسة الثالثة، يركزون على أمرين أساسيين، وهما حدوث انقسام في العائلة الحاكمة، ولا مؤشرات في هذا الصدد حاليا، أو تجنيد بعض القبائل المناوئة له، ويتردد اسم قبيلة “بني مرة” في هذا الصدد، في إشارة إلى دورها في محاولة الانقلاب الفاشلة عام 1996 بتحريض سعودي إماراتي لإطاحة الأمير السابق حمد بن خليفة، وإعادة والده إلى الحكم.

 

وأضاف أن الحكومة القطرية رفضت الشروط العشرة التي طالبها خصومها بتلبيتها فورا دون نقصان، وتتلخص في قطع علاقاتها بحركة “الإخوان المسلمين”، وإبعاد قياداتها من قطر، وإغلاق محطة “الجزيرة” ومحاربة جدية للإرهاب، والانضمام للناتو العربي الإسلامي بفاعلية ضد إيران.

 

وأنهى عطوان مقاله: "نحن في انتظار الخطوة القادمة التي من المفترض أن تكسر هذا الجمود، التحالف السعودي المصري الإماراتي البحريني مصّر على استسلام قطر وركوعها، وقطر تقول إنها لن تركع ولن تستسلم.. إنه التصعيد، وربما الحرب أيضا، ولا مكان لخيار ثالث.

محمد بن سلمان وأمير قطر

 

من جهتها، كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية أن اتصال أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، بولي عهد السعودية، محمد بن سلمان، جاء وفق ترتيب الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب.

 

وأشارت إلى أن محاولة ترامب كسر الجمود بين أطراف الأزمة الخليجية “سرعان ما فشلت، بعد أن قررت السعودية (إعادة) قطع التواصل مع قطر”؛ احتجاجاً على ما سمّته “تحريف وكالة الأنباء القطرية لفحوى الاتصال بين الشيخ تميم وبن سلمان”.

 

وأضافت الصحيفة: “ترامب الذي تطوع الأسبوع الماضي لإنهاء الأزمة خلال لقاء أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، توقع حلاً سريعاً، عارضاً نفسه كوسيط في حال لم تحسم الأمور”.

 

استسلام قطر

 

الاتصال الذي اعتُبر بداية حل للأزمة التي دخلت شهرها الرابع حمل تفاؤلاً حذراً، لكنه سُرعان ما تلاشى عقب بيان أصدرته وزارة الخارجية السعودية، ونُسب لمصدر مسؤول دون ذكر اسمه، اتهم فيه الدوحة بـ”تحريف مضمون المكالمة الهاتفية”، وعليه جرى “تعليق الحوار مع الدوحة حتى تصدر توضيحاً رسمياً”.

وعليه ردّت وكالة الأنباء القطرية الرسمية (قنا)، بالقول إن الاتصال الهاتفي كان بناء على تنسيق مسبق مع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وهو ما أكده بيان للبيت الأبيض صدر لاحقاً.

 

وفي إطار ردود الفعل حول الاتصال، فإن محللين ومراقبين اعتبروا أن مجرّد التواصل بين أمير قطر وولي العهد السعودي يحمل تأكيداً على رغبة الطرفين في الحوار والمحادثات، في حين رأى آخرون أن “الفشل السريع لمساعي الحوار بين البلدين الخليجيين يؤكد تجذّر الأزمة”.

 

وهنا، يقول مايكل ستينفس، من المعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن، إن المشكلة تكمن في “عدم رغبة أي طرف في الاستسلام والتنازل. وبالنظر إلى فرط الحساسية بين الجانبين، فإن مسألة الحل تبدو ضعيفة، وهو أمر يجعلها أكثر صعوبة وتعقيداً”.

 

وذكرت الصحيفة ذاتها أن “الرئيس الأمريكي الذي يقف في صف السعودية والإمارات عقب اندلاع الأزمة، عاد ليمسك العصا من المنتصف بعد أن أوكل المهمة إلى وزير خارجيته ريكس تيلرسون، الذي يتمتع بعلاقات واسعة مع أطراف الأزمة بحكم عمله السابق كمدير تنفيذي لشركة نفطية”.

تيليرسون وزير خارجية أمريكا مع عادل الجبير وزير الخارجية السعودي

 

يذكر أن الإدارة الأمريكية تعثرت قبل شهرين في رأب الصدع الخليجي، عبر وزير خارجيتها تيليرسون والذي لم يستطع تخفيف التوتر بين قطر والدول الأربع المقاطعة.

 

وكانت مباحثات تيلرسون مع وزراء خارجية الدول المقاطعة قد انتهت في مدينة جدة السعودية، دون التوصل إلى حل للأزمة الحالية المستمرة منذ أكثر من شهر.

 

وكانت السعودية والإمارات والبحرين ومصر قد قررت قطع العلاقة مع قطر في الخامس من يونيو من العالم الجاري، بدعوى دعم الدوحة وتمويلها للإرهاب، وهي التهم التي تؤكد قطر أنها عارية عن الصحة ولا تستند إلى دليل.

 

 

 

 

 

مقالات متعلقة