كعادته منذ بلوغ سدة الحكم والجلوس على عرش البيت الأبيض، واصل الرئيس الأمريكي دونالد تقديم الدعم الأعمى للاحتلال الإسرائيلي، على حساب الشرعية الدولية والقوانين الإنسانية.
الجديد هذه المرة تصريحات لترامب عن الجولان المحتل، حيث قلب العالم بتغريدته على "تويتر"، قائلًا: "الوقت قد حان بعد 52 عامًا لأن تعترف الولايات المتحدة بسيادة إسرائيل الكاملة على مرتفعات الجولان، التي تتسم بأهمية استراتيجية وأمنية بالغة لدولة إسرائيل والاستقرار الإقليمي".
وفي 17 ديسمبر 1981، أصدر مجلس الأمن قرارًا بالإجماع، دعا فيه إسرائيل إلى إلغاء ضم مرتفعات الجولان السورية، واعتبار قوانينها، وولايتها، وإدارتها هناك لاغية وباطلة وليس لها أثر قانوني دولي.
مثّلت تصريحات ترامب انقلابًا على الشرعية الدولية وتغافلًا لكافة الأعراف والقوانين، وقد جاءت هذه الخطوة بعد أيام قليلة من إسقاط وزارة الخارجية الأمريكية في تقريرها عن حقوق الإنسان، صفة "محتلة إسرائيليًّا" عن مرتفعات الجولان، والضفة الغربية وقطاع غزة، واستعاضت عنها بعبارة "التي تسيطر عليها إسرائيل"، وهو ما أثار غضبًا سياسيًّا عارمًا، على الصعيدين الفلسطيني والعربي.
رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو كان أول المتفاعلين، ونشر تغريدة على "تويتر"، وجّه خلالها الشكر لترامب على اعترافه الذي وصفه بـ"الشجاع".
الحكومة السورية ردّت على تصريحات ترامب، حيث قالت وزارة الخارجية في بيان نشرته وكالة الأنباء الرسمية (سانا): "تدين الجمهورية العربية السورية بأشد العبارات التصريحات اللا مسؤولة للرئيس الأمريكي حول الجولان السوري المحتل التي تؤكد مجددًا انحياز الولايات المتحدة الأعمى لكيان الاحتلال الصهيوني ودعمها اللامحدود لسلوكه العدواني".
وأضافت: "هذا الموقف الأمريكي تجاه الجولان السوري المحتل يعبر وبكل وضوح عن ازدراء الولايات المتحدة للشرعية الدولية وانتهاكها السافر لقراراتها وبخاصةً قرار مجلس الأمن رقم 497 لعام 1981 الذي صوت عليه أعضاء المجلس بالإجماع بمن فيهم الولايات المتحدة والذي يرفض بشكل مطلق قرار حكومة الاحتلال الإسرائيلي وإجراءاته التعسفية بخصوص الجولان ويعتبره باطلًا ولاغيًّا ولا أثر قانونيًا له".
وتابعت البيان: "لقد أصبح جليًّا للمجتمع الدولي أنّ الولايات المتحدة بسياساتها الرعناء التي تحكمها عقلية الهيمنة والغطرسة باتت تمثل العامل الأساس في توتير الأوضاع على الساحة الدولية وتهديد السلم والاستقرار الدوليين، الأمر الذي يستوجب وقفة جادة من دول العالم لوضع حد للصلف الأمريكي وإعادة الاعتبار للشرعية الدولية والحفاظ على السلم والأمن والاستقرار في العالم".
واختتم: "تصريحات الرئيس الأمريكي وأركان إدارته حول الجولان السوري المحتل لن تغير أبدًا من حقيقة أن الجولان كان وسيبقى عربيًا سوريًّا، وأنّ الشعب السوري أكثر عزيمة وتصميمًا وإصرارًا على تحرير هذه البقعة الغالية من التراب الوطني السوري بكل الوسائل المتاحة وعودتها إلى كنف الوطن الأم شاء من شاء و أبى من أبى طال الزمان أم قصر".
وزارة الخارجية المصرية أكّدت - في بيان - موقف مصر الثابت باعتبار منطقة الجولان السوري أرضًا عربية محتلة، وقالت إنّ الجولان أرض سورية محتلة وفقًا لمقررات الشرعية الدولية، وعلى رأسها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 497 لسنة 1981 بشأن بطلان القرار الذي اتخذته إسرائيل بفرض قوانينها وولايتها القضائيّة وإدارتها على الجولان السوري المحتل، وعلى اعتباره لاغيًّا وليست له أيّ شرعيّة دولية.
وشدّد البيان على ضرورة احترام المجتمع الدولي لمقررات الشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة من حيث عدم جواز الاستيلاء علي الأرض بالقوة.
الأمم المتحدة دخلت على خط الأزمة هي الأخرى، حيث قالت ردًا على تغريدة ترامب، إنّها ملتزمةٌ بجميع قرارات مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة التي تنص على أنَّ احتلال مرتفعات الجولان السورية من قبل إسرائيل هو عمل غير مشروع بموجب القانون الدولي، وقد جاء ذلك على لسان نائب المتحدث باسم الأمين العام فرحان حق، في تصريحات لوكالة "الأناضول".
جامعة الدول العربية أصدرت هي الأخرى بيانًا، قال فيه أمينها العام أحمد أبو الغيط إنّ أي اعتراف من جانب الولايات المتحدة بسيادة إسرائيلية على الجولان سيمثل ردة خطيرة في الموقف الأمريكي من النزاع العربي- الإسرائيلي إجمالًا، وبخاصةً بعد الانتكاسات الهائلة التي أقدمت عليها الإدارة الأمريكية في حق القضية الفلسطينية".
وأضاف أبو الغيط أنّ الجولان هي أرض سورية محتلة بواقع القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن وباعتراف المجتمع الدولي، مؤكدًا أنَّ الجامعة العربية تقف بالكامل وراء الحق السوري في أرضه المحتلة.
وتابع: "الاعتراف لو حصل لا ينشئ حقوقًا أو يرتب التزامًا، ويعتبر غير ذي حيثية قانونية من أي نوع"، داعيًّا الولايات المتحدة إلى مراجعة هذا الموقف الخاطئ والتفكير بعمق في تبعاته القريبة والبعيدة، كما دعا إسرائيل إلى إلغاء قانون ضم الجولان الذي أصدرته في عام 1981.
أيضًا، قالت المتحدثة باسم المفوضية العليا للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي مايا كوسيانتشيش إنَّ تصريحات ترامب لن تغير من موقف الاتحاد الأوروبي الذي لا يزال لا يعترف بأنّ مرتفعات الجولان جزء من إسرائيل.
وصرحت المتحدثة - في بيان: "لم يتغير موقف الاتحاد الأوروبي، ولا يعترف الاتحاد الأوروبي، تماشيًّا مع القانون الدولي، بسيادة إسرائيل على الأراضي التي تحتلها منذ يونيو 1967، بما في ذلك مرتفعات الجولان، ولا يعتبرها بالتالي جزءا من أراضي إسرائيل".
كما انتقد وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو تغريدة ترامب، قائلًا إنّ "محاولات إضفاء الشرعية على انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي لن تؤدي إلا إلى مزيد من العنف والآلام في المنطقة"، وأكَّد أنّ تركيا تدعم وحدة الأراضي السورية، وفقًا لما كتب في تغريدة على "تويتر".
أيضًا، حذّر أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات من خطورة إقدام الولايات المتحدة الأمريكية على الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان المحتل.
وقال عريقات في بيان مقتضب: "الخطوة القادمة هي عدم استقرار وشلال دم في المنطقة".
وفي موسكو، عبّر النائب الأول لرئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الاتحاد الروسي فلاديمير جباروف عن أسفه قائلًا: "بيان ترامب غير المعقول قد يزعزع التوازن الهش في العالم العربي".
وأضاف في بيان: "الأمريكيون لا يريدون السلام في المنطقة، هم يريدون الحرب والفوضى ومهتمون ببيع أسلحتهم".
كما أعرب ريتشارد هاس رئيس مجلس العلاقات الأجنبية بالولايات المتحدة، عن عدم اتفاقه مع الرئيس ترامب في مسألة الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان.
وقال في بيانٍ نشره عبر "تويتر": "الآن ليس الوقت المناسب للولايات المتحدة للاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان.. الإجراء ينتهك القرار 242 الذي يستبعد الاعتراف بأراض أخذت بالحرب ويخدم إسرائيل بتأكيده على حق جميع الدول في العيش بسلام".