أصبحت تونس محط أنظار الجميع في الآونة الأخيرة، فالبلد الذي عرف كونه "مهد ثورات الربيع العربي" لم تتوقف الأزمات به منذ فترة، احتجاجات تملأ الشوارع، وارتباك سياسي لدى الساسة، يتزامن مع صراعات قوية بين الرئاسة والبرلمان.
ولا يفوت رئيس الجمهورية قيس سعيد مناسبة رسمية أو زيارة ميدانية دون توجيه سهام نقده إلى البرلمان والنظام السياسي الذي جاء به دستور الثورة، وتحميلهما مسؤولية الفشل السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي تعيشه البلاد.
ولعل خطابه الأخير في أثناء زيارته إلى محافظة قابس (جنوب شرقي تونس) منذ أيام كان الأكثر وضوحا، حسب ملاحظين، حين صرح بأنه "لو كان نظام الحكم في تونس رئاسيا، لما آلت الأوضاع إلى هذا المستوى من الخراب والدمار"، وفق تعبيره.
تغيير نظام الحكم
ولم تخرج المسيرة التي نظمها أنصار الرئيس قبل يومين بالتزامن مع ذكرى الاستقلال في العاصمة التونسية عن ذلك الهدف، إذ حمل العشرات من المحتجين صور قيس سعيد مطالبين بحل البرلمان والدعوة إلى استفتاء شعبي لتغيير نظام الحكم من شبه برلماني إلى رئاسي.
وحمل آخرون مسؤولية الاحتقان الاجتماعي الاقتصادي والأزمة السياسية الحادّة التي تعيشها البلاد النظام السياسي الذي أفرز صراعا على السلطة، وتنازعًا على الصلاحيات بين الرئاسات الثلاث (البرلمان والحكومة ورئاسة الجمهورية).
وحسب أستاذة القانون الدستوري منى كريم، يملك الرئيس قيس سعيد الآلية الدستورية لحل البرلمان في حالة واحدة تكون مرتبطة بعدم حصول الحكومة على ثقة البرلمان، وهي وضعية غير متوفرة حاليا باعتبار وجود حكومة قائمة بالذات، حسب قولها.
احتجاجات لأنصار الرئيس
وشددت الخبيرة الدستورية -في حديثها لوسائل إعلام عربية،على أن حل البرلمان، وإن كان مطلبا شعبيا لأنصار الرئيس، يبقى مطلبا سياسيا محكوما بضوابط قانونية مقيدة ولا إمكانية لترجمته على أرض الواقع.
وبخصوص دعوات بعض القيادات السياسية للرئيس إلى تفعيل الفصل 80 من الدستور التونسي "في حالة الخطر الداهم"، واعتباره "سلطة جبارة" في يده، لفتت كريم إلى أنه حتى في صورة تطبيقه، يبقى بموجبه البرلمان في حالة انعقاد دائم، ولا يجوز لرئيس الجمهورية حلّه.
وإلى جانب الدعوات الشعبية لأنصار الرئيس إلى حل البرلمان، لم تخف قيادات سياسية وحزبية معارضة مواقفها المساندة، على غرار الأمين العام لحزب مشروع تونس محسن مرزوق، ورئيس حزب الائتلاف الوطني التونسي ناجي جلول، وحتى بعض النواب في البرلمان الحالي.
وفي السياق ذاته، دعا الناطق الرسمي باسم حزب التيار الشعبي، محسن النابتي، إلى حل البرلمان، معتبرا أنه بات عقبة أمام عملية الإصلاح، وتحول إلى "بؤرة للتآمر على مستقبل تونس وخطر على مصالحها الحيوية وسلامة كيانها وسيادتها وأمنها"، حسب تدوينة نشرها على حسابه الشخصي بفيسبوك.
من جهته، حذّر رئيس البرلمان راشد الغنوشي من الدعوات التي أطلقها مناصرون للرئيس سعيد، وحتى قيادات سياسية معارضة، إلى حل البرلمان، واصفا إياها بأنها دعوات فوضوية تدفع نحو العودة إلى الدكتاتورية.
وقبل يوم، شارك العشرات في وقفة وسط العاصمة تونس، لمطالبة الرئيس قيس سعيد، بالدعوة إلى استفتاء وطني لحل البرلمان.
ورفع المشاركون في الوقفة التي دعا إليها ناشطون وحقوقيون، وانتظمت بشارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة، شعارات بينها "حل البرلمان واجب وطني"، و"نعم للاستفتاء"، وذلك احتجاجا على الأزمة السياسية والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تمر بها تونس.
ورفع المتظاهرون صورا للرئيس سعيد، مكتوبا عليها شعارات تدعو إلى حل البرلمان.
تشكيل الحكومة
وبحسب الدستور التونسي، يملك رئيس البلاد إصدار قرار بحل البرلمان في حالة واحدة فقط وهي مرور 90 يوما على انعقاده دون تشكيل الحكومة.
وبدأ البرلمان الحالي أعماله في أكتوبر 2019، وتشكلت حكومتان في ولايته.
في المقابل، جدد البرلمان التونسي، أمس السبت، دعوته إلى حوار شامل "بين كل الأطراف السياسية" في البلاد، مجددا التزامه بالعمل على "ترسيخ ثقافة الاختلاف".
جاء ذلك في بيان صادر عن البرلمان، بمناسبة احتفال تونس، بالذكرى 65 لعيد الاستقلال عن الاحتلال الفرنسي (1881-1956).
وقال البرلمان إنه "يجدد الدعوة إلى الحوار الشامل وفاء لأرواح الشهداء والتزاما بأهداف وغايات بناة الدولة الوطنية".
حوار مجتمعي
كما جدد "التزامه بالعمل على إشاعة روح الحوار وترسيخ ثقافة الاختلاف انسجامًا مع روح شعبنا المسالم والمتسامح ومع القيم التي ناضل من أجلها، حرية وعدالة ومساواة".
ودعا إلى "تعزيز الوحدة الوطنية وترسيخ قيم العيش المشترك وعرى التوافق؛ دعما لاستقلال تونس العزيزة وعزة وكرامة شعبها الأبي".
وأشار البيان إلى أن "تونس تحيي 20 مارس، الذكرى الخامسة والستين لعيد الاستقلال الوطني المجيد وهو يوم سيظل خالدا في ذاكرتنا الوطنية وتاريخ بلادنا العريق كيوم للعزة والكرامة والسيادة الوطنية".
وكان رئيس حركة النهضة، رئيس البرلمان، راشد الغنوشي، دعا أكثر من مرة إلى ضرورة الحوار بين جميع الأطراف السياسية لإخراج البلاد من "مأزقها السياسي والاقتصادي الراهن".
وتعاني تونس منذ أشهر أزمة اقتصادية واجتماعية حادة، فاقمتها تداعيات جائحة كورونا.
ويشهد البرلمان التونسي منذ فترة محاولات لتعطيل أعماله من قبل رئيسة كتلة الحزب "الدستوري الحر" (16 نائبا/ 217) عبير موسي التي لطالما أعلنت، في تصريحات سابقة، أنها تناهض ثورة 2011 التي أطاحت بنظام زين العابدين بن علي، وتُجاهر بعدائها المستمر لحركة النهضة.
ويعتبر نواب من مختلف الكتل البرلمانية أن ما تقوم به موسي، إرباك وتعطيل لعمل البرلمان، يراد منه التشويش على هذه المؤسسة.
كما يسود خلاف بين الرئيس قيس سعيد، ورئيس الحكومة هشام المشيشي، منذ 16 يناير الماضي، عقب إعلان الأخير تعديلا حكوميا جزئيا، لكن الأول لم يوجه دعوة إلى الوزراء الجدد لأداء اليمين الدستورية أمامه حتى اليوم، معتبرا أن التعديل شابته "خروقات".