في كل مرة يزداد السخط تجاه الدولة ورئيسها، في كل مرة تلمس الدولة حالة الغليان في صدور القطاع الأوسع من الشباب، لا يهم إن كان المؤشر مقطع لسائق توك توك غاضب أو مظاهرة تدعو أن الجزر مصرية، يكرر الرئيس في أول فرصة متاحة حديثه المحفوظ عن زهده في السلطة، وأنه لن يبقى يوما في منصبه ضد إرادة الشعب، يتبع ذلك توجيه مؤيديه اللوم لنا لإغضابنا الرئيس وعدم تقديرنا لقيمته، ثم يكررون بنغمة تتسم بالتحدي والتعال سؤالهم المعتاد "مين البديل؟"، دون أن يلاحظوا كم الوقاحة التي يحملها ذلك السؤال!
في البداية، وقبل أن أخوض في أسباب وصفي لسؤالهم بالوقاحة والفجاجة، دعني أذكّر مؤيدي الرئيس بأن صعوبة استبداله لا علاقة لها بالنجاح المبهر الذي حققته إدارته، ولا بكونه طبيب الفلاسفة الذي يأتي الخبراء والمفكرين للتعلم منه بحسب تعبيره، ولكن لخطورة الوضع الاقتصادي والأمني، نتيجة فشل إدارة المجلس العسكري للمرحلة الانتقالية وما تبعه من عبث خلال عام الإخوان، مما جعل استمرار السيسي حتى النهاية ضرورة حتى لو كرهنا ذلك.
الأفعال صوتها أعلى بكثيرا من ألف خطبة وتصريح يؤكد على الديمقراطية، وأفعال إدارة الرئيس السيسي تجاه معارضيه واضحة منذ اللحظة الأولى.
ومن جانبها، بذلت إدارة الرئيس ورجال أعمالها مجهودا خرافيا للخروج من حالة الرفض الدولي التي تزامنت مع وصوله لرئاسة البلاد، سواء من خلال صفقات تسليح لا نمتلك عنها معلومات كافية، أو من خلال وفود شعبية وشركات تسويق ومقابلات مع مجموعات الضغط السياسي، لتسويق الرجل كحليف على استعداد للمعاونة في ملفات الإرهاب واللاجئين. ثم جاءت تفاقم الأزمات في سوريا وليبيا في مصلحة الرئيس السيسي، بالإضافة للخوف الغربي من وقوع اضطرابات في مصر ذات الكثافة السكانية، ليتحول الرئيس السيسي إلى أمر واقع رغم التحفظات المشروعة عليه في الداخل والخارج.
هذه هي الحقائق التي لا خلاف عليها بعيدا عن خطابات المؤامرة الفضفاضة، وهذا ما سيكتبه كتب التاريخ شئتم أم أبيتم.
أما عن البديل الذي يطالبنا مؤيدو الرئيس بطرحه، دون أن يلاحظوا أن السبب الرئيسي لعدم وجود عشرات البدائل على الساحة ليس عدم وجود شخص آخر يمتلك من الخبرات أو المهارات التي يستطيع أن ينافس بها الرئيس، بل لأن دولة الرئيس تستغل كل قواها وقدراتها لمحو أي فرصة لخلق بديل. لأن الدولة لا تدرك أن الرئيس وإدارته هم موظفون راحلون، وليسوا جزءا من الدولة يجب الدفاع عنه وحمايته. لأن الدولة لا تستطيع أن تقف على مسافة واحدة من القوى السياسية، بل تقف وراء رجل واحد كما لو كانت حزبه أو جماعته، تعادي كل من يختلف معه، وتنكل به، ثم يأتي المتحمسون لها بكل انشكاح ويسألونك أين بديلكم؟
أنا أؤمن بأن الأفعال صوتها أعلى بكثيرا من ألف خطبة وتصريح يؤكد على الديمقراطية، وأفعال إدارة الرئيس السيسي تجاه معارضيه واضحة منذ اللحظة الأولى، منذ كتابة الدستور الذي ينص على الحرية والحق في التعبير والعمل السياسي، حين تم القبض على عدد من شباب حزب مصر القوية عند لصقهم بعض الشعارات الرافضة له.
هذا هو الواقع السياسي الذي نعيشه وهذه معادلتنا، الحرية والديمقراطية فقط لمن يؤيدنا، أما إذا كنت من المعارضين فأنت لا تستحق تلك الحقوق الدستورية.
يسخر مؤيدو الرئيس دائما من أحزابنا الضعيفة قليلة التمويل التي لا تحصد كراسي البرلمان، لكنهم لا يجيبوننا حين نسألهم لماذا لدى معظم الأحزاب السياسية غير المؤيدة للرئيس شباب داخل السجون، لماذا تسجن أعضاء حزب العيش والحرية الذي مازال تحت التأسيس وينتمي إليه المحامي خالد علي إن لم يكن هدفك الترهيب والتخويف؟!
رأس الدولة لا يعرف أن ليس من ضمن مهام وظيفته أن يتشبث من أجلنا، فدوره أن يكون مسؤولا عن المؤيدين والمعارضين.
قنوات فضائية تتكلف مليارات من أموال الشعب فقط للترويج لخطاب الدولة السياسي، مجلس نواب هندسته الأجهزة الأمنية، تضييق على كل حقوقي ومعارض، جهات سيادية تتحرك كأحزاب ذات أجندات وليس كجهات مستقلة ولائها للشعب وحده، قوانين وتشريعات تنزع أنياب كل جهة أو مؤسسة مستقلة من القضاء إلى الأزهر ومن الإعلام إلى المؤسسات الرقابية، جهود جبارة للتأكد أن لم يعد هناك جهة أو شخص قادر على الانتفاض مرة أخرى، وفي النهاية يتسألون عن البديل.
كل من يصلح أو يحظى ببعض الشرعية يكون مصيره إما التشويه على يد إعلاميي الدولة، أو قضية أمام المحكمة تجعل ترشحه مستبعد قانونيا. حتى الفريق شفيق ذي الـ75 عاما، مازال على قوائم الترقب، ومن الواضح أنه سيبقى عليها حتى انتخابات العام القادم.
يقوم الرئيس "أنا متشبث علشانكم"، وهذا هو لب المشكلة، أن رأس الدولة نفسه لا يعرف أن ليس من ضمن مهام وظيفته أن يتشبث من أجلنا، فدوره أن يكون مسؤولا عن المؤيدين والمعارضين، أن يحاسب على أدائه وتنفيذه لوعوده، لكن التشبث ليس مطلوبا منه على الإطلاق!