رئيس التحرير: عادل صبري 11:01 مساءً | الخميس 28 مارس 2024 م | 18 رمضان 1445 هـ | الـقـاهـره °

بعد عامين من الثورة.. روائح الربيع العربي تهب من الخرطوم

بعد عامين من الثورة.. روائح الربيع العربي تهب من الخرطوم

العرب والعالم

احتجاجات بالسودان

بعد عامين من الثورة.. روائح الربيع العربي تهب من الخرطوم

أيمن الأمين 20 ديسمبر 2020 13:26

"السودانيون يهتفون مجددا بإسقاط النظام".. عبارة أعادت إلى الأذهان روائح الثورات العربية التي اندلعت قبل 10 سنوات، والتي استطاعت إسقاط أنظمة حكم دامت لعقود.

 

فالشارع السوداني وفي ذكرى ثورته التي أطاحت بنظام الرئيس المعزول عمر البشير، سيطر عليه التوتر والقلق، فلم يعد يثق فيما هو قادم، حيث أن حكومته لم تقدم له الجديد سوى التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، إلى جانب استمرار الفقر والجوع، بحسب وصف خبراء.

 

فالسودان الذي قدم الآلاف من القتلى والجرحى إبان احتجاجات "ديسمبر" ضد نظام البشير قبل عامين، ها هو يتخلى عن صمته تجاه قادة الحكم الآن، تاركا القدر ليحدد مستقبل تحالف الثوار والجيش، وكذلك التحديات الاقتصادية التي أثقلت كاهله.

 

في الأيام الأخيرة، كانت الخرطوم وبعض المدن السودانية الأخرى شاهدة على سماع وإعادة طرح عبارة "إسقاط الأنظمة" والتي صاحبت ألسنة الثوار في الاحتجاجات التي ضربت البلدان العربية قبل 10 سنوات.

 

ففي الذكرى الثانية للاحتجاجات التي ضربت شوارع السودان اعتراضا على الرئيس المعزول عمر البشير، هتف الآلاف من السودانيين مجددا بإسقاط النظام الحاكم.

 

 

وخرج آلاف المتظاهرين، معظمهم من الشباب، أمس السبت، في مدن عدة من السودان، احتجاجاً على عدم حصول أي تغيير في حياتهم اليومية.

 

وبعد أن أحرقوا إطارات متسببين بتصاعد أعمدة دخان سوداء في حي الصحافة، الواقع في جنوب العاصمة الخرطوم، توجه متظاهرون نحو القصر الرئاسي هاتفين بشعارات من بينها "عدالة، عدالة" و"تسقط بس"، في وقت كان فيه آخرون يحملون الأعلام السودانية وصور "شهداء" قتلوا خلال تظاهرات العام الماضي.

 

ووفق وسائل إعلام عربية، قال هاني حسن، البالغ 23 عاماً: "خرجنا إلى الشوارع اليوم مرة أخرى لأن الحكومة الانتقالية لم تحقق مطالبنا في العدالة والسلام والاقتصاد".

 

وكرر المتظاهرون هتافات الانتفاضة، فصرخ البعض "الشعب يريد إسقاط النظام". وبلغ عدد المتظاهرين عدة آلاف في أنحاء البلاد، بحسب تقديرات صحفيين ومراسلين لوكالة الصحافة الفرنسية.

 

 

وقالت ندى نصر الدين، البالغة 21 عاماً: "خرجنا اليوم لإرسال رسالة إلى الجيش والحكومة المدنية بأننا نمتلك سلاح الشوارع الذي سنستخدمه حتى تتحقق مطالبنا".

 

وبالإضافة إلى الخرطوم، نُظمت تظاهرات أيضاً في ود مدني في ولاية الجزيرة وفي بورتسودان وهو المرفأ الرئيسي في البلاد وفي عطبرة (شمال شرق) وكسلا (شرق). في وقت تدهورت فيه العلاقات بين العسكريين والمدنيين على مرّ الأشهر، ما أثار قلق المجتمع الدولي والخبراء.

 

من جهتها، أعلنت لجنة أطباء السودان المركزية (غير حكومية)، فجر الأحد، إصابة متظاهرين اثنين، وحالات اختناق، بالعاصمة الخرطوم، خلال مسيرات الذكرى الثانية لثورة ديسمبر 2018.

 

وأشارت اللجنة، في بيان، إلى تعرض شاب عشريني لإصابة بليغة على مستوى اليد، جراء إطلاق قوات الأمن عبوة غاز، حيث تم نقله إلى المستشفى لتلقي العلاج.

 

كما أعلنت اللجنة عن إصابة شاب ثلاثيني في الرأس، إثر تدخل أحد أفراد الأمن ضده بمقيض السلاح وليس عبر إطلاق نار، بالإضافة إلى وقوع عدد من حالات الاختناق جراء استخدام الغاز المسيل للدموع، دون تفاصيل.

 

وأوضحت أن قوات الأمن استخدمت الغاز المسيل للدموع لفض المحتجين أمام القصر الجمهوري والبرلمان، رغم أوامر النيابة العامة بعد استخدام العنف ضد الثوار.

 

وذكر شهود عيان، أن قوات الأمن استخدمت الغاز المسيل للدموع ضد المحتجين أمام البرلمان في مدينة أم درمان غربي الخرطوم، وفي محيط القصر الرئاسي.

 

 

والسبت، شهدت مختلف المدن السودانية بما فيها الخرطوم، مسيرات احتجاجية واسعة، للمطالبة بإسقاط الحكومة، وتحقيق أهداف الثورة، بمناسبة الذكرى الثانية لاندلاعها.

 

ومنذ إبرام اتفاق بين العسكريين الذين خلفوا البشير وقادة الانتفاضة، في أغسطس الماضي، تدير البلاد حكومة انتقالية برئاسة رئيس وزراء مدني ومجلس السيادة المؤلف من مدنيين وعسكريين.

 

وعلى الرغم من إعلان الولايات المتحدة مؤخراً حذف السودان من القائمة الأمريكية السوداء للدول الراعية للإرهاب، تتواصل الأزمة الاجتماعية الاقتصادية، ويفاقمها تفشي "كوفيد-19"، بالإضافة إلى تضخم متزايد ودين عام هائل يساوي 201 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

 

فالتحديات الاقتصادية، واحدة من الأشياء التي ما زالت ترعب السودانيين، فالتقارير الاقتصادية الأخيرة، وكذلك حالة التدهور التي عليها الاقتصاد وضعت البلد في مأزق.

 

وقبل شهر، أعلنت وزيرة المالية والتخطيط الاقتصادي في السودان هبه أحمد على، حالة الطوارئ الاقتصادية للحد من تدهور العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية، ومحاولة تحسين الوضع الاقتصادي المتدهور.

 

وقالت الوزيرة السودانية في مؤتمر صحفي، وقتها: "نعلن حالة الطوارئ الاقتصادية للحد من تدهور الاقتصاد ووقف تدهور سعر الصرف الجنيه مقابل الدولار وستقوم وتتابع الأجهزة النظامية والأمنية تنفيذ حالة الطوارئ الاقتصادية".

 

وكشفت أن "الحكومة لها إجراءات أخرى لاستقرار سعر الصرف وهي اتفاق استلام 480 مليون دولار من صندوق النقد الدولي".

 

وشهد سعر صرف الجنيه مقابل العملات الأجنبية في الأسواق الموازية تدهورًا كبيرًا حيث وصل سعر الدولار الواحد 250 جنيه لشراء وبيعه 240 جنيه، ما تسبب في فوضى كبيرة بأسعار البضائع بجانب إغلاق مئات المحال التجارية أبوابها لعدم استقرار سعر الصرف".

 

 

من جهته، جدّد رئيس الوزراء انتقاداته اللاذعة قبل أيام حيال الجيش والأجهزة الأمنية، معتبرا أن استثماراتها في القطاعات المنتجة في البلاد منذ أعوام هو "أمر غير مقبول".

 

وتفيد تقارير إعلامية محلية أن لدى الجيش والأجهزة الأمنية 250 شركة تعمل في قطاعات حيوية مثل تصدير الذهب واللحوم واستيراد دقيق القمح إضافة إلى الزراعة.

 

في المقابل، صرح رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني عبد الفتاح البرهان قبل نحو أسبوعين بأن الحكومة الانتقالية "فشلت في تحقيق طموح الجماهير" بعد مرور عام على تشكيلها.

 

ومن الاقتصاد المتدهور إلى السياسة المتعثرة والتي شهدت انقسامات بين الشباب الثائر وقادة الجيش، وضعت القرار السوداني على المحك.

 

فالصدام بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، لم يتوقف طيلة العامين الآخرين، رغم وجود الجانبين تحت مظلة واحدة "المجلس الرئاسي".

 

الأستاذ في كلية الدراسات الشرقية والإفريقية التابعة لجامعة لندن أرشين أديب مقدم، يقول: "المحرك الرئيسي للربيع العربي لا يزال يغلي تحت السياسات العربية".

ويضيف "2011 أودت إلى 2019، و2019 ستؤدي إلى موجة جديدة من التظاهرات".

 

 

وبالرجوع إلى الشارع السوداني أيام اندلاع شرارة الربيع العربي قبل 10 سنوات، تحديدا في العام 2011، وعلى غرار دول أخرى، تابع شباب السودان بحماس ما يجري في دول عربية من حولهم.

 

يقول الناشط محمد العمر (37 عاماً) إن "مجموعات ضغط شبابية تنظم احتجاجات صغيرة هنا وهناك" تشكلت في السودان بعد الربيع العربي، و"بدأت بعض الأجسام المهنية في التشبيك والتنسيق في ما بينها للضغط على النظام".

 

لكن نظام عمر البشير الذي تسلم الحكم في 1989، كان أقوى من تحركات محدودة. وقمع تظاهرات غير مسبوقة خرجت في العام 2013 ضد رفع الدعم عن المحروقات، ما أدى إلى سقوط عشرات القتلى، بحسب مصادر رسمية، فيما تحدثت منظمة العفو الدولية عن أكثر من 200 قتيل. لكن تلك التظاهرات بينت في الوقت ذاته شوق كثيرين لتغيير النظام على غرار دول "الربيع العربي".

 

 ويقول العمر "منذ سبتمبر 2013، بدأت دائرة معارضة النظام تتسع وتتغلغل في الأوساط الشعبية، وبدأت حركات شبابية تطالب بإسقاط النظام". بعد خمس سنوات، تكرّر المشهد. وفي 19 ديسمبر 2018، احتج مئات السودانيين على قرار الحكومة رفع أسعار الخبز ثلاثة أضعاف، وسرعان ما تحوّلت التظاهرات إلى حراك يطالب بإسقاط النظام.

 

ويقول العمر إن "الحراك السوداني كان أكثر تنظيماً" من ثورات الربيع العربي، مشدداً على سلميته "برغم محاولات أجهزة أمن النظام جره إلى العنف".

 

وفي 11 أبريل 2019، عزل الجيش البشير، وتمّ تشكيل مجلس عسكري انتقالي، لكن آلاف المتظاهرين واصلوا اعتصامهم أمام المقر العام للجيش، واصفين ما جرى بأنه "انقلاب". وقام مسلحون باللباس العسكري بتفريق المعتصمين في الثالث من يونيو 2019.

 

 

 وبعد مفاوضات، تمّ في منتصف أغسطس التوقيع على اتفاق بين الجيش وقادة الاحتجاج على تشكيل المجلس السيادي الذي يضم غالبية من المدنيين ويتولى عسكري قيادته لمرحلة انتقالية.

 

ويقول العمر الذي اعتقل خلال الاحتجاجات، في تصريحات صحفية، إن خبرة التنظيم التي راكمها السودانيون منذ 2013 ساهمت في قلب ميزان القوة لصالحهم، خصوصاً بعد تشكيلهم "تجمع المهنيين السودانيين" الذي قاد تحركات 2018 و2019. ويتحدث بفخر كيف كانت التظاهرات تنظم يومياً في الوقت ذاته، ولا تنطلق إلا بعد سماع المحتجين "زغاريد" تطلقها إحدى المتظاهرات.

 

 

 

الربيع العربي
  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان