ملحدون لهم الجنة

محمد طلبه

ريهام السهلي نموذج لحالة الإعلام المصري الآن، يصعب على الكافر، مع ريهام وأخواتها يمكننا أن نثبت مقلوب نظرية داروين، ونتواطأ على الاعتراف بها مؤمنين وكفارًا..

كاتب السطور مؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ويرى أن الإلحاد "وهم" تخلقه ظروف التجربة القاسية مع نماذج حيوانية من المتدينين "الشرفاء"، أو هو افتراء الملحد وإنكاره لما تدركه حواسه وحدسه، وفي الحالين هو ضرب من التفكير الخرافي الذي يتحايل على قوانين الحياة والكون، وينكر ضوء الشمس في رابعة السماء.

 

هذا عندي.. أما لدى الملحد فالإلحاد عقيدة : يفتريها، يحتمي بها من تدين مغشوش، يواجه بها بشر من الإسمنت المسلح.. يتاجر فيها بالكيلو.. يتقرب بها إلى الله..! هو حر فيما يرى، الله جل شأنه أنصفه منا برحمته، وظلل عليه بنعمائه، يرزقه ويكسوه ويفتح له الأبواب، ويمتعه بقدر سعيه، ثم يفرغ له ولنا، ويرى فيه وفينا ما يرى، هذا شأنه مع من خلق، وليس شأننا ولا شأن ريهام السهلي!

 

إذا كنت ممن أسعدهم الحظ ولم تشاهد حلقة قناة المحور مع الشاب الملحد إسماعيل محمد فاعلم أن مجموعة من سماسرة "بني أمية" قد تكالبوا على شاب واتته الشجاعة ليواجه مجتمعه بإلحاده وهو لا يلوي على شيء: شيخ أزهري (فرز ثالث)، وطبيب نفسي (ماركة: نصحى مع بعض شوية)، ومعهم لواء شرطة، والحاج فرج بتاع الكنافة، "وسلطات بقى وبابا غنوج ومخلل لزوم فتح النفس يعني".

 

موضوع الحلقة كان حقوق الملحدين في وطنهم، ومناسبتها  كانت ذهاب وفد من الملحدين في محاولة لاختراق سراديب العالم السري لصياغة الدستور، المحاولة فشلت، والحلقة أيضا، رفضت لجنة الدستور بزعامة الليبرالي عمرو موسى أن يقابلوا الكفار، (ما عدوك إلا ابن كارك) بينما رحبت ريهام السهلي بأحدهم في برنامجها لتخبره بأنه وزملاؤه غير مرحب بهم في برنامجها وغير مرحب بهم في مصر، ليس لأنهم تجرؤوا على المقام العالي وطالبوا بحقوقهم الدستورية، ولا لأن إقرار هذه الحقوق قد يفتح الباب أمام مزايدات الإسلاميين، ولا حتى لأن توظيف الرفض في معادلة الشارع السياسية قد يأتي ببعض المكاسب "الشرعية" لقادة الانقلاب المؤمنين الذين حاربوا الكفار وهزموهم 6-1 في موقعة قناة المحور، ولكن لأن ريهام السهلي مؤمنة !

 

فجأة يا ابني وبدون سابق إنذار أو إشارة، أو حتى تلويحة باليد تنقلب الحلقة على موضوعها كما ينقلب الجندي على قائده، "ما هي هاصت بقى".. "شوطة" وسرحت في البلد، وابتدا المشوار:

 

- أنت ملحد؟

- إي نعم

- طب ليه كده يا بني؟

- أنا حر

- آه طبعا أنت حر.. بس مين اللي عمل فيك كده؟

- يا ستي أنا جاي عشان حقوقي الدستورية

- دستورية إيه دلوقتي، ده انت كافر، عايزين نشوف الموضوع ده الأول، هو الدستور هيطير؟.. أستغفر الله العظيم أستغفر الله العظيم.. حي ي ي ي ي

- يا ستي!

- ستك مين، أنا مش ستك، أنا مؤمنة

- طب العلم..

- مفيش علم

- طب الحق..

- مفيش حق

- طب العدل..

