بعد إلغاء نتائج الانتخابات الرئاسية .. هل تتعلم إفريقيا درس الديمقراطية من كينيا؟

فرز الأصوات الانتخابية بأحد اللجان في بوركينا فاسو

جددت واقعة إلغاء الانتخابات الرئاسية في كينيا بقرار من المحكمة العليا في البلاد، الحديث مرة أخرى عن الديمقراطية الناشئة في أفريقيا ومدى تحول القارة السمراء التي شهدت عدد هائل من الانقلابات العسكرية، المصحوبة بإجراءات قمعية وعشرات المخلفات، خصوصا بعد وقوع أكثر من حادثة تشير لترسيخ قيم الديمقراطية جزئيا بدول القارة.

 

آخر الأحداث التي تشير لنمو عيدان الديمقراطية بالقارة السمراء هو ما حدث في كينيا قبل أيام حيث أبطلت المحكمة العليا نتائج انتخابات الرئاسة التي نُظمت في 8 أغسطس الماضي، وأمرت باقتراع جديد خلال شهرين، لتأتي هذه الواقعة كأول مرة تحدث بأفريقيا.

الانتخابات الكينية

 

وعلى عكس المتوقع أعلن الرئيس الكيني الجديد أورورو كينياتا، بأنه رغم رفضه للقرار إلا أنه ملتزم به، مع الإشارة إلى أنه كان رئيس سابق للبلاد وهذه المرة مرشح لولاية ثانية، كما أنه فاز أمام خصمه مرشح المعارضة رايلا أودينغا " مرتين قبل ذلك في انتخابات سابقة.

 

لم تكن هذه هي المرة الأولى في أفريقيا التي يحترم فيها رؤساء الدول الدستور ويرفضون التمديد ﻷنفسهم أو إجراء تعديلات تتيح لهم مزيدا من الصلاحيات الدستورية، ففي الثامن من أغسطس الماضي رفض رئيس تنزانيا جون ماغوفولي دعوات بعض مؤيديه لمد حكمه لما بعد الولايتين الرئاسيتين المنصوص عليهما في الدستور، مخالفا بذلك توجها سائدا في القارة.

الرئيس التنزاني جون ماغوفولي

 

وقام العديد من القادة الأفارقة بتعديل الدستور و تحدي انتهاء فترات ولاياتهم لمد أمد حكمهم، ومنهم الرئيس الأوغندي يوويري موسيفيني، و الرواندي بول كاجامي، و البوروندي بيير نكورونزيزا.

 

 

ووقتها قال ماغوفولي في مؤتمر شعبي في مدينة تانغا الساحلية بعد أن دعا نائب في البرلمان من حزب "تشاماتشا مابيندوزي" الحاكم إلى مد حكمه لـ20 عاما على الأقل: "مستحيل سأحترم الدستور".

 

 

وتابع: "أقسمت على الدفاع عن الدستور. وسأقوم بدوري، وأسلم مقاليد القيادة للرئيس المقبل عندما يحين الوقت".

 

بوتسوانا أول الديمقراطيات الأفريقية

على الطريقة نفسها تعد بوتسوانا إحدى البلدان الأفريقية الديمقراطية، وهي بلد يقع جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا الجنوبية، وإحدى دول الكومنولث وبحسب موقع دويتش فيله، فإن سب قيام ديمقراطية بوتسوانا أنها منذ البداية كان لديها انتخابات حرة ونزيهة في ظل نظام ديمقراطي متعدد الأحزاب، ولم تضطر أحزاب المعارضة إلى الاختفاء أو الخوف، ولم تكبل أصوات المعارضين في يوم من الأيام.

في أفريقيا.. الرئيس من القصر إلى القبر

 

 كما أن النظام القانوني المستقل في البلاد أعطى الحرية للقضاة أن ينطقوا بأحكام نزيهة ضد الحكومة في قضايا حساسة، وقبلت الحكومة ذلك.

 

 

وأضاف الموقع: احتلت بوتسوانا لعدة سنوات الدولة الخامسة في العالم في مؤشر مكافحة الفساد لمنظمةالشفافية الدولية، وحاليًّا تحتل المرتبة الـ35، مما يجعلها أعلى دولة إفريقية وضعت في مؤشر مكافحة الفساد.

 

 

ديمقراطية صاعدة

وطبقاً للبيانات المتاحة؛ فإنّ الفترة من يناير 2015م حتى ديسمبر 2016م شهدت أكثر من 35 منافسة انتخابية، ما بين رئاسية وتشريعية بأنحاء القارة، وهو مايراه الدكتور حمدي عبد الرحمن المتخصص في الدراسات الأفريقية، مؤشر لإتجاه أفريقيا نحو الديمقراطية.

 

وفي دراسة له منشورة يونيو 2016 بموقع قراءات إفريقية، يشير عبد الرحمن إلى أن الديمقراطية الإفريقية بدأت في التصاعدٍ منذ عام 1990م، وإن كانت كما يسميها نيك تشيزمان » في كتابه: (الديمقراطية في إفريقيا النجاحات والإخفاقات...) الصادر عن دار نشر جامعة كامبردج عام  2015 إجرائية بحيث يوجد تعددية حزبية من الناحية القانونية، وتجرى الانتخابات بشكل دوري لكن البيئة ليست ديمقراطية على النحو المطلوب.

 

وبحسب الدراسة فإن وتيرة عمليات التحول الديمقراطي في أفريقيا ارتفعت في الألفية الجديدة؛ وفي بعض الأحيان تغلبت صناديق الاقتراع على الانقلابات العسكرية من حيث عمليات العنف والدمار المصاحبة لها.

 

 

معايير الحكم الرشيد

 

ووفقا للقياس الذي أجرته مؤسسة محمد إبراهيم المعنية برصد معايير الحكم الرشيد في أفريقيا فإن بلدان القارة وباستثناء «الدول الفاشلة»، مثل: (الصومال وجنوب السودان)، يمكن تقسيمها إلى ثلاث مجموعات من حيث احترام الدستور وتطبيق معايير الحكم الرشيد.

معدل معايير الحكم الرشيد بأفريقيا حسب ما نشرته مؤسسة محمد إبراهيم

 

أولي المجموعات التي لفتت لها تقارير المنظمة هي دول أنشأت نُظماً ديمقراطية حرّة وتنافسية، مثل: (بوتسوانا، وبنين، وغانا، وموريشيوس، والسنغال، وجنوب إفريقيا، والرأس الأخضر، وتونس)، وبحسبها فإنه من المرجح استمرار هذه الدول في تحقيق مكاسب ديمقراطية جديدة، رغم الضعف التي تعانيها بعضها من الناحية المؤسسية.

 

أما المجموعة الثانية بحسب المؤسسة فهي دول يوجد بها قيادات ذات نزعة استبدادية، تحاول جاهدة الصمود ضد أحزاب المعارضة التي تحظى بشعبية متزايدة، مثل: (بوروندي، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وأوغندا، وزيمبابوي)، وتتذبذب هذه الدول بين المكاسب التي تحققها المعارضة والقمع السلطوي من جانب الحكومة.

 

وبحسب المؤسسة فإن المجموعة الثالثة تشمل دول أنشأت حكوماتها الاستبدادية سيطرة قوية على أنظمتها السياسية؛ ولذلك ينتاب هذه النُّظُم دوماً خوفٌ بالغٌ من إجراء الانتخابات، مثل (الكاميرون، وتشاد، ورواندا) وغيرها، يتمتع رئيس الدولة فيها بسُـلطةٍ كبيرة، وهو ما يمكن معه وصف هذه المجموعة بالنُّظُم الأوتقراطية المستقرة، ومع ذلك: يبدو هذا الاستقرار ظاهريّاً، ولعل سقوط أنظمة حكم: (مبارك في مصر، وبن علي في تونس، وكومباوري في بوركينافاسو) تؤكد هذا المعني بحسب نص تقرير المؤسسة.

 

ديمقراطية معيبة

ورغم ميل كثير من الباحثين في الشؤون الأفريقية إلى القول بنمو بذور الديمقراطية ببعض بلدان القارة إلى أن هناك مظاهر تفردت بها أفريقيا بعدم احترام نتائج التصويت والالتفاف على تلك النتائج كما حصل في زيمبابوي عام 2008.

 

وقتها لم يفز الرئيس المنتهية ولايته روبرت موغابي، فلجأ إلى التفاوض مع المرشح الفائز، مورغان تسفانغراي، ومنحه منصب رئيس الوزراء، وهو ما حدث أيضا كينيا وقتها بنفس الطريقة وفي نفس السنة؛ حيث خسر الرئيس المنتهية ولايته، مواي كيباكي، أمام منافسه، رايلا أودينغا، فجرت مفاوضات بينهما انتهت بالإبقاء على المرشح الخاسر رئيسًا للبلاد وتعيين المرشح الفائز رئيسًا للوزراء.

 

وبالمثل أعطت كوت ديفوار نموذجًا آخر في التعاطي مع نتائج الانتخابات الرئاسية، سنة 2010؛ حيث رفض الرئيس المنتهية ولايته والخاسر في الانتخابات، لوران غباغبو، النتيجة وأعلن نفسه خلال حفل رسمي رئيسًا للبلاد، في 4 ديسمبر 2010، وفي نفس اليوم أعلن المرشح الفائز، الحسن واتارا، وفي حفل رسمي آخر، نفسه رئيسًا لتصبح البلد محكومة من طرف رئيسين لمدة خمسة أشهر قبل أن تتدخل فرنسا وتفرض فوز الرئيس، واتارا، ويتم اعتقال غباغبو وتسليمه لمحكمة العدل الدولية بلاهاي.

 

ولا تقتصر الممارسة غير الديمقراطية الإفريقية على هذه النماذج فتتفرد القارة بما يمكن تسميته: "الديمقراطية بالتوريث"، كما حصل في جمهورية الكونغو الديمقراطية؛ حيث تولى جوزيف كابيلا الحكم بعد وفاة أبيه لوران كابيلا، وفي توغو، تولى إيسوزيما أياديما الحكم سنة 2005 بعد وفاة والده، غناسينغبي أياديما، وفي الجابون، تولَّى علي بونغو الحكم بعد وفاة والده، عمر بونغو.

 

وبالعودة للدكتور مجدى عبد الرحمن يؤكد أنه يمكن القول بأنّ المكاسب السياسية التي تحققت في كثيرٍ من الدول الإفريقية, مثل: (غانا، والسنغال، وموريشيوس)، تفوق بكثيرٍ ما تحقق في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين.

 

ويقول عبد الرحمن إن "أفريقيا بحاجةٍ اليوم إلى سياسات لمحاربة الفقر والتهميش وتمكين الشرائح الفقيرة، ومن ثم فإنّ مستقبل الديمقراطية في إفريقيا يرتبط بإعادة صياغة النموذج الديمقراطي؛ بما يحرره من انحيازاته المعرفية الغربية، ويجعله أكثر ارتباطاً بالسياق الحضاري الإفريقي”.

 

مقالات متعلقة