رئيس التحرير: عادل صبري 02:06 صباحاً | الجمعة 29 مارس 2024 م | 19 رمضان 1445 هـ | الـقـاهـره °

«مثنى وثلاث ورباع».. كيف تنظر المجتمعات العربية والإسلامية لتعدد الزوجات؟

«مثنى وثلاث ورباع».. كيف تنظر المجتمعات العربية والإسلامية لتعدد الزوجات؟

أخبار مصر

تعدد الزوجات

ظلم بمصر وإحسان فى السعودية ..

«مثنى وثلاث ورباع».. كيف تنظر المجتمعات العربية والإسلامية لتعدد الزوجات؟

فادي الصاوي 16 مارس 2019 21:28

اختلفت قراءة المسلمين لقول الله تعالى  (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا )، فمنهم من فسرها على أن الأصل في الزواج هو التعدد، ومنهم من فسرها على الأصل هو الإفراد وليس التعدد.

 

وبناء على تلك التفسيرات اختلفوا أيضا فى تطبيق الآية القرآنية على أرض الواقع، فمن رى أن الأصل هو التعدد اكتفى بتحقيق شرط العدل بين الزوجات، أما من يرى أن الأصل هو الافراد فقد وضعوا قيودا لزواج الرجل من امرأة ثانية كالحصول على موافقة كتابية من الزوجة الأولى أو أخذ رأى القاضى، بينما قامت بعض الدول بتعطيل الآية القرأنية وأصدرت تشريعات تجرم التعدد وتعاقب من يقوم به بالسجن مدة تصل لـ ٥ أعوام.

 

فى هذا التقرير  تسلط "مصر العربية"، الضوء على مسالة تعدد الزوجات فى كل من مصر والسعودية والمغرب وتونس وتركيا كنماذج مختلفة لتطبيق الآية القرأنية.

 

 التعدد فى مصر ظلم للمرأة

فى حديثه منذ أيام قال الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر أحد أكبر المؤسسات الإسلامية فى العالم، إن أولى قضايا التراث التى تحتاج إلى تجديد هى قضايا المرأة، لأن المرأة نصف المجتمع وعدم الاهتمام.

 

وطالب الطيب المسلمين بإعادة قراءة الآية القرآنية التى وردت فيها مسألة تعدد الزوجات بشكل كامل، وذلك لأن البعض يقرأ "مثنى وثلاث ورباع"، وهذا جزء من الآية، وليس الآية كاملة، فهناك ما قبلها وما بعدها، موضحا أن مسألة التعدد تشهد ظلماً للمرأة وللأبناء في كثير من الأحيان، وهي من الأمور التي شهدت تشويهاً للفهم الصحيح للقرآن الكريم والسنة النبوية.

 

الطيب قال إن التعدد حق للزوج لكنه "مقيد"، كما أنه رخصة تحتاج إلى سبب، بعد أوضح أن التعدد مشروط بالعدل، وإذا لم يوجد العدل يحرم التعدد، مضيفاً أن العدل ليس متروكاً للتجربة، بمعنى أن الشخص يتزوج بثانية فإذا عدل يستمر وإذا لم يعدل يطلق، إنما بمجرد الخوف من عدم العدل أو الظلم أو الضرر يحرم التعدد، فالقرآن يقول: "فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً".

 

أثار حديث الطيب جدلا كبيرا فى العالم العربي، فبينما اعتبرت بعض المنظمات النسائية فى مصر تصريحات شيخ الأزهر حول القضية، انتصارا للمرأة وللدين الإسلامي، وفسر البعض حديث الإمام الأكبر على أنه دعوة صريحه لتحريم تعدد الزوجات، وتشبه بالمسيحيين.

 

 ولكن المركز الإعلامي للأزهر بادر بإصدار بيان أكد فيه أن الإمام الأكبر لم يتطرق مطلقا إلى تحريم أو حظر تعدد الزوجات، وقد انصب حديثه على فوضى التعدد وتفسير الآية الكريمة المتعلقة بالموضوع، بل سبق لفضيلته أن قال خلال كلمته أمام مؤتمر الإفتاء العالمي فى 12 أكتوبر 2016 بأنه لا يدعو إلى تشريعات تلغى حق التعدد.

