100 عام مرت على اندلاع شرارة ثورة 1919، التي فتحت أبواب التغيير على مصرعيها على الصعيدين الاجتماعي والسياسي وأسست لحركة وطنية ناضلت ضد الاستعمار ورسخت مفهوم المواطنة في الوعي الجمعي المصري.
بعد اعتقال سعد زغلول و ورفاقه وحبسهم في ثكنات قصر النيل في 8 مارس 1919ثم نفيهم في اليوم التالي إلى جزيرة مالطا، عمت الاحتجاجات البلاد التي أشعلها طلاب المدارس الثانوية العليا وانضم لها بقية المصريين في القلب منهم المرأة المصرية لأول مرة.
قبل هذا التاريخ بنحو 4 أشهر، في نوفمبر 1918 بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، شكل سعد زغلول ومصطفى النحاس و علي شعرواي وأحمد لطفي السيد وعبد العزيز فهمي، فما بات يعرف بالوفد المصري للمطالبة باستقلال مصر في مؤتمر باريس للسلام.
"نحن الموقعين على هذا قد أنبنا عنا حضرات: سعد زغلول ورفاقه.. في أن يسعوا بالطرق السلمية المشروعة حيثما وجدوا للسعي سبيلاً في استقلال مصر تطبيقاً لمبادئ الحرية والعدل".. تلك كانت صيغة التي وقع عليها المصريون لتفويض سعد ورفاقه للحديث باسم جموع الشعب.
يقول الدكتور محمد عفيفي رئيس قسم التاريخ بكلية الآداب جامعة القاهرة إن نجاح ثورة 1919 ألهم الشعوب العربية فكانت لها صدى تمثل في ثورة العشرين في العراق و ثورة 1924 في السودان وثورة 1925 في سوريا ضد الانتداب الفرنسي.
ويضيف عفيفي خلال ندوة نظمها الحزب الديمقراطي الاجتماعي للاحتفال بمئوية ثورة 1919 إن ثوار 1936 في فلسطين المراجع التاريخية أوضحت أنهم كانوا متأثرين بنجاح ثورة 19، مشيرا إلى أن ثورة أعطت الشرعية الدولية لمصر كدولة مستقلة.
وأوضح أن الثورة التي مر عليها 100 عام جعلت مصر دولة في القانون الدولي بعد أن كانت ولاية في الدولة العثمانية،فهي التي أعطت الشرعية الدولية لمصركدولة مستقلة ذات سيادة، مؤكدا أنها رسخت مبدأ المواطنة.
وأشار إلى أن ثورة 19 كانت لحظة تاريخية فارقة، إذ رسخت مبدأ المواطنة ليس فقط مقصورا على المسلمين والمسيحين خاصة بعد الفتنة الطائفية الكبرى التي حدثت بعد اغتيال بطرس غالي رئيس الوزراء في 1910 على يد إبراهيم الورداني.
وبحسب أستاذ التاريخ، كان المصريون بتلقائية وعفوية يزيلون النجوم التي كانت في العلم المصري ويضعون مكانها الصلبان دليل على ترسخ الوحدة الوطنية ليكون الهلال يحتضن الصلبان، ولم يكن شعار الهلال مع الصليب شعار دعائي، ذلك بدون أوامر من أحد.
وأشار إلى أن القمص سرجيوس الذي كان يخطب في الجامع الأزهر إبان ثورة 19 لعب دورا مهمة في الحياة السياسية المصرية خلال الثورة وما بعدها، وتم اعتقاله وكان لأول مرة يتك اعتقال رجل دين وكذلك تم اعتقال الشيخ مصطفى الذي كان يخطب في الكنائس.
ولفت إلى أن المصريين وقتها أصروا على عدم تولي أي شخصية سياسية للوزارة بعد استقالة حسين رشدي باشا تضامنا مع سعد زغلول، فقرر الاحتلال الإنجليز تعيين يوسف باشا وهبة حتى تحدث فتنة طائفية أخرى في حال اغتياله.
غير أن طالب الطب عريان يوسف سعد الذي كان مشتركا في العمليات السرية بقيادة عبد الرحمن فهمي قرر اغتيال يوسف وهبة حتى يقال أن قبطي اغتال قبطي من أجل الوطن وبذلك تتجنب البلاد الفتنة الطائفية، بحسب أستاذ التاريخ.
وأكد أن البدو أشتركوا في الثورة من خلال حمد الباسل، شيخ عربان الباسل في الفيوم الذي فتح قصره لاحتضان الثورة و الثوار، وحينما عارض الإنجليز عارضوا، خرج عربان الباسل بالسلاح لمحارية الإنجليز من أجل الوطن، مشددا على إن البدو البدو كانوا في القلب من القضايا الوطنية عندما كان هناك مشروع قومي.
وتحدث عفيفي عن مشاركة المرأة المصرية لأول مرة في الحياة السياسية من خلال تظاهرة نحو 300 سيدة و فتاة يطالبن بالإفراج عن سعد زغلول والاستقلال، وخطبت إحدى الفتيات في جنود الانجليز الذين أحاطوا بالمظاهرة.
وقال إن صفية زغلول أصبحت أم المصريين مثل أيزيس في استدعاء للتاريخ الفرعوني القديم التي ترعى شؤون الثورة في غياب سعد زغلول الذي كان بمثابة أوزوريس.
وأضاف أن ثورة 1919 كانت ثورة شاملة لم يحدث مثلها في تاريخ مصر لأنها الثورة الوحيدة التي اشترك فيها الفلاحين في الدلتا والصعايدة والبدو فامتدت من إسكندرية حتى أسوان، مشيرا إلى أن أكبر عدد من شهداء، كان من المنيا وأسيوط، إذ ترواحت أعدادهم بين العشرات والمئات، حيث ضرب الإنجليز أسيوط بالطائرات البدائية.
في السياق ذاته، قال عبد العظيم حماد رئيس تحرير صحيفة الأهرام الأسبق إن ثورة 1919 مهدت لجلاء أخر جندي إنجليزي في 1956 وأفرزت دستور 1923، لذلك كانت ثورة وطنية ديمقراطية، موضحا أن سعد زغلول رفض مشاركة أي من أمراء العائلة المالكة حتى تكون ثورة الشعب المصري وحده.
وأضاف حماد خلال كلمته في الندوة ذاتها أن ثورة 19 صاحبة الفضل في الاستقلال التام عن بريطانيا من خلال تمصير الجيش المصري وتمصير الإدارة وإلغاء القضاء المختلط، لافتا إلى أن ثورة 19 جعلت الشعب في قلب العملية السياسية.
وأوضح أن ثورة 1919 نقلت القيم و المثل السياسية من النخبة ورسختها في الوعي الشعبي، مشيرا إلى أن الثورة نجحت في نقل الفكر المصري من مستوى العصور الوسطى إلى العصر الحديث، ودخل الشعب طرفا في المعادلة السياسية فأصبح مؤمنا بتحديد مصيره و اختيار حكامه.
وأشار إلى أن ثورة 19 كرست المشاركة الشعبية، موضحا أن مناخ ثورة 1919 هو الذي حدد القضايا والمكتسبات الاجتماعية في الأربعينات، غير أنه يرى أن الثورة لست مسؤولة عن الانقلابات التي حدثت بعدها لذلك يرى أن ثورة 19 في تحقيق أهدافها.