ما تزال أزمة السكن تلقي بظلالها على حياة الجزائريين، على الرغم من المخصصات المالية الضخمة التي رصدتها السلطات، إلا أن مئات الآلاف من المواطنين يواصلون رحلة البحث عن مأوى.
تعود أزمة السكن في الجزائر، لنهاية سبعينات القرن الماضي، مع تفاوت في حدة الأزمة من عقد لآخر، مر خلالها نحو 35 وزيراً استلموا حقائب وزارة الإسكان في البلاد.
وخصصت الجزائر في الفترة ما بين 2010 و2014، نحو 23 مليار دولار، لإنجاز 2.2 مليون وحدة سكنية، حسب أرقام وزارة السكن والعمران المنشورة على موقعها الرسمي على شبكة الانترنت.
ووفق ذات الأرقام، فإن الفترة ما بين 2015 - 2019 أُطلق خلالها برنامج خماسي آخر يستهدف إنجاز 1.6 مليون وحدة سكنية والوصول في نهاية المخطط إلى القضاء على أزمة السكن في البلاد.
ووفق آخر أرقام الوزارة نفسها، يبلغ العجز في الجزائر من السكن حاليا قرابة 400 ألف وحدة، بعد أن كان في بداية 1999 (تاريخ وصول الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة للحكم) يقدر بثلاثة ملايين وحدة سكنية.
وسبق لوزير السكن الجزائري، عبد المجيد تبون، أن أطلق وعوداً بالقضاء نهائياً على أزمة السكن في البلاد بحلول عام 2017، لكنه سرعان ما استدرك وأجلها إلى 2018، ثم ما لبث وأن حددت سنة 2019 كموعد لإنهاء هذه الأزمة.
وأعلنت السلطات الجزائرية في 19 مايو/ أيار 2016 مدينة الجزائر كأول عاصمة إفريقية خالية من الصفيح (الأحياء العشوائية)، وحضر الإعلان وفد عن الأمم المتحدة زار البلاد للغرض ذاته.
وجاء هذا الإعلان بعد قيام سلطات محافظة الجزائر العاصمة بـ 21 عملية ترحيل جماعية لسكان لتلك الأحياء امتدت على مدار 4 سنوات، وشملت العملية التي انطلقت عام 2014 أكثر من 46 ألف عائلة تقطن مناطق مختلفة من المدينة منها حي الرملي جنوبي العاصمة، الذي كان الأكبر عشوائية في البلاد.
ووفق أرقام رسمية لوزارة السكن والعمران الجزائرية نشرتها نهاية يناير الماضي، فإنه يوجد 535 ألف مسجل في الصيغة السكنية المعروفة بـ"عدل" الموجهة للموظفين والطبقة الوسطى من المجتمع.
وهذا النوع من الوحدات السكنية يدفع أصحابها ثمنها بالتقسيط طيلة فترة إنجازه مع إعانة من الدولة وقرض بنكي يسدد على فترة زمنية تصل 25 سنة.
رئيس مجمع خبراء المهندسين المعماريين الجزائريين (مستقل)، عبد الحميد بوداود، اعتبر أن الجزائر "لا تعاني من أزمة سكن بقدر ما تعاني من مشكلة تنظيم وغياب استراتيجية واضحة لضبط للقطاع".
وأوضح بوداود أنه "في غياب استراتيجية واضحة المعالم للحكومة، فإن المشاكل المتعلقة بالسكن لن تحل رغم الأموال الضخمة".
وأضاف أن "الدولة أنفقت أموالاً طائلة على السكن، وأطلقت مختلف الصيغ السكنية، لكن للأسف النتائج لم تظهر، والسبب غياب استراتيجية واضحة".
وأشار إلى أنه "منذ إنشاء وزارة السكن في 23 أبريل 1977 تعاقب عليها 35 وزيرا، لكن للأسف لم يعتمد أيا منهم على رؤية واضحة".
ووفق المتحدث، فإن ما يدل على أن قطاع السكن يعاني من غياب الإستراتيجية والتنظيم، هو وجود 1.5 مليون سكن شاغر في البلاد كشف عنها الإحصاء العام للسكان لعام 2008.
وحسب بوداود، فإن "1.5 سكن شاغر وغير مستغل قادر على امتصاص طلب كبير للسكن في الجزائر والدولة مطالبة بإجبار مالكي هذه السكنات على استغلالها أو تأجيرها لقاء مساعدات في المجال الضريبي، أو العكس من خلال فرض ضرائب أكبر في حال إبقائها مغلقة".
وإضافة للسكنات الشاغرة، ذكر بوداود أن هناك 1.2 مليون مسكن تم تشييده إما بطريقة غير قانونية أو ما زال في طور الإنجاز (غير مكتمل).
وكشف رئيس مجمع خبراء المهندسين المعماريين في الجزائر أن مقترحا تقدم به للحكومة سابقا لإجراء تحقيق دقيق وشامل- بإشراك بلديات الوطن (1541 بلدية) ودواوين السكن عبر المحافظات- للخروج بإحصائيات دقيقة حول حقيقة واقع السكن في البلاد، لكن السلطات لم ترد على طلبه.
بدوره، قال لطفي رمضاني وهو مدير ومؤسس موقع "الكرية" الإلكتروني (lkeria.com) المتخصص في بيع وتأجير المساكن بالجزائر، إن "أزمة السكن في البلاد بدأت تعرف طريقها نحو الحل ولم تبق بتلك الحدة التي كانت عليها أواخر الثمانينات وسنوات التسعينات".
وذكر رمضاني في حديث لـ"الأناضول" أن "الطلب ما زال كبيرا على السكن في الجزائر، رغم المشاريع والشقق التي أنجزتها الدولة، التي بلغ نحو 3 مليون سكن منذ مطلع الألفية".
وأرجع المتحدث استمرار الأزمة إلى كون الدولة الجزائرية بقيت هي المصدر العقاري الرئيسي في البلاد في ظل غياب شبه تام لسياسة بناء العقارات من طرف القطاع الخاص.
وأشار إلى أن "قطاع العقارات الخاص بقي إسهامه قليلا مقارنة بدول الجوار أو فرنسا على سبيل المثال خصوصا أن هذا القطاع اصطدم بقلة وغلاء القطع الأرضية المخصصة للبناء".
وحسب رمضاني، فإن "قدرات الانجاز لقطاع العقارات الخاص والمساكن التي يشيدها المواطنون لا تتعدى 10 آلاف وحدة سنويا (ألفان للقطاع الخاص و7 آلاف مساكن فردية يحصل المواطنون على تراخيص ببنائها).
أما رئيس الجمعية الجزائرية لحماية المستهلك (مستقلة)، مصطفى زبدي، فأوضح أن "الأمور بدأت تتطور نحو حل أزمة السكن لكن هناك بطء وتأخر كبيرين في المشاريع وعدم احترام آجال التسليم".
وذكر زبدي أن "المشاكل والاحتجاجات التي تلقتها الجمعية كانت في الغالب تتعلق بتأخر آجال تسليم الوحدات".
وتوقع رئيس جمعية حماية المستهلك أن تتجه أزمة السكن في غضون السنوات الثلاث المقبلة للحل، إذا استمرت وتيرة الانجاز والتسليم على ما هي عليه الآن.
لكن زبدي استدرك موضحا أنه حاليا وفي ظل استمرار ارتفاع أسعار العقارات والإيجار فهذه قرائن على أن الطلب ما زال قويا والأزمة ما زالت مستمرة.
وعلق قائلا: "سنشعر بتراجع الأزمة مع عمليات التسليم في الفترة المقبلة والتي سيصاحبها من المفروض تراجعا في الأسعار والطلب على حد سواء".