 

وأشاد المجلس القومي للمرأة فى مصر، بتصريحات شيخ الأزهر، وقال إن في بيان له : "إن مقولة الحق الصادرة منه بدافع تنوير العقول وإظهار الحق، وتأكيده الدائم على أن الدين الإسلامي الحنيف كرم المرأة وأنصفها وأعطاها حقوقا عديدة لم تكن موجودة من قبل".

 

فيما اعتبرت المحامية نهاد أبو القمصان رئيس المركز المصري لحقوق المرأة، تصريحات الدكتور أحمد الطيب خطوة مهمة لفتح الحوار فى المجتمعات العربية، وكل مجتمع يري ما يناسبه فى اتجاه التحريم التدريجي أو المباشر.

 

ومن جانبها كشفت الدكتورة أمنة نصير عضو مجلس النواب، أن هناك أبعاد أخلاقية لقضية تعدد الزوجات فى مصر" target="_blank">تعدد الزوجات فى مصر وضوابط تتمثل في أولا: أن يكون قادرا على العدل.. ثانيًا: أن يكون لديه القدرة المالية على استيعاب أكثر من أسرة والإنفاق عليها.. ثالثًا: التقنين للتعدد من خلال دراسة قاضى فى المحكمة.

 

وعلى مدار العقود الماضية جرت محاولات عديدة لتقييد مسألة التعدد بالقضاء، ووُضِعَت مقترحات عام 1926 لإضافة شرط موافقة القضاء عليه إلى قانون الأحوال الشخصية؛ وذلك تأثرًا بدعوة أطلقها الشيخ محمد عبده لأن تشرف الحكومة على تعدد الزوجات حتى لا يُقدِم عليه من ليس له استطاعة، لكن رُفِضَت كل تلك المقترحات من قِبَل رجال الفقه، وصدر القانون رقم 25 لسنة 1929 الذى خلا من تقييد تعدد الزوجات.

 

لم يمنع هذا الرفض من تجدد المطالبات بتقييد التعدد، إلى أن صدر القانون رقم 44 لسنة 1979، الخاص بتعديل بعض قوانين الأحوال الشخصية، والذى أوجب على الزوج المسلم أن يقدّم للموثق إقراراً بحالته الاجتماعية، وذكر أسماء زوجاته اللاتى فى عصمته إذا كان متزوجاً مع قيام الموثق بإخطارهن بهذا الزواج.

 

 واعتبر القانون أن زواج الرجل على زوجته بغير رضاها أو دون علمها يعدّ إضراراً بها، حتى وإن لم تشترط عليه فى عقد زواجها عدم الزواج عليها، وأعطى الزوجة حق طلب التطليق لهذا الضرر، وذلك خلال سنة من تاريخ علمها بالزواج عليها، أى أن هذا القانون اشترط لتعدد الزوجات رضاء الزوجات أنفسهن عليه.

 

وأصدرت المحكمة الدستورية العليا حكماً بعدم دستورية هذا القانون فى 4 مايو 1985؛ لعيوب شكلية وإجرائية؛ فصدر القانون رقم 100 لسنة 1985 ليحل محله، وقد ألزم القانون الجديد أيضاً الزوج بأن يقرّ فى وثيقة الزواج بحالته الاجتماعية، وتوضيح زوجاته اللاتى فى عصمته ومحال إقامتهن وعلى الموثق إخطارهن بهذا الزواج.

 

وأجاز القانون الجديد للزوجة أن تطلب الطلاق من زوجها الذى تزوّج عليها، خلال سنة من تاريخ علمها بالزواج بأخرى، إذا لحقها ضرر مادى أو معنوى بسبب التعدد يتعذّر معه دوام العشرة.

 

ويضع هذا القانون على الزوجة عبئ إثبات وقوع ضرر مادى أو معنوى عليها يدفعها لطلب التطليق من زوجها الذى تزوج عليها.

 

وتعكف هيئة كبار العلماء بالأزهر، على مناقشة مشروع قانون الأحوال الشخصية، الذي يتضمن مقترحًا لتقنين تعدد الزوجات، إلا للضرورة الملحة، وذلك وفقًا لما نُسب للدكتور محمود مهنا، أستاذ التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر وعضو هيئة كبار العلماء.

 

التعدد إحسان للمرأة السعودية

فى المقابل يرى علماء الدين فى المملكة العربية السعودية، أنه لا مانع من التعدد وإن كانت الزوجة الموجودة صالحة وطيبة وليس فيها مرض ولا علة ولو كانت قادرة على الإنجاب، ما دام الرجل قادرا على الزواج وعلى العدل، -وفقا لرد الشيخ السعودي ابن باز على سؤال حول تعدد الزوجات على موقعه الرسمي بالإنترنت- الذى استشهد على رأيه بالآية القرآنية، وبزوج الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته بأكثر من امرأة.

 

وزعم ابن باز أن مسألة تعدد الزوجات فيها إحسان للنساء، موضحا أن وجود نساء ليس لهن أزواج هذا من المصائب وفيه خطر، فكون المرأة تعطى نصف زوج، يعني: يحصل لها نصف أو ثلث أو ربع يعفها وينفق عليها ويحصل لها بسببه النسل هذا خير عظيم ومصلحة كبيرة، خير من بقائها في البيت بدون زوج.

 

وانتقد الشيخ ابن باز الدعوات المطالبة بتقنين أو تحريم التعدد قائلا: "من المصائب أن كثيرًا من الناس اليوم يدعو إلى عدم التعدد وربما اغتروا بما يقوله بعض النصارى ومن شابه النصارى في ذلك، وكثير منهم يحبذ أن يكون الزوج باقياً على واحدة ويندد بالأزواج الذين يعددون وهذا كله غلط، وكله تشبه بالنصارى، أو تأثر بما قالوه أو قاله من التحق بهم أو شاركهم في رأيهم أو اقتدى بهم في أخلاقهم".

 

وأضاف :"الشريعة الإسلامية العظيمة جاءت بالتعدد وكان التعدد قبلنا أكثر، كان عند داود مائة امرأة عليه الصلاة والسلام، وتزوج سليمان تسعاً وتسعين، في رواية: سبعين، كان التعدد في شريعة التوراة أكثر أما في شريعة محمد ﷺ فاقتصر العدد على أربع فأقل للأمة ما عدا النبي ﷺ فله تسع عليه الصلاة والسلام، هذا من رحمة الله جل وعلا أن جعل العدد أربعًا فأقل في هذه الأمة لحكمة بالغة".

 

وتابع : "مصالح التعدد كثيرة للرجال والنساء، النساء يحصل لهن العفة وقضاء الوطر والإنفاق عليهن، ودخول الزوج عليهن واحترامهن، والدفاع عنهن وهيبة الرجل إذا دخل عليها، ثم وجود الولد الذي يهبها الله ولدًا على يديه فيحصل لها بذلك خير عظيم إذا أصلح الله الولد، وقد يكون عدة أولاد من الرجال والنساء"، مشددا على ضرورة العدل بين الزوجات.


 واتساقا مع رأي رجال الدين بالسعودية، أعلن شخص يدعى الدكتور عطا الله العبار فى عام 2016، عن تأسيس جمعية "تعدد" والتي تهدف إلى تشجيع الرجال على تعدد الزوجات، وحث النساء على المساهمة في إرضاء الزوج وعدم الممانعة في ذلك، وقوبلت الجمعية بردود فعل غاضبة من النساء المتزوجات، خوفاً من أن تشجع أزواجهن على الزواج بأخريات.

 

وعندما أعلنت السعودية عن إقرارها لقانون يفرض شروطا معينة على مواطنيها الراغبين بالزواج من مغربيات، كما منعت زواجهم من نساء أربع دول، هم بورما، باكستان، بنغلادش، التشاد، صرحت الكاتبة السعودية هالة القحطاني، بأن لا شيء يمنع الرجل الشرقي بصفة عامة من أن يتزوج إذا أراد، لأن الموروث الاجتماعي في الدول العربية مازال ضعيفا ومتشابها في مسألة اتخاذ المرأة كشريك في الحياة، وليس خادمة أو مصدر للأطفال والمتعة فقط.

 

تقييد التعدد فى المغرب

ونظرا لكونه موضوعا شائكا هناك، بادرت المغرب بتقنين مسألة تعدد الزوجات فى البلاد وخصّصت مدوّنة الأسرة المغربية التي وضعها البرلمان في عام 2004 مساحة كبيرة له.

 ووضعت المدونة قيودا على الرجل الذي يميل إلى الاقتران بامرأة ثانية، بحيث اشترطت توفّر الموارد الكافية للزوج حتى يؤدي واجبه في الإنفاق على زوجاته، وتوفّر مبرر موضوعي واستثنائي وراء رغبته في التعدد، واستدعاء الزوجة الأولى لحضور جلسة المحكمة التي تبحث معها موافقتها أو عدمها.

 

 وفي حالة موافقة الزوجة الأولى على اقتران زوجها بامرأة أخرى إلى جانبها، فإنّ المحكمة تحفظ القضية للتداول بها والحكم بالقبول إذا استوفى الطلب كلّ العناصر ورأت المحكمة أنّها موجبة للتعدد، أو الحكم بالرفض في حال لم تجد المحكمة أنّ الطلب يستوفي العناصر اللازمة.

 

أمّا في حال رفض الزوجة الأولى اقتران زوجها بامرأة أخرى إلى جانبها وألحّ الزوج على طلبه، فإنّ المحكمة تحاول مصالحتهما لكنّها قد لا توفّق في مسعاها ويصرّ الطرفان على موقفَيهما. عندها، إذا طلبت الزوجة الطلاق، حُكم لمصلحتها بمستحقات يتعيّن على الزوج إيداعها صندوق المحكمة خلال سبعة أيام، وإلا عُدّ متراجعاً عن طلب الإذن بتعدد الزوجات.

 

وإذا لم تطلب الزوجة الطلاق، فإنّ المحكمة تطبّق مسطرة الشقاق تلقائياً. إلى ذلك، تنصّ مدوّنة الأسرة على أنّ الإذن لا يُعطى للرجل الذي ينوي الاقتران بزوجة ثانية إلا بعد إشعارها من قبل القاضي بأنّ من يريد الزواج بها متزوّج بغيرها ويسألها عن رضاها بذلك، الأمر الذى يدفع الكثير من الرجال المغاربة إلى اللجوء إلى طرق احتيالية.

 

التجريم فى تركيا وتونس

ورغم إباحة الشريعة الإسلامية لمسألة التعدد، إلا أن هناك دولا عربية وإسلامية كتونس وتركيا تجرمان هذا الأمر، وقد تصل عقوبة من يجمع بين زوجتين أو أكثر إلى السجن 5 سنوات، ما دفع بعض الرجال للتحايل على تلك القوانين.

 

فى عام 1926 قامت تركيا بإلغاء تعدد الزوجات، وأصبح القانون التركيّ لا يسمح بالارتباط بأكثر من زوجة في الوقت ذاته، وقد حدد عقوبة لهذا الفعل تصل إلى السجن لمدة خمس سنوات، لكن رغم ذلك يتحايل بعض الرجال الأتراك على القانون، ومن تلك الحيل تسجيل الرجل الذي يتزوج بأكثر من امرأة لزواجه الأول فقط في المحكمة، أما باقي الزيجات فتتم بعقود شرعيّة يكتبها الشيخ أو المأذون، ولا تثبّت في المحاكم التركيّة، كما يسجل الرجل أولاده من باقي الزوجات على اسم زوجته الأولى في السجل المدني لدى الدولة.

 

وأصبحت تونس أول دولة عربية تلغي رسميا تعدد الزوجات في عام 1956، ويمنع القانون التونسي مسألة التعدد، وينص الفصل 18 من قانون الأحوال الشخصية على سجن وتغريم كل شخص يجمع بين زوجتين.

 

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان