رئيس التحرير: عادل صبري 05:24 مساءً | السبت 26 أبريل 2025 م | 27 شوال 1446 هـ | الـقـاهـره °

حمزة محسن يكتب: ورأى الإمام و"لموأخذه" نائبه !

ضمن سلسلة سوف أحكي عن تجربتي (6/20)

حمزة محسن يكتب: ورأى الإمام و"لموأخذه" نائبه !

حمزة محسن 08 مايو 2017 16:28

 

في أولى سنوات السجن وحين بدأ السماح بدخول الكتب؛ دخل علىَّ أحدهم ذات يوم وأنا أقرأ كتابًا صغيرًا.. ظهرت علامات من الضيق على وجهه الخمسينى عندما لمح غلاف الكتاب؛ فوجدته مستنكرًا يخاطبني: "تقرأ لمصطفى محمود؟!! وهل قرأت "الرسائل" أولًا قبل قراءتك لهذا الكلام؟!!"..

 

لم يتغير وجهه كثيرًا حين أخبرته بتعبيرات طفولية تدفع عن نفسها اتهامات كسر إناء بلاستيكي؛ فأخبرته: "بالطبع قرأته خارج السجن وأعدت قراءته هنا على مَهَل".. لم أدرِ وقتها ما الذي عقد لساني وجعلني لا أستفهم منه مقصده من السؤال؟.. فقط كان كل همِّي هو دفع اتهامه الجائر لي!..

 

الآن وبعد أن اختمرت أفكار عديدة في عقلي وجدت أن مقولته تلك تحاكي عيبًا نظَّر له مفكِّرون كثر؛ منهم "عبد الله النفيسي" في كتابه "الحركة الإسلامية_ثغرات في الطريق"؛ حين تحدث عن نظرة بعض التنظيميين للكون من حولهم؛ فما هو داخل تنظيمهم "مقدَّس" بينما الخارج عنه "مدنَّس"!..

 

مع "رسائل الإمام الشهيد حسن البنا".. ذلك الكتاب الماتع الجامع.. مرجع الإخوان في السرَّاء والضرَّاء.. في المحن ووقت النوازل والكروب.. في الأسر والكتائب.. في السياسة والاقتصاد والاجتماع.. في رحلة فهم الشرع الحنيف بشموليَّته.. في نظرة المسلم للتراث.. وفي شحن "الأخ" بوقود للحركة.. مع رسائله.. كنت.. وكانوا..

 

بعد "الأزمة" -انقلاب الحرس القديم داخل الجماعة علي الجدد المنتخبين في أواسط العام ٢٠١٥- وجدت مع تصاعدها استدعاءً غريبًا لنص من نصوص "البنا".. كنت أسمعه منهم وكأني أسمعه لأول مرة!!.. كنت أكاد أفقد صوابي المفقود أصلًا..

 

هل بهذه البساطة تؤولون وتفسرون؟!.. لو كان الرجل بين ظهرانينا حيَّا؛ هل كان سيرضى بما تنسبونه له من تفسير وفهم؟!!..

 

"ورأى الإمام ونائبه فيما لا نص فيه وفيما يحتمل وجوهًا عدة وفي المصالح المرسلة معمول به مالم يصطدم بقاعدة شرعية....." ذلك الأصل الخامس الذي أورده "البنا" ضمن "الأصول العشرين" لفهم الإسلام، وضمن أركان "البيعة" العشرة.. كانوا يستشهدون به في أحقيَّة "القائم بأعمال المرشد" بالقيادة ووجوب طاعته؛ فهو "نائب الإمام" وبالتالي ف"رأيه معمول به..."!!.. والخارج عن طاعته مذنب نكث بالبيعة.. ومن نكث فإنما ينكث على نفسه!..

 

كنت أفهم ذلك الأصل بأنه يخص "إمام المسلمين" وأن تلك صلاحية له يستعملها للاجتهاد أو للمفاضلة أو لإزالة لبس أو فض نزاع أو تجلية غموض؛ خاصة وأنها محكومة بضابط "... مالم يصطدم بقاعدة شرعية"...

 

طالعت معظم شروح العلماء لـ "الأصول العشرين" حتى أتبين الحقيقة.. حقيقة تفسيرهم لنص الرجل..

كتب "جمعة أمين" في كتابه "فهم الإسلام في ظلال الأصول العشرين": " .... والإمام هنا يقصد به خليفة المسلمين أو رئيس الدولة أو نائبه ورأيه في أمور السياسة والحكم ومدى اعتبار ذلك...".

 

أما "عبد الكريم زيدان" فقد أورد ف كتابه "الشرح العراقي للأصول العشرين" :".. الإمام: هو الرئيس الذي تختاره جماعة المسلمين فيكون رئيسًا للدولة الإسلامية، ونائبه: أى من ينوب عنه في غيبته أو من يوليه ولاية إقليم أو عمل معين في الجيش...".

 

أما كتاب "في آفاق التعاليم"، فتحدث فيه السوري "سعيد حوى" عن ضابط استمعال "الإمام ونائبه" لتلك الصلاحية -إعمال الرأى الشخصى- فقال: "... فههنا يكون للإمام أونائبه دور في توجيه القانون، فقد قال الفقهاء: أن للإمام أن يختار من بين آراء الفقهاء الرأى الذى يرى أنه مصلحة..... هذه القضايا تحكمها الضوابط الاجتهادية الدقيقة كما تحكمها شورى أهل الشورى فى "الدولة" المسلمة على ضوء المصلحة الاسلامية العليا".. لم أفهم من شرح الرجل إسقاطًا لمفهوم الإمامة من "الدولة والخلافة" على "الجماعة والمؤسسة" لا تصريحًا ولا تلميحًا!

 

أما في "دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين" لكاتبه "محمد الغزالى" فبحثت بين أسطره فوجدت: "... وفي مجال المصالح المرسلة يستطيع الساسة المسلمون أن يصنعوا الكثير لأمتهم، على ألا يصطدموا بنص قائم؛ فإن هذه النصوص معاقد المصلحة "العامة" وإن عميت عن ذلك أنظار".. كان الرجل يسرد بعضًا من الاستشهادات "بين النص والمصلحة"؛ فتحدث عن "عمر لم يعطل حد السرقة" وعن"عمر لم يحرم الزواج بالكتابيات".. كلها أمور تخص "الإمامة".. إمامة المسلمين.

 

أما "القرضاوي" فتحدث في كتابه "السياسة الشرعية" قائلًا: "...الإمام في العرف الإسلامي هو الخليفة الذي يحكم الأمة نيابة عن رسول الله......... ويعتبر كل رئيس دولة إسلامية إقليمية في عصرنا بمثابة الإمام فيما يخصُّه من أحكام بالنسبة للبلد الذي يسوسه ويحكمه..".

 

أما "محمد عبد الله الخطيب" و"محمد عبد الحليم حامد" فتحدثا في كتابهما "نظرات في رسالة التعاليم" : "... يراد بالإمام: الخليفة الحاكم العام للمسلمين، ويراد بالنائب: كل من استخلفه الإمام على عمل ليقوم مقامه، كأمراء الولايات، وقادة الجند، والقضاة... ويراد بالإمام -أيضا- كل قيادة شرعية اختارها المسلمون".

 

ظللت أتعجب من ذلك الإسقاط الغريب الذي لم أجد له أى مسوغ سوى أننا جماعة توازي الدولة!!.. وأن أحكام الإمامة في الولاية تتسق مع أحكام قيادة التنظيم!

 

وإذا افترضنا جدلًا أن "البنا" حين أورد ذلك الأصل كان يقصد تنظيمه؛ فهو يسرد الأصول العشرين لفهم دين الإخوان المسلمين مثلًا، ولنفترض أنه عنى بالإمام ونائبه: "المرشد العام" و "القائم بالأعمال".. لنفترض.

 

ألم يعقِّب الرجل ب"...مالم يصطدم بقاعدة شرعية"؟.. أليست "الشورى" قاعدة شرعية نزلت فيها سورة قرآنية كما وردت في ماهيتها عشرات الآثار، وفصَّل الفقهاء في ضوابطها وآدابها ومدى إلزاميتها على مرِّ الأزمنة.. ماذا لو تعارضت تلك "الشورى" مع رأى "نائب الإمام"؟؟.. أيهما يقدَّم؟!

 

ألم يعلنها الإخوان صراحة وبملء فيهم أن الشورى عندنا "مُلزِمة" وليست "مُعلِمة"؟!

 

 صرت أتعجب بشدة من تلك "القلوظة" منهم لنص الرجل.. والذي يكرِّس فهمه المغلوط لاستبداد بالرأى أيما استبداد.. كما يعصف بأية مؤسسية؛ لطالما كنتُ من أشد المتشدِّقين بها.. والمهللين لوجودها.. والمخدوعين فيها!.

 

أما عن "البنا" فسلام عليه من أتباع إما قدَّسوه وتصلَّبوا أمام منتجه بجمود، وإما تاجروا بتراثه وامتطوا كلامه لتحقيق مراداتهم الضيقة!.. وإما زاوجوا بين الأمرين بجمود نفعى.

 

وإما فئة أخيرة حاولت التجديد على أصول بناها الرجل.

 

ولأن الرجل كان مجددًا وملهَمًا؛ فقد استطاع صياغة مشروع فكري ذي أهداف جليَّة استقاها من فهمه للتراث الإسلامي، وبلور الفكرة بتنظيم فاعل على الأرض في خطوات ثلاث واضحة.. استدعى الحلم وحاول مسايرة الواقع.. هكذا كان "البنا"؛ مجتهدًا حاول؛ فكَّر.. فأخلص.. فاستدعى الأسباب.. فجدَّد.

 

هكذا غدوت أبحث عن تلك الفئة الأخيرة.. المجددين.. بعيدًا عن المنتفعين أو الجامدين!.

 

حمزة محسن

مدون مصري وسجين سياسي

 

المقال الأول: متساقط أنا
المقال الثاني: القواعد من الرجال

المقال الثالث: زحل ٢٠٤٠

المقال الرابع: كالميت بين يدي مُغسلِه !

المقال الخامس: الانقلاب يترنح!

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان