رئيس التحرير: عادل صبري 12:38 مساءً | الخميس 28 مارس 2024 م | 18 رمضان 1445 هـ | الـقـاهـره °

قيادة العالم تتسرب من بين أصابع ترامب

جميل مطر يكتب

قيادة العالم تتسرب من بين أصابع ترامب

جميل مطر 14 أغسطس 2017 19:12

لم يأت إلى البيت الأبيض رئيس في جهل دونالد ترامب. يكاد الصحافيون الأميركيون والمراسلون الأجانب يجمعون على هذا الرأي. هذا الرأي وغلبته في أوساط مدينة واشنطن هو الذي دفع السيدة روبين رايت إلى كتابة مقال في مجلة «نيويوركر» تحت عنوان «لماذا يستمر دونالد ترامب غير معني بالعالم الخارجي»؟ تقول رايت في مقالها إنها اتصلت أو اجتمعت بمسؤولين كبار خدموا في ثمانية عهود رئاسية، جميعهم من دون استثناء اتهموا الرئيس ترامب صراحة بالجهل بعامة أو لمحوا إلى ضعف معلوماته عن العالم الخارجي.

تنقل الصحافية المشهورة عن جيفري كيمب عضو مجلس الأمن القومي في عهد الرئيس رونالد ريغان قوله إن الرئيس ترامب لا يملك أي نوع من المعرفة العميقة التي كان يملكها الرؤساء السابقون، أو خرجوا بها من البيت الأبيض. الرئيس يحوز على قدر مخيف من الجهل عن الشؤون الدولية وعن التاريخ وعن ارتباطات أميركا السابقة وعمّا كان يفكر فيه ويفعله الرؤساء السابقون. ثم تنقل عن الجنرال مايكل هايدن المدير الأسبق لوكالة الاستخبارات أن الرئيس ترامب لديه فهم ضئيل جداً لمضمون ما يجري في العالم. الرئيس رجل عديم الصبر «مأخوذ» بالقرارات والحركة... هو غير مهتم بالعالم.

جون ماكلولين، وقد عمل في وكالة الاستخبارات الأميركية في سبعة عهود رئاسية منذ ريتشارد نيكسون حتى جورج بوش وتولى منصب المدير بالنيابة، يحكي أن الرئيس ترامب يعتقد جاداً أن قطعة حلوى الشوكولاته التي تشاطرها مع الرئيس تشي في منتجع «مارا لاغو» في فلوريدا كانت السبب في إقامة علاقة بين الرئيسين. ترامب هو الرئيس الأقل إعداداً وتدريباً على السياسة الخارجية في تاريخ البيت الأبيض. يضيف ماكلولين «قيادتنا للعالم تتسرب من بين أصابعنا». في هذا المعنى نفسه يصف الجنرال هايدن الولايات المتحدة بـ «القوة الأشد تخريباً في العالم اليوم». أما جون نيغروبونتي أول مدير للأمن القومي فيتهم الرئيس ترامب بأنه «أهمل عن عمد منظومة الأمن القومي، وسوف يدفع الثمن غالياً».

أتخيل مشفقاً حال القلق التي يعيش فيها المتخصصون الأميركيون في الشؤون الخارجية. أتصور مدى الجزع الذي يصيبهم عند كل لقاء يجمع رئيسهم برئيس أجنبي، خصوصاً إذا كان فلاديمير بوتين هو هذا الرئيس الأجنبي. بل تصوّرت وصدق توقعي عن اللقاء العائلي والشخصي جداً الذي جمع ترامب بنتانياهو وبدا خلاله المسؤول الإسرائيلي مزهواً بما حقق. المشكلة بالنسبة إلى كبار المسؤولين في وكالات الاستخبارات الأمـــيركية ولجان الأمن القــومي في مجلسي الشيوخ والنواب متعددة الجوانب. فالرئيس، لأنه لم يتدرب التدريب الكافي سرّب معلومات سرية مهمة لأكثر من زائر أجنبي. والرئيس، لأنه عميق الجهل بالشؤون الخارجية، يضع أميركا ومصالحها في وضع غير مـــناسب خلال إجـــرائه مفاوضات مع رئيس أجنبي.

نذكر جيداً عند ترحيبه بالرئيس الصيني ورغبته في تمجيد الصين قوله عن الكوريتين إنهما كانتا خاضعتين لإمبراطورية الصين. أيضاً فاته، أو فات مستشاروه، التأكيد على أن السيد تشي ليس رئيس جمهورية الصين الوطنية، وأن السيد إيب رئيس وزراء في حكومة اليابان وليس «رئيس الجمهورية اليابانية». ربما لم يدر بخلد مساعديه أن الرئيس الأميركي لا يعرف أن اليابان ليست جمهورية. الرئيس يفضحهم ويفضح البيت الأبيض كله عندما يدلي بمعلومات كهذه زائفة أو خاطئة.

كان يقال لنا ونحن نطلب العلم عند خبراء العلاقات والصراعات والمفاوضات الدولية: حذار أن تنطقوا بمعلومة تكشف جهلكم بقوة أو طبيعة الخصم. حذار أن تبالغوا أو تكذبوا. الأفضل الصمت عن أن يكتشف الطرف الآخر نقاط الضعف في معلوماتكم واستعداداتكم. تذكّرت هذه التحذيرات وأنا أستمع إلى الرئيس الأميركي يشيد بجهود حكومة السيد سعد الحريري في محاربة «حزب الله وداعش». قدّرت يومها أن الرئيس لم يسأل أو يقرأ عن الرئيس الضيف وبلده قبل اللقاء، أو أنه لا يسمح لأحد من مستشاريه تلقينه ما يجب أن يقول وما لا يجب. ومع ذلك يبقى مدعاة للسخرية أن رئيس دولة غربية، وأميركا تحديداً، لا يعرف الفرق بين نابليون الذي غزا مصر وفلسطين وأخضع كل أوروبا ونابليون الثالث.

أستطيع أن أفهم مشاعر مواطن أميركي يريد أن يجنب وطنه مآسي يتسبب فيها رئيس جاهل وأيضاً يصرّ على أن لا يسأل ويستشير مستشاريه ومساعديه. راحت الصحافية روبين رايت تسأل كبار المسؤولين الذين عملوا طويلاً في أجهزة الدولة، خصوصاً في قطاع الاستخبارات الذي يكرهه الرئيس ترامب لغير ما سبب مقنع، تسألهم عما يجب أن يحفظه الرئيس عن ظهر قلب. اختاروا نصائح أربعاً ليحفظها حفظاً كطالب في مدرسة ابتدائية. الأولى، أن الروس ليسوا ولن يكونوا أصدقاء لأميركا. الثانية، لا تهمل الأوروبيين فينعزلون أو يبتعدون عن أميركا. الثالثة، شجع حركات حقوق الإنسان ولا تزر دولة لا تحترم هذه الحقوق. الرابعة، لا تعتمد على الحلول العسكرية لمشكلات أميركا الخارجية، فالبدائل العسكرية للحلول السلمية محدودة ومكلفة وليست مضمونة النتائج.

يبدو من تقرير السيدة روبين ومن ملاحظتنا الشخصية ومن شهادات مسؤولين عديدين أن الشهور الستة الماضية لم تكن مدة كافية لتدريب الرئيس الأميركي الجديد. ما يهمني حقيقة هو انعكاس هذا التقصير على أوضاع الشرق الأوسط في الحاضر والمستقبل. أخلص إلى أمرين، أولهما أن روسيا المطمئنة إلى جهل ترامب بالمشكلات الدولية استغلت الشهور الستة الماضية لتتوسع في الشرق الأوسط. طريقها إلى النفوذ المترامي يمرّ الآن بتركيا العضو في الناتو وبسورية وإيران. سرّبت لنفسها قاعدة عسكرية شبه دائمة في سورية. وفي أوروبا عادت تمارس نفوذاً مألوفاً، فهي تفرض عقوبات على دولتين في شرق أوروبا، والرئيس الروسي يستعد لكسب انتخابات رئاسية لسنوات ست أخرى، معتمداً على انتصاره في معركة حملة انتخابات الرئاسة الأميركية التي فاز فيها الرئيس ترامب.

الأمر الثاني الذي خلصت إليه أن مع استمرار تدهور عناصر القوة الناعمة الأميركية لأسباب كثيرة بينها ممارسات الرئيس ترامب، تراجع في شكل ملحوظ اعتماد أميركا على الديبلوماسية لحل مشكلات الخارج وازداد اعتمادها على القوة العسكرية كما تشير الإحصاءات الجديدة عن النشاط العسكري الأميركي في إفريقيا وأفغانستان وليبيا واليمن والعراق وسورية وغيرها. لا مفاجأة في هذه الخلاصة، فالشعبوية التي ينتهجها ترامب وبوتين وكثيرون من حكام العالم في الآونة الأخيرة لا بد أن تعتمد في النهاية على عسكرة العمل الوطني في المجال الدولي، وعسكرته في المجال الداخلي عاجلاً وليس آجلاً.

 

--- 

نقلا عن صحيفة  الحياة اللندنية

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان