رئيس التحرير: عادل صبري 08:02 صباحاً | الجمعة 19 أبريل 2024 م | 10 شوال 1445 هـ | الـقـاهـره °

فورين أفيرز: وستفاليا لا تصلح للشرق الأوسط

فورين أفيرز: وستفاليا لا تصلح للشرق الأوسط

صحافة أجنبية

صلح وستفاليا وقعت عام 1648

فورين أفيرز: وستفاليا لا تصلح للشرق الأوسط

إكرام يوسف 29 أكتوبر 2016 21:28

استعرضنا مؤخرا مقالا نشرته مجلة "فورين أفيرز" بقلم "مايكل اكسويرثي، وباتريك ميلتون" يرى أن معاهدة وستفاليا، التي اختتمت حرب الثلاثين عاما في أوروبا يمكن أن تساعد في وضع حد للصراعات عميقة الجذور في منطقة الشرق الأوسط".

 

وفي حين دحض الكاتبان التفسير التقليدي لـ"ويستفاليا" باعتبارها بشرت بالنظام الحديث للدول القومية- إلا أنهما أشادا بآلياتها لتسوية المنازعات خارج الإقليم ونظام الأمن الجماعي.

 

وأشارا إلى هذه الرؤية المحدثة لمعاهدة وستفاليا يمكن أن تكون "ليس خطة للسير عليها. . . وإنما دليل وأدوات "للسلام في الشرق الأوسط.

 

 

غير أن المجلة، عادت لتنشر رؤية معارضة توضح أن مثل هذا الإطار سوف يفشل في الشرق الأوسط:

فكتب "سليم كان ساجاك" يقول إن صاحبي فكرة الاسترشاد بالمعاهدة، خانهما التوفيق عند ترتيب السببية؛ فمعاهدة السلام، في حد ذاتها، لم تحقق السلام، ولكن وجود أربعة ديناميات مهمة، هو ما أدى إلى نجاح آليات معاهدة السلام: علمنة السياسة، وتجانس الأنظمة السياسية، واستيعاب الاختلافات، واستبعاد المنافسات.

 

كما أكد مهندس نظرية الواقعية، "هانز مورجنثاو" في مقال عام 1948، تحت عنوان "إعادة النظر في مشكلة السيادة" أنه بحلول نهاية حرب الثلاثين عاما " كانت السيادة باعتبارها السلطة العليا على منطقة معينة، حقيقة سياسية، تدل على انتصار الأمراء الإقليمية على السلطة الشاملة للإمبراطور والبابا ".

 

وبعبارة أخرى، فإن نظام ويستفاليا للدول ذات السيادة خلق النظام العلماني. فلا عجب أن يغضب البابا إنوسنت العاشر من معاهدة السلام ويعلن أنها "تافهة، وباطلة، وفاسدة، وجائرة، وشريرة، وملعونة، وفاسقة، و فارغة من المعنى والتأثير في جميع الأوقات."

 

 

ويرى ساجاك أن القفزة إلى النظام العلماني حدثت عبر العنف في الحروب الدينية في أوروبا، التي امتدت لأكثر من قرنين، من حروب (1419-1434) إلى حرب الثلاثين عاما (1618-1648). وما أن حلت خلافاتها الدينية، حتى كان التجانس قد تم بين كافة الأنظمة السياسية تقريبا. وتم القضاء على "المختلف" ، أو طورد إلى المنفى، أو انصاع اثر الهزيمة.

وعلى سبيل المثال، يقدر المؤرخون أن ما يصل إلى ثمانية ملايين من المدنيين قتلوا في ألمانيا خلال حرب الثلاثين عاما ". وحتى وفق أكثر التقديرات تحفظا التي تشير إلى قتل ما يتراوح بين ثلاثة الى اربعة ملايين، قضت الحروب على حوالي خمس سكان الإمبراطورية الألمانية المقدسة.

وبالمثل، في فرنسا، قتل أكثر من ثلاثة ملايين في الحروب بين الكاثوليك والبروتستانت الفرنسيين الكالفينيين (1562-1598). وفي الفترة من 1580-1594، انخفض عدد سكان فرنسا بأكثر من 1.5 مليون نسمة - حوالي 10 في المائة. وعند انتهاء الحروب، كان البروتوستانت الهوجوينت، الذين يشكلون أكثر من 10 في المائة من سكان البلاد، قد اختفوا تماما تقريبا. وتحول الكثير ممن نجوا، إلى الكاثوليكية.

وفر آخرون إلى المنفى، في العالم الجديد. وعلى سبيل المثال جاء بول ريفير، وهو من"الآباء المؤسسين" للولايات المتحدة، من جذور هوجوينت.
 

وكان التجانس ضروريا للعلمنة. ونتيجة للتجانس، أصبح من الممكن ترسيم النطاقات الإقليمية الحصرية للأمراء. وبمجرد تجانس هذه الأنظمة السياسية الحاكمة ـ لدرجة اتفاق الغالبية مذهبيا مع الأمير صاحب السيادة، وافتقار الأقلية إلى القدرة على تحدي الوضع الراهن ـ لم يكن هناك ما يدعو لتدخل الأمراء.

 

ومثل البابا الاستثناء الواضح، الذي تتطلب سلطته الدينية التدخل نيابة عن جميع الكاثوليك، في كل مكان. ولكن بمجرد اعتراف الأمراء بسيادة كل منهم، كان هذا الاعتراف يعوق ليس تدخلهم فحسب، وإنما تدخل الزعماء الورحيين. ومن خلال هذا التطور الذي أكدته معاهدة ويستفاليا في وقت لاحق "، من يحكم الإقليم يحدد الديانة" ويحصل على وعد "الغفران الدائم والعفو"

 

 

وفي نهاية المطاف، سمحت هذه النقلة النوعية بإبعاد الصراعات عبر المنافسة الدولية، وبالتحديد: الدافع إلى تجاوز المنافسة مع مواطنيه إلى السباق الاستعماري.

فأصبح قضية مشتركة تحفز التعاون بين المصالح السياسية والاقتصادية والدينية المتنوعة داخل الدولة وبعبارة أخرى، أدى إلى استيعاب الاختلاف وإلى هوية وطنية مشتركة.

ونتج عن الانتقال من شبكة السلطات المتنافسة إلى نظام الاعتراف المتبادل بالسيادات صعود الدولة القومية، مما سمح للمصالح السياسية، والاستثمارية، والدينية للعمل جنبا إلى جنب.

وفي دراسة عن الاستعمار الأوروبي، سلط ديقيد أبرنثي ـ من جامعة ستانفورد ديفيد ـ الضوء على أن هذا "الهجوم الثلاثي للطاقة، والربح، والتبشير" كان وراء التوسع الاستعماري في أوروبا. ومازالت القوى الاوروبية تصارع بعضها البعض، ولكن ميادين المعارك الجديدة في إنجلترا الجديدة، وهولاندا الجديدة، وفرنسا الجديدة، واسبانيا الجديدة.

 

 

فإذا كانت منطقة الشرق الأوسط استطاعت علمنة سياستها، وتحقيق بين ساستها، واستيعاب خلافاتها، وإبعاد المنافسات بينها كما فعلت أوروبا في القرن السابع عشر، لكانت بالتأكيد أكثر أمنا.

ويعتبر الكاتب أن الاستعمار، هو الفارق الحيوي بين أوروبا وقتها والشرق الأوسط اليوم، الذي حال دون تحقيق هذه العناصر الأربعة، وهو السبب أيضا في أن نظام وستفاليا ـ التي لم تكن سببا ولكن نتيجة لهذه التحولات ـ لا يمكن أن يعالج الأسباب الجذرية لمشكلات الشرق الأوسط.

 

ربما كانت أوروبا النظام الجغرافي الوحيد الذي لم تشكل تاريخه الحديث علاقة الهيمنة أو السيطرة، سواء كانت سياسية أو اقتصادية.

ويعتبر الشرق الأوسط مثل أي مكان آخر في العالم، نتاج نظام استعماري على التوالي، من غزو نابليون 1798 مصر، إلى غزو الولايات المتحدة للعراق عام 2003. وهذا لا يعني أن النظم التي فرضها الاستعمار تمثل كل مشاكل الشرق الأوسط.

ولكن تجدر الإشارة إلى أنه ليست هناك حلقة من حلقات العنف في تاريخ الشرق الأوسط الحديث يمكن تفسيرها بشكل صحيح من دون الإشارة إلى الإرث الاستعماري، من الصراع العربي الإسرائيلي المستمر إلى الثورة الإيرانية عام 1979 إلى الربيع العربي والحرب الأهلية الجارية في سوريا.



ولنتأمل فلسطين، "الأرض الموعودة ثلاث مرات". فقد وعد بها العرب، السير هنري مكماهون، الذي شغل منصب المفوض السامي لمصر 1915-1917. ووعد بها السير مارك سايكس ـ الشريك في اتفاقية سايكس بيكو التي قسمت الإمبراطورية العثمانية ـ فرنسا. ووعد بها اليهود، وزير الخارجية البريطاني آرثر جيمس بلفور.

في النهاية، احتفظ بها البريطانيون إلى أن لم يعد ذلك باستطاعتهم، ومنذ ذلك الحين، يتقاتل عليها العرب واليهود. في إيران، كانت الاطاحة برئيس الوزراء المنتخب شعبيا محمد مصدق، بدعم وكالة المخابرات المركزية، المسمار الأخير في نعش نظام الشاه محمد رضا بهلوي، ونقطة حشد الاحتجاجات التي بلغت ذروتها في الثورة الإسلامية.

ويدين العديد من الحكام المستبدين الذين أطاح بهم الربيع العربي، في حكمهم إلى الولايات المتحدة أو الاتحاد السوفيتي، كما فعل أسلافهم، امتدادا إلى مصر الخديوية، وشمال أفريقيا الفرنسية، أو ليبيا الإيطالية.



وكما توضح التجربة الأوروبية، يعتبر تشكيل الدولة الحديثة عملية بطيئة وعنيفة. ففي فرنسا، استغرق الأمر أكثر من قرن ونصف. غير أن الإرث الاستعماري منع - أو بالأحرى، شوه – عمليات التشكيل هذه في الشرق الأوسط.

وبدلا من ذلك، فرض على المنطقة العيش وفق خرائط فرضها المستعمر، طبقا للمعايير الحديثة، أدان العنف السياسي الذي خلق تجانس وعلمنة السياسية الحاكمة في أوروبا.



وعندما أنشئت الدول القومية الكبرى في أوروبا، لم تكن هناك قوى كبرى قادرة على اختراق القارة وفرض وضع راهن جامد ومجزأ، لتحقيق مصالحها. وكان حكام الشرق الأوسط الطموحون: محمد علي والي الدولة العثمانية على مصر، والرئيس المصري جمال عبد الناصر، والعراقي صدام حسين، يشابهون في الطموح الملك البريطاني هنري السابع، والزعيم البروسي أوتو فون بسمارك، وكونت كافور الإيطالي.

ولكنهم ـ على العكس من نظرائهم الأوروبيين، كانوا مثقلين بالعوائق الاستعمارية، وفشلوا في أغلب الأحيان في مواجهتها.

وبالتالي، كما كتب ايان لوستيك أستاذ العلوم السياسية، لم تشهد منطقة الشرق الأوسط "هذا النوع من العنف الذي يمكن من خلاله لبعض تلك الدول الصغيرة أن تصبح معادل العالم الثالث من دوقية موسكو، أو لإقليم بومنتي الإيطالي ،أو بروسيا، أو مملكة وسيكس، أو إيل دو فرانس. "



ولا يعني هذا أن الفرص المؤدية إلى وضع القوة الكبرى التي كانت مفتوحة أمام الأوروبيين، لم تعد متاحة الأن لمنطقة الشرق الأوسط أو أن الاضطرابات في الشرق الأوسط لم تكن بسبب أي خطأ من جانبها.

ولكن يجب الاعتراف أن السلام في الشرق الأوسط سيظل بعيد المنال ما لم تصل المنطقة إما إلى رسم الخرائط السياسية التي تعكس المحددات العرقية والدينية والطائفية، بصورة أفضل أو تتحمل المنطقة الكثير من سفك الدماء، ثم تضطر في نهاية المطاف إلى اعتماد المواقف الإيجابية والتعاونية اللازمة لإقامة السلام.


ويرى كاجاك، أنه ربما يكون من الحكمة أن نتذكر أن وستفاليا مجرد حلقة في سلسلة طويلة من الأحداث من صلح أوجسبورج إلى مؤتمر فيينا، ثم مؤتمر باريس للسلام، إلى مؤتمر سان فرانسيسكو وحتى الوقت الحاضر. ولن يكون لها معنى إلا في سياقها التاريخي السليم.

وكذلك الاضطرابات في منطقة الشرق الأوسط. وليس هناك مثال واحد في التاريخ، حققت فيه مخططات الغرب الكبرى من أجل السلام في الشرق الأوسط، سوى تفكيك ما هو موجود. ولسنا بحاجة إلى مثال آخر.

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان