أكد وزير الدفاع الإسرائيلي السابق "موشيه آرنس" أن إسرائيل نجحت في تحطيم جدار العزلة العربية، فبات الرئيس المصري ينظر إليها على أنها حليف في مواجهة "الإرهاب الراديكالي"، بينما ينظر إليها حكام السعودية على أنها حليف محتمل ضد إيران، فيما يعتبرها النظام الهاشمي الضمانة الوحيدة لبقائه حاول ظهور خطر وجودي يتهدده.
مع ذلك أكّد "آرنس" في مقال بصحيفة "هآرتس" بعنوان "السلام قادم ببطء"منشور بتاريخ 1 نوفمبر 2016 أنه ليس هناك قائد فلسطيني واحد يمكنه أن يفرض على شعبه السلام مع تلك أبيب، مثلما فعل غيره من الزعماء العرب. مختتما مقاله، بالتأكيد على أن الظروف قد تتغير ويصبح السلام مع الفلسطينيين ممكنا.
إلى نص المقال..
الجبهة العربية ضد دولة إسرائيل التي بدأت في 1948 تتلاشى تدريجيًا، بدأ ذلك في معاهدة السلام مع مصر التي وقعت عام 1979- وهو الحدث الذي ينظر إليه الآن كماض عتيق- واستمر بمعاهدة السلام مع الأردن قبل 15 عاما في 1994. مر 22 عاما منذ ذلك الوقت. استمرت المسيرة، لكن ببطء شديد، ومثلما كان متوقعا، في ضوء حقيقة أن الشرق الأوسط العربي يتكيف تدريجيا على وجود دولة يهودية داخله.
حدثت مؤخرا تغيرات ما كان يمكن أن يخطر مثلها على البال في السابق. الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي اضطر لمواجهة تهديد الإرهاب الإسلامي الراديكالي والمعارضة التابعة للإخوان المسلمين، يرى في إسرائيل حليفا في الصراع ضد عدو مشترك.
حكام السعودية، القلقون من تنامي قوة آيات الله في إيران، ومن برنامجها النووي، يرون في إسرائيل حليفا محتملا في مواجهة تهديد مشترك. كذلك إذا ما أخذنا في الحسبان، حقيقة أن النظام الهاشمي الأردني يرى في إسرائيل منذ سنوات الدعامة الأخيرة في حالة وجود خطر وجودي- فسوف يتضح حدوث تحولات تكتونية فيما يتعلق بإسرائيل. هذه التحولات تبشر بالخير في كل ما يخص التقدم نحو السلام بين إسرائيل وجيرانها.
التناحر الديني والقبلي- الذي كان العنصر السائد في الأحداث التي شهدها الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة- هو السبب الرئيس في تغير علاقات عدد من حكام الدول العربية بإسرائيل. يحدث هذا التغير انطلاقا من إدراك القوة العسكرية والاقتصادية لإسرائيل، التي جعلتها عنصرا محوريا على الساحة الشرق أوسطية.
لا يجب علينا أن ننسى هشاشة تلك التغيرات. فمن غير الواضح على الإطلاق إن كان غالبية السكان في مصر والأردن يؤيدون السلام مع إسرائيل، أو أن الجماهير السعودية شريكة في التغير للأفضل الذي طرأ على موقف النظام من إسرائيل. ليس في ذلك أي تجديد. فالسلام مع إسرائيل لا يعكس بالضرورة رغبة شعبية، بل رغبة الحكام، الحريصين على البقاء والمستعدين لفرض السلام على الجماهير في بلادهم.
تلك التطورات، التي ينظر إليها الكثيرون كأمر مفروغ منه، لا تواسي الإسرائيليين تحديدا الذين يسعون للسلام مع الفلسطينيين ويريدون تخليص إسرائيل من وصمة "الاحتلال" في الضفة الغربية.
الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الذي ينظر إليه على مدى سنوات طوال كسبب لغياب السلام عن الشرق الأوسط برمته، فقد مكانته هذه في أعقاب التغيرات التي طرأت بالمنطقة وتراجعت أهميته بشكل كبير على جدول أعمال الكثير من الحكام العرب . لكنه مازال يتصدر سلم أولويات معظم مواطني إسرائيل.
من الأهمية بحال تفهم أسباب طبيعة الصراع غير القابلة للحل حتى الآن. أحجارالأساس التي اعتمدت عليها معاهدات السلام مع مصر والأردن، أو التغيرات التي طرأت على العلاقات مع السعودية مفقودة في الحالة الفلسطينية.
منذ رحيل ياسر عرفات لم يظهر زعيم فلسطيني يمكنه أن يفرض السلام مع إسرائيل على الشعب الفلسطيني. وخلافا لحكام مصر والأردن، اللذين يعملون لضمان عدم استغلال عناصر معادية لحدودهم مع إسرائيل بهدف الهجوم عليها- لا يوجد على ما يبدو أي فلسطيني اليوم، قادر على ضمان آمر مماثل حال قيام دولة فلسطينية بالضفة الغربية.
لا زالت الأحداث التي أعقبت فك الارتباط الإسرائيلي عن قطاع غزة حاضرة وبقوة في ذاكرة غالبية مواطني إسرائيل. فحماس، التي تحكم القطاع، وتحظى بدعم ملحوظ في الضفة الغربية، لا تلتزم بالسلام مع إسرائيل، بل بتدميرها.
كيف يمكن التوصل للسلام مع الفلسطينيين في ظل هذه الظروف؟ يجب أن تتغير (الظروف). للأسف الشديد، لا يمكن لإسرائيل تغييرها، لكن قد تتغير. فكما رأينا، الأمور تتغير في الشرق الأوسط، لكن هذا يستغرق وقتا.
موشيه آرنس- ولد في 27 ديسمبر 1925، شغل العديد من المناصب في إسرائيل بينها وزير الدفاع ثلاث مرات ووزير الخارجية، وسفير إسرائيل بالولايات المتحدة، ورئيس لجنة الأمن والخارجية بالكنيست، ونائب عن حزب الليكود.
الخبر من المصدر..