كنت أظن أنه من الأفضل فى هذه الأيام عدم الخوض فى أمور دينية لكى لا تؤثر بشكل مباشر على صورة مصر والسلطة القائمة أمام المجتمع الدولى كافة وأمام المجتمع الأمريكى بصفة خاصة، ولاسيما أن هناك دوائر عديدة داخل المجتمع الدولى تعيد تقييم الأمور الداخلية فى مصر الآن خاصةً فيما يتعلق بالحريات سواء الحريات الدينية أو الحريات السياسية. وقد كان هذا ما جعلنا نتوقف عن كتابة سلسلة ( كشف العورات الخمس فى أحداث العريش ) .
ولكن للأسف أصبح لا يمر يوم واحد إلا وتشهد الساحة المصرية أحداثاً طائفية دينية عنصرية تحرك الوجدان بل أن حادثة واحدة منها كافية بذاتها إلى إدخال مصر والسلطة القائمة بها إلى دهاليز ومجالس المنظمات الدولية المناهضة لإهدار حقوق الإنسان وبالتالي التأثير البالغ على وضع المعونات الخارجية المقدمة من المجتمع الدولى والدول الأوربية والتى تعتبر من أهم الأمور فى الوقت الحالى لمصر لمساعدتها للمرور من الكبوة الاقتصادية الطاحنة التى تمر بها البلاد منذ أكثر من ست سنوات .
إلا أن الحوادث المتكررة هي التي تجبرنا على الحديث والكتابة ليس لمحاولة تشويه صورة الدولة المصرية أو النيل منها بأى صورة من الصور فحاشا لله أن يكون هذا هو هدفنا، ولكن هدفنا الأساسى جذب أنظارهم للعودة إلى طريق الصواب ونضع مشكلة العنصرية الطائفية نصب أعينهم لكى لا نصل إلى طريق مسدود تخسر به مصر ونحن معها المكتسبات البسيطة التى تحققت فى الأيام الماضية .
أحداث تفجيرات كنيسة طنطا والمرقسية بالإسكندرية وما تبعتها من تصريحات المسئولين وبصفة خاصة الجهات الأمنية وطريقة الكشف عن المرتكبين يؤكد وجود معلومات سابقة عن هذه الخلية الإرهابية مسبقاً ولكن لم تنل هذه المعلومات المجهود الكافى للقبض عليها قبل ارتكاب الجرم المشين منها .
وتأتى واقعة قتل الشهيد نبيل صابر فوزى من شهداء العريش دون أى ذنب غير كونه ضاق به العيش فى بيوت الإيواء بمدينة بورسعيد هو وأولاده وزوجته وظن من داخله أن الدولة أعادت الأمور إلى نصبها الحقيقى، فقرر العودة إلى دياره للاطمئنان على مصدر رزقه فى العريش المدينة التى أصبحت مرتع للإرهاب والإرهابيين، إلا أن أفكارهم التكفيرية نالت منه وتم قتله مما يؤكد وبصورة واضحة أن ما حدث فى العريش هو تهجير قسرى مجرّم وفقاً للقانون الدولى والدستور المصرى .
بل أن وتيرة التطرّف التى ترسخت فى أعماق الأفكار والعقول المصرية وصلت لحد أن إحدى السيدات قامت بقص شعر فتاة تحت شعار الجهاد وكأنها فى ساحة حرب وحرمتها من زينة المرأة ليس فى مصر فحسب بل فى العالم كله وهو شعر المرأة وهذه صورة سيئة جداً ظهرت داخل المجتمع المصرى تنادى برفض أى مظهر من المظاهر الخارجية والتى تختلف مع المعتقدات الدينية الإسلامية كمثال الحجاب أو الجلباب ووصل بالبعض منهم بطلب إلزام الجميع بمثل هذه الظواهر الخارجية لترسيخ التمييز العنصرى الديني من خلال التمييز الظاهرى للمصريين .
وقد فوجئت بالأمس أيضا بوجود امتحان فى مادة الدراسات الاجتماعية للصف الثاني الإعدادي بإحدى المدارس الحكومية بمدينة شبرا الخيمة يلزم كل الطلاب ببعض الإجابات التى تختلف مع معتقداتهم الدينية، كمثال أن يكون السؤال ما هى أفضل الحضارات فى تاريخ البشرية؟ ويجب أن تكون الإجابة هى الحضارة الإسلامية، فماذا لو كتب أحدهم الحضارة المسيحية أو الحضارة الفرعونية أو حتى حضارة بين النهرين، فان إجابته سوف تخسره كل درجات السؤال وقد يصل إلى خسارته لدرجات المادة بأكملها بل من الممكن أن يصل به الحد إلى فقدان السنة الدراسية بالكامل .
يا سادة تكفى صورة واحدة من هذه الحوادث لسحب الثقة من الحكومات بل أن واحدة منها تفرض حصارا دوليا تجاريا واقتصاديا بل يصل إلى إعلان الحروب على مثل هذه الدول المناهضة لإهدار الحريات .
وهنا جاء دورنا أن نقول للقائمين على السلطة فى مصر أنه كاد الكيل أن يطفح ولن نصمت كثيرا على إهدار حقوق المصريين وبصفة خاصة الأقباط فلا تلمن غير أنفسكم إذا ما تم التصعيد بعد ذلك ولكن حرصا منا على دولتنا رأينا التنويه والتوضيح قبل أن تأتى العاصفة داخليا وخارجيا وعليكم جميعا اتخاذ خطوات جادة حقيقية على الأرض للتخلص من براثن الإرهاب واقتلاعه من جذوره قبل أن تأتى ساعة لا ينفع فيها الندم بعد العدم.
عادل عجيب، رئيس الهيئة القبطية الأمريكية.