"مقاتلات حربية من طراز أباتشي تحلق على ارتفاع منخفض وأخرى غائرة في كبد السماء.. أرتال من آليات عسكرية تواصل زحفها فوق مرتفعات الجبال، وأخرى تتخذ طريقها بين الوديان.. حواجز وارتكازات أمنية ثابتة ومتحركة تقع على مسافات متقاربة".. جملةٌ من مشاهد كثيرة فرضت نفسها على سيناء.
في بعض مناطق "أرض الفيروز الجميلة" الحياة لم تعد يومًا حياة، شوارعها خاوية، معاركها محتدمة، فهناك الإرهاب التي بقاعٍ عدة، يفتك بـ"الأخضر واليابس"، يستهدف الأمنيين والآمنين كذلك، فعلى مدار الأشهر الماضية، سقط العشرات إن لم يكن مئات القتلى جرَّاء الهجمات التي تزايدت بعد الإطاحة بالمعزول محمد مرسي من الرئاسة، في يوليو 2013 بعد مظاهرات حاشدة ضده.
ومع احتدام الإرهاب والحرب عليه، كان منطقًا ومنطقيًّا، أن تختفي معالم الحياة ومشاهدها في أرض سيناء.. 13 قرية عند جنوب الشيخ زويد اختفت فيها الجياة، بعد أن غادرها سكانها طوعًا بسبب "عجلة الإرهاب" الدائرة هناك على عُجل.
"تفجيرات.. قصف رسمي.. قذائف بالخطأ.. تنمية غائبة"، عوامل فرضت المعاناة على السيناوية، فباتت حياة بغير حياة، وأرض لا يعمرها سكانها.
قرى خاوية
قرى جنوب الشيخ زويد الشلاق، وقبر عمير، والتومة، وأبو لفيتة، وكرم القواديس، وأجزاء من قرى الغراء، والمقاطعة، وجوز أبو رعد، وأبو زرعي، وأبو رفاعي، والجورة والجميعي شهدت رحيلًا جماعيًّا، بعد أن فقدت العشرات من أبناءها، قتلًا وحبسًا، وتوقفت بها سبل الحياة حيث لا ماء ولا كهرباء ولا أسواق.
"سليمان أبو ملحوس سواركة" من سكان إحدى قرى منطقة جنوب الشيخ زويد قال لـ"مصر العربية": "مناطقنا لم يصلها مسؤول منذ أكثر من ثلاث سنوات مضت، وحياتنا أصبحت خوفًا في خوف".
وأضاف: "ننتظر أن يأتينا الموت نهارًا من النيران المشتعلة حولنا وليلًا من القذائف المجهولة.. كل سبل الحياة تلاشت، لا ننتظر اليوم مسؤولًا ليفتتح مشروعات، لكن ننتظر خبرًا يقول إنَّه تمَّ القضاء على الإرهاب".
طرق للتنمية باتت منصات "إرهاب"
سالم حمدان، مواطن نازح من إحدى قرى جنوب الشيخ زويد، أوضَّح: "المنطقة أصبحت موحشة، بعد أن حل عليها الخراب وجفت بها كل منابع الحياة.. والناس تركوا منازهم ونزحوا باتجاه الغرب بعيدًا عن مشاهد الموت والدماء التي يعيشونها بصفة يوميًّا بمناطق جنوب الشيخ زويد".
وتابع: "الطرق التي شيدت وافتتحت قبل سنوات أصبحت حفرًا بعد أن اتخذها المسلحون مرقدًا لعبواتهم الناسفة، وهي الآن لا يمر منها الآمنون وتشقها مجنزرات القوات وهي تلاحق المسلحين".
واستطرد: "المساكن التي اتخذت أشكالًا معمارية مميزة غالبيتها تحولت إلى كومة أحجار وحطام، والباقية تركها ساكنوها الذين فروا هاربين إلى مناطق آمنة حتى المدارس والوحدات الصحية هي الأخرى تضررت وسقطت أركانها والحياة بين جنباتها".
النيران تحكم أرض الفيروز
الشيخ عارف أبو عكر، أحد مشايخ قبيلة السواركة قال لـ"مصر العربية": "الرحيل من مناطق جنوب الشيخ زويد كان هربًا من نيران المعارك بعد أن سقط شهداء من المدنيين نتيجة تعرض منازلهم لقذائف وشظايا ونيران".
وأضاف: "عمليات اختطاف فناطيس المياه من قبل المسلحين تسببت في وقف نقلها للقرى والمساكن التي لا تشرب المياه إلا منقولة نظرًا لعدم وجود شبكات بها ما ضاعف من معاناة الأهالي ففروا بحثًا عن الحياة باتجاه غرب العريش".
اقرأ أيضًا: