بالغارة المشبوهة.. عمارة يذود عن حِيَاضِ الأزهر

الدكتور محمد عمارة وكتابه الغارة المشبوهة

فى كتابه "الغارة المشبوهة على التعليم الديني بالأزهر" الصادر كملحق للعدد الأخير لمجلة الأزهر يونيه 2017، عكف الدكتور محمد عمارة عضو هيئة كبار العلماء، على دحض الشبهات التى تثار ضد الأزهر بدءً من تحميله مسئولية بروز ظاهرة الإرهاب، مرورا بالطعن فى مذهبه الأشعري الذى وصفه بأنه مذهب 99 % من أهل السنة والجماعة، نهاية إلى مطالبة البعض بإلغاء الأزهر كلية.

 

 جاء الكتاب في 144 صفحة، مقسم إلى عدة فصول، تناول الفصل الأول الحملة الشرسة ضد الأزهر، وضد المذهب الأشعري، كما رد المؤلف على دعاوى تعصب الأزهر للمذهب الشافعي، وأن التعليم الأزهري يصب فى مصلحة الجماعات الراديكالية، واختتمه بالتأكيد على أن المذهب الأشعري يعبر عن وسطية الإسلام وهوية الأمة.

 

وتحدث الفصل الثاني عن تجاهل الخطابات الدينية العنصرية عند الآخرين، وأغراض المرجفين من الهجوم عن الأزهر وشبهات الفضائيات.

 

وفي الفصل الثالث ساق المؤلف شهادات زعيم الأمة سعد زغلول باشا، وعميد الأدب العربي طه حسين، عن التعليم الأزهري، كما ذكر شهادات السنهوري باشا، والمستشرق الإيطالي دافيد سانتيلانا، والمستشرق شاخت جوزيف، ودفاع محمد حسين هيكل باشا عن التشريع الإسلامي والخلافة الإسلامية، كما أورد المؤلف شهادات قبطية عن الحضارة الإسلامية وفتح مصر منها شهادة البابا شنودة لتاريخ الإسلام.

 

وبين طيات الكتاب كشف الدكتور عمارة ، أن القائمين على ما أسماها بالحملة الظالمة انتقوا من مناهج الأزهر التعليمية كلمة من هنا وكلمة من هناك، وعزلوها عن سياقها العام، وعن الكليات الفكرية الحاكمة لها، ثم حولوها إلى "مانشتات" للصحف وعناوين المقالات، وموضوعات لحلقات فضائية، بهدف تشويه صورة الأزهر، وتبرير دعواتهم الشاذة إلي إلغاء التعليم الأزهري من الأساس.

 

 وشدد المؤلف على أن الهدف من وراء الهجمة على التعليم الأزهري ، هو حرمان الأمة من المصدر الذي نلتمس عنده منابع الدين الذي تتدين به: القرآن وعلومه.. والعقيدة وعلومها.. والشريعة وعلومها.. والعربية وآدابها، وعلمنة المجتمع علمنة متطرفة، وإحلال الحداثة الغربية في الفراغ الذي ينشأ عن إلغاء التعليم الديني.

 

وأشار إلى أن مصر في أربعينيات القرن الماضي لم يكن بها سوى ست معاهد دينية، وعقب هزيمة 1967 سعت الأمة المصرية دولة وشعبا إلي إنشاء أكثر من تسعة آلاف معهد ديني غطت كل أنحاء البلاد، ولذا فإن الدعوة المشبوهة إلي إلغاء التعليم الديني بمصر تعتبر خروجا على إرادة الأمة كاملة، ومحاولة لإيجاد فراغ ديني وأخلاقي يتمدد فيه الغزو الفكري الأجنبي، وهو الأمر الذي لن يسمح به شعب مصر.

 

العقل الأشعري

 وفى رده على اتهام العقل الأشعري الأزهري بالتسبب فى الإفقار الكامل لكل من الطبيعة والسياسة والعقل، طالب عمارة بالنظر في إبداعات بعض من رموز هذا المذهب، للتعرف على  موقفهم من العقل والعقلانية وموقفهم من السياسة والاجتماع.

 

وأضاف عضو هيئة كبار العلماء، أن حجة الإسلام أبو حامد الغزالي أحد أبرز أعلام الأشعرية، مثُّل ظاهرة فكرية فى عصره وحتى هذه اللحظات نجده المبرز في كشف فضائح الباطنية وخرفاتها وإرهابها الذى روعت به الآمنين، والمبرز فى تقعيد علم أصول الفقه وعلم أصول الدين وهما اللذان جسدا إبداع العقل المسلم في الدراسات الفلسفية، والمبرز فى محاربة نزعة التكفير في كتابه "فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة" و"الاقتصاد في الاعتقاد"، والمبرز فى صياغة العقلانية المؤمنة، التى عقد لها كتابا فى موسوعته الفذة "إحياء علوم الدين".

 

 كما كان الغزالي مبرزا فى حديثه عن ضرورة الفنون ومنها فنون السماع والموسيقى والغناء، وفي السياسة عقد حجة الإسلام في موسوعة "الإحياء" كتابا للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، هو مبحث فى فقه مقاومة الاستبداد ، الذى أورد فيه الأحاديث النبوية التى تعظم شورى الأمة كى تحاصر أمراء الاستبداد والمستبدين.

 

وتساءل بعدها عمارة  قائلا: "هكذا تحدثت الأشعرية.. وهكذا جاء خطابهم في مختلف مناحي الفكر والسياسة والاجتماع، فهل هذا الخطاب، وهذا الفكر يجب تفكيكه؟! ، أو أننا إزاء جهالات مركبة لا علاقة لها بفكرية الأمة وهويتها، التى جعلها الأزهر مذهبه ورسالته على مر تاريخه العريق؟!.

 

أشار إلى أن علماء الأزهر ومن بينهم عمر مكرم تصدوا للحملة الفرنسية وأجبروها على الرحيل بعد عامين ، كما أقاموا مجلس الشرع الذى قاد الأمة في الصراع ضد مظالم الوالي التركي خورشيد باشا، فأعلنوا عليه الحرب  وحاصروه مع جنوده في قلعة صلاح الدين، ليعلنوا لأول مرة في تاريخنا الحديث مبدأ أن الأمة هى مصدر السلطات.

 

ومن الأزهر خرجت دعوات التجديد للبلاد والأمة، على لسان الشيخ حسن العطار، الذى قال: " إن بلادنا لا بد أن تتغير ويتجدد بها من العلوم والمعارف ما ليس فيها"، ومع توليه مشيخة الأزهر أنشأ صحيفة " الوقائع المصرية"، سنة 1830.

 

وقد تربى رفاعة رافع الطهطاوي على المذهب الأشعري وأصبح إمام اليقظة الشرقية الحديثة  والأب الحقيقي للشعب المصري في المعارف والثقافات. كذلك الشيخ محمد عبده، المهندس الأول لفكر المدرسة الإصلاحية الحديثة التى عملت من خلال الأمة، الذى أقام منهاجه في التجديد على استلهام تراث الأمة في عصر ازدهار حضارتها، وليس على القطيعة مع هذا التراث.

  

 بعدها سرد الدكتور عمارة قائمة بأسماء أعلام المدرسة الإصلاحية الأشعرية الذين مثلوا منارات فكرية سطعت أنوارها على مختلف أقطار عالم الإسلام، أمثال عبد العزيز جاويش ، وعبد الحميد الزهراوي، وعبد الوهاب النجار، و محمد مصطفى المراغي، ومصطفى عبد الرازق، وعبد المجيد سليم، ومحمد الخضري، وعبد الجليل عيسى، ومحمد الخضر حسين، أحمد إبراهيم، ومحمد أبو زهرة ، وعبد الوهاب خلاف، وعلى الخفيف، وأمين الخولي، ومحمد المدني ، ومحمد البهي، وأحمد حسن الباقوري ومحمد الغزالي.

 

 ليبرهن بذلك عضو هيئة كبار العلماء على أن المذهب الأشعري المتجدد هو التعبير الأدق عن وسطية الإسلام، وهوية الأمة وذاتيتها العقدية والفكرية.

 

 كما تطرق عمارة فى كتابه إلى الرد على شبهات أن مناهج الأزهر لا تعترف بالآخر، مؤكدا أن أصحاب هذه الشبهات تجاهلوا أن التعليم الأزهري قائم على حفظ القرآن وتفسيره الذي يعلم قارئه الاعتراف بكل ألوان الآخر، وأن المسلم لا يفرق بين أحد من رسله، ويعتبر الشرائع السماوية المتعددة تنوعا في إطار دين الله الواحد، ويؤمن الذين يتعلمون بالأزهر بكل العقائد، بينما لا يعترف غير المسلمين بالإسلام دينا سماويا، ولا بكتابه وحيا إلهيا ولا نبيه رسولا من عند الله.

 

الجهاد

و نفى الدكتور عمارة  شبهة أن التعليم الأزهري يختزل الجهاد في القتال فقط، مؤكدا أن طلاب الأزهر يتعلمون أن 99 % من الجهاد لا علاقة له بالقتال، وأن من الجهاد، جهاد النفس، والشيطان، والشهوات، والصبر على الابتلاء، والاجتهاد في ميادين العلم، والفكر وطلب العلم، والإنفاق في سبيل الله، وبر الوالدين، والحج والعمرة.. ولذا كان الجهاد واجبا على المسلمين كافة، بينما القتال فرض كفاية، له شروطه وأهله، وهو خاص بالدفاع عن الدين والوطن لرد الاعتداء.

 

كما رد الدكتور محمد عمارة على دعوى تعصب الأزهر للمذهب الشافعي تبعا للدولة الأيوبية، إلى حد الإفتاء بتكفير المذاهب الأخرى، مؤكدا أنها فِريةٌ تٌجسِّدٌ الجهالات التى تحولت في واقعنا الإعلامي إلي مقالات في الصحفي وبرامج في الفضائيات.

 

وأوضح أن المدارس التى أقامتها الدولة الأيوبية لتنهض بالإحياء السني على أنقاض المذهبية الباطنية للشيعة الإسماعيلية الفاطمية، لم تكن مدراس شافعية فقط، ففي الوقت الذى بدأ فيه بناء المدرسة الناصرية لتدريس الفقه الشافعي أمر صلاح الدين ببناء مدرسة للمالكية، وقامت المدرسة الفضيلية لتدريس الفقه في المذهبين، ورغم قلة عدد الأحناف في مصر فقد أسس لهم صلاح الدين مدرسة في القاهرة عام 1176.

 

 احتقار المرأة

وفي رده على  دعوى أن التعليم الأزهري يعلم الناس احتقار المرأة والحط من منزلتها، أشار الدكتور محمد عمارة في كتابه ، إلى أن طلاب الأزهر يتعلمون أن الرجل والمرأة خلق من نفس واحدة، وأن المرأة شاركت في بيعة العقبة، وتولت ولاية الحسبة على الأسواق في حياة النبي وفي خلافة عمر بم الخطاب، بل شاركت فى القتال بأحد وخيبر واليمامة وغيرها من الغزوات.

 

ويتعلمون أيضًا أن حفظة أم المؤمنين قد ائتمنت على حفظ النسخة الأولي للقرآن، وأن المرأة روت الحديث النبوي فساوت الرجل في حمل أمانة الدين وتبليغه والحفاظ عليه، وأن عصر النبوة قد عرف خطيبة النساء أسماء بنت عمرو بن عدي الأنصارية التى كانت تهز أعواد المنابر، كما كانت سمية بنت خياط أول شهيد في الإسلام.

 

وشدد على أن النخبة والصفوة التى تربت فى مدرسة النبوة قد أحصاها العلماء، فبلغ تعدادها نحوا من ثمانية آلاف، كان بينهم أكثر من ألف من النساء ، وهى أعلى نسبة من القيادات النسائية أفرزتها أية نهضة من النهضات التى عرفها التاريخ ، ولذلك لم يكن غريبا أن تبدأ الجهود لتحرير المرأة في العصر الحديث من داخل الأزهر على يدي رفاعة الطهطاوي والإمام محمد عبده.

 

مقالات متعلقة