شهدت الساحة السياسية والحقوقية في مصر حالة واسعة من الجدل وتباين الأراء بعد تقرير منظمة "هيومن رايتس ووتش"، الذي صدر، أمس الأربعاء، بشأن أوضاع السجناء في مصر.
اختلفت أراء مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي من السياسيين والحقوقيين، حيث طالب البعض بضرورة التحقيق في كافة المعلومات التي وردت بالتقرير، فيما اتهم آخرون المنظمة بدعم الإرهاب.
مطالب بالتحقيق في التقرير
المحامي والحقوقي نجاد البرعي، طالب بفتح تحقيق حول ما ذكره التقرير من وقائع التعذيب، قائلًا: "إنكار وجود التعذيب لن يؤدي إلى شيء، يجب أن يعلن النائب العام فتح تحقيق علني وشفاف في كل مزاعم تقرير منظمة هيومان رايتس ووتش حول التعذيب فورًا".
وعلق المحلل السياسي حازم عبد العظيم، قائلاً: "شوف يا باشا.. إما أنتم كاذبين أو هيومان رايتس واتش كاذبة، فأمامكم فرصة تاريخية لإنهاء مصداقيتهم بنشر تقرير مضاد يثبت كذبهم تمامًا؟ ورينا الهمة".
فيما قال يحيى القزاز، أستاذ الجيولوجيا بجامعة حلوان: "تقرير منظمة هيومان رايتس ووتش يقول أن مصر يحكمها جلادون وليس بنى آدمين لإساءتهم التعامل مع حقوق الإنسان".
فيما ربط الكاتب الصحفي وائل قنديل بين تقرير المنظمة وتوقيت ظهور صور الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك بالساحل الشمالي، قائلًا: "يافندم الدنيا مقلوبة على تقرير هيومان رايتس ووتش عن سلخانات التعذيب، بسيطة انزل بحواديت مبارك في الساحل الشمالي".
على المستوى العربي، هاجم الكاتب السعودي جمال خاشقجي السلطات المصرية، في تعليقه على تقرير المنظمة، قائلًا: "ما يجري في مصر مؤلم، السكوت عليه غبن، الدفاع عنه سقوط".
الحقوقي الجزائري أنور مالك، قال أيضًا: "تقارير منظمات دولية كهيومن رايتس ووتش، لا تواجه بجيوش إلكترونية في مواقع التواصل ولا بحملات إعلامية بل بتحقيقات قضائية وحقوقية نزيهة".
هجوم حاد على "رايتس ووتش"
على الجانب الآخر، شن البعض هجومًا حادًا على منظمة هيومان رايتس ووتش، واتهموها بخدمة الإرهاب.
طارق رضوان، وكيل لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب، قال إن منظمة "هيومان رايتس ووتش" منظمة موجهة وتخدم جهات ودول بعينها وبالتالي فالتقارير التي تصدر منها تعد موجهة أيضًا ومشكوك في صحتها.
وأضاف رضوان، أن المنظمة تتعمد إصدار تقارير لتشويه صورة مصر لانتقاد الأوضاع في مصر ودول عربية بعينها في حين تتجاهل الجرائم التي ترتكب في دول أخرى، متسائلاً: "لماذا لا نرى نشاط واضح للمنظمة أو تقارير تنتقد الأوضاع في تركيا أو في قطر؟".
وتابع: "المنظمة تجاهلت كل وقائع انتهاك حقوق الإنسان في هذه الدول والتي كان آخرها ما تعرض له العمال الآسيويين في قطر أو ما يتعرض له المعارضون في تركيا".
فيما قال محمد بدوي دسوقي، عضو مجلس النواب، إن تقرير "هيومان رايتس ووتش" عار تمامًا من الصحة، موضحًا أن الهدف منه سياسي، وبات واضحًا للجميع أهداف مثل هذه التقارير لخدمة أجندات دول كقطر والولايات المتحدة الأمريكية لتنفيذ مخططاتهم داخل مصر ومحاولاتهم التحكم في مجريات الأمور.
وأضاف أن تقرير "هيومان رايتس ووتش" جاء في توقيت زيارة الرئيس السيسي للصين، لحضور قمة مجموعة "البريكس" ومن بعده زيارة "فيتنام" ما يؤرق الولايات المتحدة خروج مصر بعيدًا عن هيمنتها، فمصر وللمرة الأولى في تاريخها تتحرك على مستوى المصلحة القومية وتضع في اعتباراتها احتمالات المستقبل إدراكًا من صانع القرار المصري بدور مصر ومكانتها على المستويين العربي والعالمي.
كما وصف النائب محمد الغول، وكيل لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، منظمة هيومان رايتس ووتش، بأنها منظمة "صهيوحقوقية"، قائلاً: "هذه المنظمات الصهيوحقوقية هي درع وأموال تغدق على كل من يتبنى مواقف تدعو إلى الفرقة والنزاع والتفتيت ونشر العنف والدعوة إلي الصراع العرقي أو المذهبي أو الديني أو الطائفي وهي سيف وتقارير حقوقية مسلطة على كل من يدعو إلى الوحدة والوطنية والتماسك والإتلاف وحب الوطن ونهضة الشعوب.
وغرد النائب محمود بدر، موجهًا خطابه لحازم عبد العظيم، قائلاً: "بالنسبة لنا هيومان رايتس كاذبة وموجهة وده رأينا من زمان وكان رأيك معانا، بالنسبة للدولة هتفضل كاذبة وحتى لو ردت مش هتقنعك لأنك بقيت معاهم".
وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش، في تقرير صدر، أمس الأربعاء، إن ضباط وعناصر الشرطة وقطاع الأمن الوطني في مصر، في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، يعذبون المعتقلين السياسيين بشكل روتيني بأساليب تشمل الضرب، الصعق بالكهرباء، وضعيات مجهدة، وأحيانا الاغتصاب.
ووفقا للتقرير الصادر في 44 صفحة، والذي حمل اسم "هنا نفعل أشياء لا تصدق: التعذيب والأمن الوطني في مصر تحت حكم السيسي"، تقول المنظمة أن النيابة العامة تتجاهل عادة شكاوى المحتجزين بشأن سوء المعاملة وتهددهم في بعض الأحيان بالتعذيب، مما يخلق بيئة من الإفلات شبه التام من العقاب.
وحسب التقرير قال جو ستورك، نائب المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "أعطى الرئيس السيسي ضباط وعناصر الشرطة والأمن الوطني الضوء الأخضر لاستخدام التعذيب كلما أرادوا. لم يترك الإفلات من العقاب على التعذيب المنهجي أي أمل للمواطنين في تحقيق العدالة".
وأضاف: "قابلت هيومن رايتس ووتش 19 معتقلاً سابقًا وأسرة معتقل آخر تعرضوا للتعذيب بين عامي 2014 و2016، فضلاً عن محامي الدفاع وحقوقيين مصريين، كما راجعت هيومن رايتس ووتش عشرات التقارير عن التعذيب التي أصدرتها المنظمات الحقوقية ووسائل إعلام مصرية، مورست تقنيات التعذيب التي وثقتها هيومن رايتس ووتش في مراكز الشرطة ومقرات الأمن الوطني في جميع أنحاء البلاد، واستخدمت أساليب متطابقة تقريبًا، لسنوات عديدة".
وواصل: "بموجب القانون الدولي، يُعتبر التعذيب جريمة تخضع للولاية القضائية العالمية ويمكن مقاضاة مرتكبيه في أي بلد، على الدول توقيف، والتحقيق مع، أي شخص على ترابها يشتبه في تورطه في التعذيب، وأن تحاكمه أو تُرحله لمواجهة العدالة".
وأردف: "وجدت هيومن رايتس ووتش أن وزارة الداخلية قد طورت سلسلة متكاملة لارتكاب الانتهاكات الخطيرة لجمع المعلومات عن المشتبه في كونهم معارضين وإعداد قضايا ضدهم، غالبًا ما تكون ملفقة، ويبدأ ذلك عند الاعتقال التعسفي، ويتطور إلى التعذيب، والاستجواب خلال فترات الاختفاء القسري، وينتهي بالتقديم أمام أعضاء النيابة العامة الذين كثيرا ما يضغطون على المشتبه بهم لتأكيد اعترافاتهم، ويمتنعون بشكل كامل تقريبًا عن التحقيق في الانتهاكات".
والخارجية ترد
أكد المستشار أحمد أبو زيد، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية، رفض الدولة المصرية للتقرير الذي أصدرته منظمة "هيومان رايتس ووتش" عن أوضاع حقوق الإنسان في مصر.
وقال أبو زيد، إن هذا التقرير بعيد تمامًا عن الموضوعية، هناك العديد من علامات الاستفهام حول حجمه، وما جاء به من تفاصيل، وتوقيت صدوره، فهو يتزامن مع تحقيق مصر لتطور وتقدم اقتصادي كبير، والانتفاح على العالم، واقتراب الانتخابات الرئاسية.
وشكك أبو زيد في صحة الشهادات التي جاءت بالتقرير، قائلًا: "هذه الشهادات غير موثقة، كما أنها غالبيتها مجهولة، وبعضها لحالات متورطة في عمليات إرهابية، وبالتالي من الطبيعي أن يكون لديها رغبة في طرح صورة غير صحيحة؛ لاستهداف الدولة المصرية.
وأضاف أن هناك مسارات طبيعية لتقديم الشكاوى، وإجراءات نص عليها القانون تتيح لأي مواطن تعرض لأي ممارسات خارجة عن القانون التقدم بشكوى للمجلس القومي لحقوق الإنسان، أو وزارة الداخلية، أو القضاء.
جدير بالذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي تنتقد فيها منظمة "هيومن رايتس ووتش" أوضاع حقوق الإنسان في مصر، فقبل ثلاث سنوات، تحديدًا في أغسطس 2014، ومع حلول الذكرى الأولى لفض اعتصامي أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي في "رابعة العدوية" و"النهضة"، أثار تقرير المنظمة "حسب الخطة: مذبحة رابعة والقتل الجماعي للمتظاهرين في مصر" جدلًا كبيرًا في الشارع المصري، آنذاك، واتهم التقرير قوات الشرطة والجيش بإطلاق الذخيرة الحية على حشود من المتظاهرين، في ست مظاهرات بين 5 يوليو و17 أغسطس.
وجاء في التقرير أيضًا: "على الرغم من وجود أدلة على استخدام بعض المتظاهرين لأسلحة نارية في العديد من تلك المظاهرات إلا أن هيومن رايتس ووتش لم تتمكن من تأكيد استخدامها إلا في حالات قليلة، الأمر الذي لا يبرر الاعتداءات المميتة بنية مبيتة وفي انعدام تام للتناسب على متظاهرين سلميين في جملتهم".