- مفيش عدل

-- طب سيبيني أرد

- استنى لما فضيلة الشيخ يعرفك غلطك الأول وبعدين ابقى رد !

 

عنها، ومولانا جلس يرص أحجار الإيمان ويشد ويكتم إلى أن تسلطن، والشاب المسكين قاعد بينهما لا يملك من أمر الحلقة شيئا، ذلك لأن المذيعة التي من شأنها أن تمنحه حق الرد، جاءت به لتربيه لا لتحاوره، ثم تتوالى الاتصالات التليفونية، لواء شرطة يوقّع في سجل تشريفات المعركة .. هدف من ضربة جزاء هنا للداخلية، يا كافر يا كافر، ولا مانع من لصق تهمة الطابور الخامس "في الهيصة"، والعملاء والمأجورين "في الزحمة"، وكله بثوابه وكله لوجه الله، وإسماعيل قاعد.. بطل يا ابني والله..!

يتصل طبيب نفسي.. فرصة كشف مجاني يحاول أن يهدرها إسماعيل، فتأبى ريهام إلا "تكتيفه" للدكتور كي يحقنه بتحليل عضل، هدف آخر لحبيبنا من نقابة الأطباء، من لمسة يد احتسبها الحكم "غصب واقتدار"، وإسماعيل قاعد.. لك الله يا "ذبيح" الدستور، فليس مثله أرحم بعباده الملاحدة..!

 

ثم .. ؟ ثم تتصل المذيعة المحترمة بـ "أم" إسماعيل .. !!

.....................................................................

 

سيدة مصرية طيبة مثل أمي وأمك، تحب ابنها وتظن فيمن أتوا به إلى هذا "الكمين" أنهم يشفقون عليه فتشاركهم تقريعه، دون أن تدري أنها تشاركهم في ذبحه، ويجلس الشيخ الأزهري والإعلامية المؤمنة ليشاهدا إسماعيل وهو حائر بين تقديسه لأمه واحترامه لفكرته، وخجله من مُشاهد يجلس الآن متشفيا مزهوا بانتصار كاذب لإيمان أعمى وتدين مغشوش.

 

ريهام السهلي وشيخها وضابطها يجب أن يقدموا للمحاكمة بتهمة ازدراء الأديان، هم والمتأسلمون سواء، ادّعاء التدين لإيهام المشاهد بأن النظام الذي يبيعه أنبوبة البوتجاز بـ60 جنيها نظام مؤمن.. ما الكفر إذن؟!

الدفاع عن الله غطاء للدفاع عن السيسي وعصابة الدستور.. التجارة بمشاعر الناس الإيمانية بدلا من الانحياز لحقوقهم..و ما "بدا"  كان أعظم!

 

عندي من الردود على إسماعيل ما يكفيه، لكن هذا ليس بيت القصيد، فأي نقاش وهمي حول الإيمان والكفر الآن لن يكون سوى غطاء رخيص على سياسات قمعية قذرة .

 

أنا أحترم إسماعيل.. أحترم حبه لأمه الطيبة.. أحترم صدقه الذي أبى عليه إلا أن يواجه المجتمع بحقيقة اعتقاده.. أحترم صبره على إيذاء الذين "كفروا" بحقه في الاعتقاد، هكذا تعلمت من محمد، ومن رب محمد، "ولو شاءَ ربُّكَ لآمَنَ مَن في الأرضِ كلُّهُمْ جميعًا أفأنتَ تُكْرِهُ النّاسَ حتى يكونوا مُؤمِنين"؟

 

يا قارئي الذي تغضبه كلماتي.. سيحرمونك حق الإيمان بربك يوم أن يتمكنوا من حرمان إسماعيل من حق الكفر به، فاعلم أن قضية إسماعيل هي قضيتك، واعلم أن خصمكما في هذه المعادلة واحد، واعلم أن الحرية دينها الإنسان، وأن الله جل شأنه قد خلقنا أحرارًا، واعلم –علم اليقين– أن عبادة الله بغير علم ولا عدل، كعبادة الأصنام سواء بسواء.

مقالات متعلقة